غضبٌ وعالمٌ من الخيال.. قراءة في قصص «أمين الساطي»

تشرين- أحمد الباشا:

يعدّ الكاتب والروائي والقاص أمين الساطي من الذين دخلوا عالم الكتابة، وتناولوا هذا النوع من الأدب في وقت متأخر وفي سن متقدمة، إذ بدأ الكتابة بعدما تجاوز الستين من العمر، وبعدما أحيل إلى التقاعد من عمله الأساسي، وبعد محاولة من عائلته وولديه وأصدقائه بأن يتجه للكتابة، ويفرّغ كل ما لديه من ملكات فكرية وأدبية، فاقتنع وبدأ مشواره في تأليف المجموعات القصصية التي صدر له العديد منها، وسنتناول في موضوعنا هذا بعضاً من هذه المجموعات والرواية التي اتسمت جميعها بأفق الكاتب وخياله الواسع، وسيطرة الوهم والسراب على عدد منها، وجعله تارة في عالم البحار وأخرى في إفريقيا وثالثة في عالم التنبؤات، مثل «نبوءة على التلفاز» التي عاش في عالم من الخيال والوهم ومتابعته لمشاهدة التلفاز وانتظاره لمذيع يقدم برنامجاً في إحدى المحطات وفي الموعد اليومي المحدد لظهوره على الشاشة، محاولاً ألا ينقطع عن مشاهدته، والذي أصبح فيما بعد معلمه ومرشده وموجهه، يتلقى التعليمات والأوامر منه، وعليه أن يمتثل لها وينفذها، ومن ثم بعد رحلته الطويلة مع هذا المذيع الذي يوقعه في الكثير من المشكلات والأحداث والورطات ليصبح مطلوباً من العدالة، ويطلب منه أخيراً أن ينهي حياته ليذهب إلى الجنة، وتكون المفاجأة عندما تحضر الأم بعد استدعائها وتعلمهم أن التلفاز قديم ومعطل لا يعمل، وهكذا كانت النهاية، وكان بطل القصة يهدف من وراء كل ذلك إلى تغيير نمط حياته وسعيه نحو الأفضل رغم إدراكه بأنه لا يملك مقومات النجاح وجعله يخلط بين الفوضى والتغيير نحو الأفضل.

أما في مجموعته القصصية «الممسوسة» التي كانت إحدى قصصه فيها وعنونها بها، فقد تميزت هذه المجموعة بالحديث عن السحر والشعوذة والتعاويذ، وكل تصوّراته التي عاشها في تلك القصص تحت تأثير الوساوس والسراب والأوهام التي كانت مجرد خيال في سراب، فتتحطم آماله ويعلن فشله النهائي في الوصول إلى ما كان يتطلع إليه، وسنعرّج على قصته الممسوسة لكونها أبرز قصص هذه المجموعة التي استقى العنوان منها، فقد بدأت بفشل (سمير) المستمر في الاعتقاد بأن هناك قوى طبيعية أكبر منه تسعى جاهدة إلى تدميره، والمشكلات التي تنهال عليه ولا تنتهي، من خطيبته إلى مديره في الثانوية ونظريات الفيزياء الحديثة التي درسها في الجامعة عندما كان طالباً، ومن ثم تصوّر (سمير) بأن أيام النحس التي عاشها في الأيام الأخيرة مع (سلمى) لحظات سعيدة، وقد أراد أن يعزلها عن صديقاتها الشابات ليبعدها عنهن لتعيش في عالمه الخاص كي تسهل له السيطرة عليها، وفي المقابل هي أيضاً يمكنها أن تبعده عن جوّه القديم، وقد ساد خلال هذه الفترة صراع بين (سلمى) و(نجاح) خطيبة (سمير) السابقة، واستخدام السحر والشعوذة للظفر به من إحداهن وعلى الأخص (نجاح) لأنها كانت تحبه وتتمناه ولا تريد أن يتركها ويبتعد عنها، بل تبقى إلى جانبه وتحظى به وحدها، وهي على استعداد لاستخدام أي وسيلة توصلها إلى هدفها، لكن (سلمى) سئمت من هذه الحياة وتلك الأوهام والوساوس، وبعد أن ذاقت المرارة والحسرة وكذب السحرة والمشعوذين وجعلها تهلوس وتهذي، ومن ثم ترى أنها بحاجة إلى الاسترخاء والنوم والراحة النفسية الأبدية، فتدخل إلى الحمام وتأخذ معها كأساً من الماء وزجاجة الحبوب المنومة، وبدأت تأخذ واحدة تلو الأخرى إلى أن تثاقلت وتهادت وشعرت بالرغبة بالنوم، وأغلقت عينيها، وهي تنظر إلى سقف الحمام ليكون المنظر الأخير الذي تشاهده في هذا العالم الذي لم تذق فيه يوماً طعم السعادة.. وإلى هنا تنتهي هذه القصة.

أما في مجموعته القصصية «أوهام حقيقية» فقد ضمت اثنتي عشرة قصة قصيرة، لعل أبرزها (الرغبة القاتلة)، وفي كلها كان كاتبنا يهرب من الواقع الممل ويحلق في الفضاء الشاسع المحيط بنا، وقد استهوته القصة القصيرة كثيراً، وهي النافذة التي أحبّ أن يطلّ منها على القارئ ليشاركه في ملامح تلك الأوهام التي رسمتها الحياة أمامنا، وعن قصته «الرغبة القاتلة» جاء فيها أن (كمال) بطل القصة قرأ كثيراً من الكتب عن جلسات التأمل لزيادة قدرة الإنسان على إرسال موجات مركزة إلى دماغ الأشخاص الآخرين، وحاول أن يمارسها خلال سنوات دراسته الجامعية في مصر، وهو يعمل في الكويت، وموضوع ازدواجية القيم الأخلاقية والدينية على الأغلب كان يتسبب له بوجع الرأس، وتعرّف على فتاة في لبنان ببيروت تُدعى (سلمى)، تعمل في مجال عرض الأزياء، وحاول التقرّب منها والتعرف إليها، وإن كانت مناسبة لتكون زوجة له، لكنه متردد في ذلك بين القبول والرفض، وتوقّف عن الاتصال بها أو الإجابة على اتصالاتها، ثم عاد واتصل بها وأعلمها بأنه يريد أن يخطبها ويرتبط بها، وتم له ما أراد، وتم زواجهما، وعاد بصحبتها إلى مقر عمله في الكويت، وكانت (سلمى) تتمنى أن تحمل وتنجب طفلاً لـ(كمال) لتُدخل السعادة والبهجة إلى قلبه، لكنها كانت تشعر بأنها لم تُشبع غريزتها من هذا الزواج لانشغال زوجها في عمله، ورأت أنها لا تستطيع العيش في الكويت، ونتيجة علاقاتها مع الآخرين طلبت الطلاق من زوجها (كمال) فأعلمها أنه إن كانت هذه رغبتها فهو مستعد أن يطلقها، وعليها أن تعرف أنه لا يحق لها أي شيء كتعويض وغيره من الأمور الأخرى لأنها هي التي طلبت الطلاق، وقرر (كمال) أن يطلقها ومن ثم يتزوج امرأة أخرى، لكن ذلك لم يتحقق وغدر به سائقه (أبو عبدو)، وخلال تنقله معه قام هذا السائق بضربه على رأسه بمطفأة السيارة فشجّ رأسه وسالت الدماء منه، ومن ثم حاول التخلص من الجثة فوضعها في قارب صغير وانطلق إلى عرض البحر وألقاها بعد مسافة عدة كيلومترات في البحر، وأخذ منه ما كان معه من أموال ومسدسه الذي أراد أن يحتفظ به، وهكذا انتهت حياة (كمال) بطل قصة «الرغبة القاتلة» التي فيها الكثير من التهيؤ والتخيل والبعد عن الواقع ومملوءة بالسراب والأوهام.

أما في رواية «شوارع الغضب» التي يسلّط فيها الضوء على الوضع في لبنان وعلى الأخص التفجير الذي حدث في مرفأ بيروت، وكان كارثة ونكبة كبيرة خلّف دماراً وخراباً في كل شيء، إضافة إلى الضحايا البشرية التي ذهبت وفارقت الحياة من جرّاء هذا الانفجار، ومن ثم الحالة الاقتصادية المزرية والصعبة التي نتجت عن ذلك، والفاقة والعوز التي آلت إليها الأمور في حياة المواطنين، وفتحت المجال للتظاهرات والاعتصامات على هذه الأحوال والأوضاع رفضاً لها، والمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية وتأمين أبسط سبل العيش والحياة الكريمة، وفي ظل ذلك كله انتشرت ظواهر في العلن كتعاطي الحشيش، فهو أرمل توفيت زوجته قبل خمس سنوات ويكتنف حياته السأم والملل والضجر، كما أنه متقاعد وراتبه قليل لا يكفيه له وحده لتأمين متطلباته، وفي كل يوم يزداد المحتجون ويتحركون في كل اتجاه كمجلس النواب اللبناني ومجلس الوزراء وكل من له علاقة باتخاذ القرارات وإصدارها، وكتابة العبارات التي تندد بكل المسؤولين والمعنيين في لبنان، ويتحوّل المشهد إلى مواجهات دامية مع الشرطة والجيش، وقد تم توقيف عدد من المتظاهرين، إضافة إلى الجرحى الذين أصيبوا نتيجة احتكاكهم مع شرطة مكافحة الشغب، وكانت ساحة رياض الصلح تغصّ يومياً بالمحتجين المتظاهرين، وبطل قصتنا كان يشارك فيها ويروّج من خلالها للحبوب المخدرة ويبيعها للمشاركين بالتظاهرات، هو وشريكه أبو أيمن، وكذلك كانا يعملان بالممنوعات كتجارة المخدرات وتزوير الدولارات، والعلاقة مع النساء والتعامل معهن، وكانت هناك مغامرات وعمليات تهريب كبيرة، والسفر إلى خارج البلد لتنفيذها مقابل مبالغ مادية كبيرة، ومن ثم قرر بطل قصتنا الزواج والارتباط بامرأة مطلقة ولديها ابنتان، وقام بتحضير وتهيئة كل شيء من أجل إتمام ذلك الزواج من دون أن يؤثر ذلك في عمله بالممنوعات ومخاطراته العديدة للحصول على الدولارات.

وأخيراً، يجد بطل الرواية نفسه في النهاية معلقاً ما بين ازدواجية القيم الأخلاقية التي نشأ وتربى عليها، ورغباته الدفينة في استغلال هذا الغضب لتحسين أوضاعه المادية، لتتحول أفكاره المتضاربة في عقله إلى واقع حقيقي مشحون بصور مشوشة عن حوادث لا يتوقعها، ما يملأ الفراغ الموجود في داخله بالحقد على الطبقة الغنية التي تحكم بلده.

ونرى من خلال بعض المجموعات القصصية القصيرة والرواية التي ألفها وكتبها أمين الساطي وذكرناها في موضوعنا هذا أنه برع في أسلوبه وتجربته، وخطا خطوات متقدمة نحو القارئ الذي كان مشغوفاً بها، ويتأمل حكاياها بكل تفاصيلها..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
أكثر من 42 ألف مهجر دخلوا عبر معبر جديدة يابوس مع لبنان محافظة اللاذقية تشكل لجنة مؤقتة لإغاثة العائلات الوافدة من لبنان.. وتجهز 4 مراكز إقامة أكثر من ١٨٠ مهجراً لبنانياً بضيافة أبناء مدينتي حماة ومصياف في منازلهم جلسة حوارية حول  تغطية زلزال شباط وقانون الإعلام السوري مؤتمر رابطة الأطباء النفسيين يبدأ أعماله اليوم المقداد يتلقى اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية السعودي هنأه فيه بتوليه منصبه الجديد الخارجية: عدوان الاحتلال على المنطقة يعكس استمرارية العقلية الإجرامية لديه واستهتاره بالقانون الدولي الوزير صباغ يبحث في نيويورك مع عدد من نظرائه التعاون الثنائي والتصعيد الإسرائيلي في المنطقة انطلاق فعاليات المؤتمر العلمي الدولي  الـ22 لطب الأسنان الحديد: ركيزة مهمة لعرض مايستجد من أبحاث متخصصة في علاج الأسنان والترميم والجراحي وزيرة العمل: ضرورة جهوزية مديريات الشؤون في المحافظات المعنية لاستقبال الوافدين من لبنان