50 بالمئة من حالات الطلاق بسبب السكن المشترك مع أهل الزوج…
تشرين – إلهام عثمان:
يحلم كل منا بالعيش بمملكته الخاصة أو “عشّ الزوجية ” وخاصة “الفتاة”, فهي ستمضي الوقت الأطول في مملكتها أكثر من الرجل, كونه سيقضي معظم وقته في العمل خارجاً, هذا العش الذي خاطته في محض خيالها, ربما لسنوات طويلة خيطاً تلو الآخر, ابتداء من المحبس وفستان زفافها وطريقة توزيع أثاث المنزل, وصولاً لتحضيرات الزفاف ثم عش الزوجية لتعيش تفاصيل خصوصية زواجها, بالشكل الطبيعي ولكن.. ماذا لو تدخل الأهل وتغيرت الأحلام الوردية؟.
“قديماً” كانت أغلب الأسر تعيش في منزل واحد وكبير، سواء في الريف أو المدينة, حسب رأي الخبير الاقتصادي هيثم سعيد الذي اعتبر من خلال تصريحه الخاص لـ”تشرين” أن هذه العادة هي من نسيج المجتمع السوري, المتعارف عليه عند معظم العوائل “بيت العيلة”, والذي يتسع للبنين وزوجاتهم وأطفالهم مهما بلغ عددهم.
تطبيقات كئيبة لمقولة “انكوى بالنار ولا تقعد حماتي في الدار”
مذكراً بأن المنزل كان يتميز في السابقٍ بتعدد أركانه واتساع فنائه الذي يلعب فيه الأطفال, وكانت زوجة الابن تشعر بشبه الاستقلالية رغم تشاركها السكن مع أهل الزوج، ربما لأن الحياة كانت أبسط من وقتنا الحالي, وكان من الطبيعي أن تشارك أهل الزوج مسكنهم لأسباب عدة؛ أولها كون الزوج يساعد والده في عمله؛ التجارة أو الخياطة, أو في زراعة الأرض وغيرها, ولتطبيع زوجة الابن بما يحب ولا يحب الزوج من تصرفات وعادات، كون الخطيب لم يكن سابقاً يجالس الخطيبة قبل الزواج، فهما لا يعرفان طباع بعضهما فكانت تلك الطباع في بيت أهل الزوج والطريقة التي يرغبها في طهو الأطعمة “على طريقة أمه”.
ويؤكد سعيد أن عصر الانفتاح غيّر تفكير الشبان المقبلين على الزواج, من خلال اطلاعهم على المتغيرات الكثيرة بوساطة الشاشة الصغيرة التي تطلعنا على عادات وثقافات أخرى, وعبر شبكات التواصل الاجتماعي, التي جعلت الشعور والرغبة بـ” الاستقلالية ” هدفهم, كما نوه بأن بعض الأهل يرغبون باستقلالية أولادهم ليصبح الابن “أكثر اعتماداً على الذات” من حيث المردود المادي, واتخاذ القرارات المناسبة في أمورهم الشخصية, وتنشئة أطفالهم بالطريقة التي يرغبون, ويرى البعض، وحسب رؤية سعيد، أن تدخل الجد والجدة أحياناً والذي ينبع من حبهما قد يفسد تربية الطفل, فعند وقوع الطفل في خطأ ما يحتمي بهما, وقد يقلد أقرانه من أبناء عمه في بيت العيلة، ما يؤدي إلى مخالفة الأفكار التي يرغب بها الزوجان في تربية أطفالهما.
شرط مسبق
وفي هذا السياق أكدت مها سليمان في الـ 28 من العمر ربة منزل, من خلال حديثها لـ”تشرين”, أنها تزوجت منذ 4 أعوام وكان شرط قبولها الزواج منزلاً مستقلاً منعاً للمشاكل التي قد تنجم فيما بعد مع أهل الزوج, بداية الأمر وافق خطيبها وتزوجا في منزل مستقل, وكانت تشعر بسعادة عارمة بـ”عشها الصغير”، رغم أنه كان (إعارة) وكان أثاثه قديماً وهذا لم يكن مشكلة, وكنوع من تيسير الأمور رضيت تيمناً بمقولة “الي بيرضى بعيش” , لكن وبعد فترة ستة أشهر من الزواج, بدأت حماتها بتحريض زوجها وإجباره على ترك المنزل, والعيش معها ومع أفراد أسرتها, وكنوع من الضغط كانت تحرض ابنها ضد زوجته لدرجة أن يقوم بضربها بلا أي شفقة.
التطورات الاجتماعية جعلت الشعور والرغبة بـ” الاستقلالية ” هدفاً للشباب
وتؤكد م.س أنها ذاقت الويلات من الذل والإهانة, وتضيف: كنت أحتمل الإهانة للحفاظ على زواجي وخوفاً من كلمة مطلقة, لكن زوجي كان متحيزاً دائماً لأهله, فقررت الانفصال والتخلص من حياتي التعيسة.
ويبدو أن للأهل رأياً مشابهاً في السكن المشترك من خلال ما أكدته أم سليم لـ”تشرين” ذات الـ48 عاماً، مؤكدة أنها تعمل في شركة خاصة وقد زوجت ابنها منذ فترة ورغم وجودها بمفردها فهي ترفض سكن ابنها وزوجته معها, وتشدد على أن قرارها في مصلحتهما، من باب المسؤولية أكثر, الاتكال على نفسيهما في الأمور الشخصية وكي تبقى على وفاق ومحبة معهما “الباب يلي بيجيك منو ريح سدو واستريح”.
أما الحالة الأخيرة فهي فهد حمود 34 عاماً متزوج منذ 8 سنوات, أكد لـ”تشرين” أنه رغم وفاة والده ووجود أمه مع أخواته في منزل العائلة, ومنطقياً ووفقاً للتقاليد يجب أن يسكن معهم, إلا أنه لم يحبذ فكرة السكن المشترك, تجنباً للمشاكل لاحقاً, فيقع في حيرة من أمره بين إنصاف أمه أو زوجته, ليضطر بعدها لإنصاف أمه ولو كانت على خطأ وفقاً للعادات, فيظلم زوجته وهذا لا يجوز أيضاً, وكونه يعمل في المطعم ليلاً فلا بد من نومه نهاراً, و”بيت العيلة للعيلة”, فلا يستطيع الراحة بعد يوم شاق.
كما لفت حمود إلى أن زوجته تعمل في السلك التربوي وتعود متعبة، وفي حال عدم وجود وقت لإعداد وجبة الغداء “بخبزة وزيتونة” تسوى الأمور بينهما, ويؤكد أنه لو كان السكن مع الأهل يجعل الأمر أكثر تعقيداً, فسيشعر الأهل باستغلالهم بإلقاء بعض المسؤوليات عليهم من دون قصد.
حلول
بيت العائلة هو الحل لكل الشباب العازفين عن الزواج لعدم وجود مسكن كحل مؤقت, لكن في المستقبل سيكونون في مأزق، حسب رؤية سعيد، وهنا تكمن المشكلة.
ويعود ليؤكد: مادام الزوجان سيستقلان بحياتهما عاجلاً أم آجلاً، فلماذا لا يكون ذلك منذ بداية الزواج لمن استطاع, وأن الاستقلال بالمسكن لا يعني أن نبتعد عن الأب والأم والعائلة الكبيرة والبيت الذي تربينا فيه, وشدد سعيد على أن السكن المستقل ليس بالضرورة صمام أمان لعدم تدخل الأهل، بل إن القوة وتوضيح الحدود الزوجية أمر بين الزوجين فقط، إذ لا يجرؤ إنسان على التدخل في حياتهما في دون تسليم أو إذن من الزوجين وبالأخص “الزوج”.
للضرورة أحكام
هذا ما أكده الحقوقي غياث مسالمة إجازة في الدراسات القانونية من خلال حديثه لـ”تشرين” أن بعض الأزواج عادوا للسكن مع الأهل (الزوج أو الزوجة) نتيجة الأحداث الجارية وخروج بعض الأهالي من الأرياف والأحياء وخاصة في السنوات الأربع الأخيرة والذي كان سببه الوضع المعيشي الصعب والتزايد الجنوني في الأسعار وارتفاع إيجارات المساكن، ما جعل الأزواج لا حل لديهم سوى السكن مع الأهل كحل بديل وربما مؤقت تماشياً مع الأوضاع الصعبة.
السكن المشترك من أسباب الطلاق
السكن المشترك مع الأهل أدى لوجود وجهات نظر “مختلفة ” في البيت الواحد, وفق منظور مسالمة، فأصبحت الأسرار الزوجية المخفية في السكن الخاص بالزوجين “مباحة” نتيجة التواجد لوقت طويل مع الأهل، وبالتالي تدخلهم بشكل “مباشر ومتكرر” والذي قد ينتهي أحياناً بالانفصال بين الزوجين, ونوه مسالمة بأن نسبة 50% من حالات الطلاق في السنوات الثلاث يعود بشكل أساسي إلى تدخل الأهل.
يحق للزوجة المسكن الشرعي في حال تعرضها للأذى من أهل الزوج
المسكن الشرعي
أما عن سؤال مسالمة: هل يحق للزوجة المطالبة بمسكن شرعي في حال الإساءة لها من قبل أهل الزوج, وما شروط المسكن؟.. أكد أنه يحق للزوجة المطالبة وفق المواد التي حكمت الدستور من المادة /65 إلى 70/ له شروط قبول الإقامة والسكن فيه يجب أن يكون كأمثال أقارب الزوج, أين يقيمون في منطقة راقية فيجب أن يكون سكن الزوجة في المستوى ذاته, وكذلك المسكن ملائم للحالة المادية للزوج سواء كان فقيراً أو غنياً, فيجب أن تسكن في مكان يلائم وضعه المادي, ويشدد هنا أنه ليس شرطاً أن يكون السكن ملكاً ويجوز أن يكون إعارة, ويعود مسالمة ليؤكد؛ لا تكمن شرعية السكن ما لم يكن مستقلاً في مرفقات المنزل من المطبخ ,الحمام, الأدوات, وأن يكون مجهزاً بالكامل فلا يعد مسكناً شرعياً إذا كان مجهزاً بجهاز الزوجة فقط، فلا بد من فرشه بالكامل من أدوات كهربائية، وخلاف ذلك فهو منافٍ للمسكن الشرعي.
كما لفت مسالمة عدم إقامة أحد من أقارب الزوج في المسكن الشرعي إذا كان وجوده يؤدي للمشاكل ويؤدي لإيذاء الزوجة, وشدد بدوره على أن الزوجة غير ملزمة بالسكن مع أهل الزوج وخاصة إذا تسببوا في تنغيص عيشها والتسبب بأذيتها, وأن يكون السكن بين جيران مناسبين وتأمين كل ما يضمن للزوجة الأمان والطمأنينة في حياتها. ويضيف مسالمة أما تقدير أن المسكن الشرعي يصلح أو لا فيعود “للقاضي”.
تعديل المادة /67/
وعن تعديل قانون الأحوال الشخصية في السنوات الأخيرة، أكد مسالمة, أن المادة /59/ لعام /1953/ هي المواد نفسها التي حكمها القانون القديم يحكمها ذاتها القانون الجديد /65-70/, ولكن طرأ تعديل صغير على فقرة بالمادة/67/ وهو إضافة “العدل بين الزوجات بالمسكن” في حال كان الزوج متزوجاً بزوجتين فيجب عليه العدل فيما بينهما في المسكن, وفق منظور مسالمة فلا يجوز أن تقطن إحداهن في منطقة أدنى وأقل من الأخرى.
وفي حال وافقت إحدى الزوجات السكن مع الزوجة الثانية, وتضررت وتأذت إحداهما نتيجة السكن المشترك يحق للزوجة المطالبة بمسكن آخر “يعادل” مسكن الزوجة الأخرى.
إجراءات قانونية
وعن الإجراءات القانونية المتخذة في حق الزوج في حال رفض الزوج تأمين مسكن شرعي للزوجة, أكد مسالمة أنه يجوز للزوجة طلب نفقتها, كما يحق لها رفع دعوة تفريق لعلة الشقاق, وتحصيل مهرها واستحقاقه, ويكون ذلك حسب تقدير الإساءة على أحد الطرفين / الزوج أو الزوجة/.