«شراكةُ» سارقٍ ومسروقٍ..!!
الأصحّاءُ ليسوا ضروريين للاقتصاد، بل ربّما يضرّون به؛ فهم لا يحتاجون إلى أدويةٍ ومشافٍ ونفقاتِ علاجٍ.. فلمَنْ تُدار مصانعُ الأدوية و«أطنانُ» الأموال المستثمرة في قطاعات الخدمة الطبيّة إذاً..؟!
كما الأشخاص،لا تبدو الدولُ المتعافيةُ باقتصاداتها والمكتفيةُ بمواردها ضروريّةً للاقتصادات الرأسماليّة؛ لأنّها ليست «زبوناً دسماً» في أعراف دولٍ كبرى تعيشُ، وتتعيّشُ، وتثرى على حاجاتِ الشعوب ومتطلّباتها الأساسيّة والمصيريّة.
هي خلفيّاتُ المشهد العالميِّ ببعده العميق؛ والتي لم تعدْ مطرحَ جدلٍ بتاتاً، وفحوى الصراع المُحتدم بآليّات مطوّرة؛ لإفراغ طيفٍ واسعٍ من البلدان من مواردها، والهدفُ « تصنيعُ الفقراء»، وتسريعُ متوالية زيادة أعداد زبائن «إكسير البقاء» الذي بات باهظَ الثمنِ.
نجحوا في المهمّة، وأنفذوا سيناريوهاتٍ مديدةً، يُكابر، ويُجافي الحقيقةَ مَنْ يزعمُ أنّها لم تكن مكشوفةً ومعلومةً، لكنّ ثمّة لوثةً اسمُها «الاسترخاءُ المُريبُ» وقلّة الاكتراث، استحكمت ببلدانٍ كانت «متفرّجةً» على فصول إفقارٍ مُعلنٍ، ولم تتحوّط.
حربُ البذار والتهجينُ الوراثيّ.. التلاعبُ بسلالات قطاعات الثروة الحيوانيّة.. سرقةُ ما تمّ تجميعُه في البنوك الوراثيّة الزراعيّة ..القضاءُ على خصوصيّات الموارد… نسفُ سلاسل الميزات النسبيّة والمطلقة، وفي المحصّلة؛ تجويفُ الاقتصادات بـ«رشاقةٍ» مثيرةٍ للدهشة.
والمُثيرُ أكثر هو حالةُ الاستسلام والتسليم التي غلّفت تعاطي الدول المُستهدَفة مع أخطر ما يهدّدُ شعوبَها، إلى درجة أن أحداً لا يملك أن يلومَ مَنْ تأخذه ظنونُه إلى الشكّ بأن ثمّة أذرعاً تنفيذية داخل هذه الدول، عملت على تسريع نفاذ «الوصفات المفخّخة».. وثمّةَ حالاتُ ضبطٍ مشهودة لجواسيس اقتصاديين في كذا بلدٍ، تكشّفت بعد احتدام الحرب التجاريّة وصعود أقطابٍ جديدةٍ في هذا العالم.
النبشُ في الماضي ليس مهمّاً؛ لكنّ المهمَّ هو العبرةُ، والأهمُّ الاستدراكُ، ومازال في الوقت بقيّةٌ لذلك، على الرغم من صعوبة الظرف والتآكل الذي اعترى بُنى الاقتصاد الأساسيّة في نسقٍ طويلٍ وعريضٍ من الدول – الضحايا التي تُعاني ما تعانيه من أزماتٍ في عالمٍ يَنعى زمنَ الغذاء الرخيص.
بالنسبة لنا في سورية.. بلد تنوّع الموارد وثراء الميزات التي يعلمُ الجميعُ أن بعضَها مطلقٌ لا مجرد نسبيّ، مازال لدينا أملٌ في إعادة بناء منظومة الموارد، واستعادة مرتكزات الخصوصيّة السوريّة، والمعادلةُ ليست معقدةً؛ فقط تتطلبُ إجراءاتٍ راجعة على عكس مسار «الارتجالات» التي حصلت على مرّ عقود سبقت، ولنبدأ بالقطاع الزراعيّ – سرّ بقائنا – الذي تعرّضَ لاختراقاتٍ خطيرةٍ، تركّزت على المنظومة البحثيّة الزراعيّة؛ لإفساد أهمّ ما تنعمُ به البلادُ من مقوّمات… و لعلَّ الجميعَ لم ينس بعد اسم « إيكاردا» المركز الدوليّ الخطير الذي تمّ زرعُه في بلدنا لإفساد مقوّمات الخصوصيّة السوريّة، ونشر بدائل مدمّرة، طبعاً بعد قرصنة الأصناف الزراعيّة الأصيلة.. وثمّةَ حكايةٌ مريرةٌ بعنوان «القمحُ السوريّ يُنقذ المحصولَ الأميركيَّ» يمكنُ لأيّ كانٍ متابعتُها على محرّكات البحث.. طبعاً الصنفُ الذي أنقذ المحصولَ الأميركيَّ لم يعد متوافراً لدينا؛ لأنّهم سرقوه.
لن نستطردَ أكثر؛ فمهمّةُ الاستدراك يجب أن يتوّلاها أهلُ الاختصاص، وليس نحنُ، شرط تمتّعهم بالنزاهة والانتماء، هذا هو الأهمّ على الإطلاق، وربما يكون مهمّاً أن نفتح «دوسيه» محاسبة مَنْ ارتكبوا، لأنَّ المرتكبَ ليس فقط مَنْ يزوّر عقداً أو يتواطأ مع متعهد ليختلس مالاً عاماً؛ بل «مفخّخو» السياسات الاقتصاديّة همُ الأخطرُ.. الأخطرُ على الإطلاقِ.