«ترانيم الحجر والشجر».. «تغريد الشيباني» تُحوِّل الحجارة إلى زخارف وألوان
تشرين- لبنى شاكر :
خطواتٌ عدةٌ يُمكن تتبعها في تجربة تغريد الشيباني، بالتوازي مع نشاطها في العرض، خلال العامين الأخيرين، لكن ما نتوقف عنده هذه المرة، في معرضها الفردي الرابع «ترانيم الحجر والشجر»، المُفتتح مُؤخراً في المركز الثقافي في (أبو رمانة)، نقلةٌ لا اختلاف عليها، ولاسيما من ميدان الحرفة اليدوية نحو اللوحة التشكيلية، الأكثر ميلاً نحو اكتشاف النفس، ومنها إلى مُحاورة المُتفرّج، والأكثر تحرراً كذلك إن صح التعبير، من مهارات الصنعة والتنفيذ، والتعاطي مع المواد والتراكيب.
اللافت بدايةً في معرض الشيباني هو تجسيدها مجموعة تماثيل حجرية، مما يُسمى فن الأرض للفنان بسام طحان، حتى إن اللوحة المُنتقاة للإعلان عن المعرض، مُستوحاة من تمثاله «نوزيكا» إحدى بطلات ملحمة الأوديسة، وعلى ما تقوله، فالفكرة بدأت منذ عامين، عندما خطر لها تحويل منحوتةٍ له، إلى شكلٍ فنيٍّ آخر، قوامه الخط واللون، وهو ما لاقى قبولاً عنده أيضاً، وتُضيف في حديثٍ إلى «تشرين»: «الأمر يُشبه الترجمة بأسلوب جديد، حاولت إسقاط الروح على الحجارة بشكلٍ تجريدي، إحياءها بإعطائها شيئاً من مشاعرنا الإنسانية وهواجسنا الروحية».
هذا الاجتهاد، استند في جزءٍ منه إلى أصله الأول، المَبني على النحت أو التشكيل في الطبيعة نفسها، على شكل دوائر أو طولانيات أو أشكالٍ حلزونية حجرية وخشبية، تصطف في وسطٍ بيئيٍّ طبيعي، كالشاطئ والغابة، حيث تبقى على صلة مباشرة بمحيطها، لكنه في بقيته، يرتبط كُلياً برؤية الشيباني، ومن هنا، ضاعت ملامح الحجارة في بعض الأعمال، وحلّت مكانها، قطعٌ زخرفيةٌ قريبةٌ من أوصاف البشر، إحداها استحالت إلى رجل عجوز، مع ضعفٍ واستكانةٍ ظاهرين في وجهه.
في السياق ذاته، اتكأت الشيباني على أشكالٍ هندسية مكسورة ومُجزأة، تستحضر في عموميتها، المدرسة التكعيبية، والتي ترى في الزوايا والمكعبات والخطوط المستقيمة والمنحنية، طريقةً للتعبير عن الأشياء والنظر إليها في الوقت ذاته، وعلى ما يبدو، ستشهد المرحلة القادمة من تجربتها مزيداً من الاختبارات والمجهود، في هذه العوالم، إلى جانب ما لمسته، من إعجابٍ واهتمام من قبل الحضور، بالمُنجَز الجديد عندها، ما شجعها لإعطاء المزيد في هذا الأسلوب الفني، يُضاف إليه أعمالٌ تطغى عليها الرمزية والتعبيرية والتزيينية.
قدّمت الفنانة عدة موضوعات إنسانية، أبرزها يتعاطى مع المرأة، أمّاً وآلهة وأيقونة، وعلى حد تعبيرها، فإنّ دعمها دائمٌ للنساء، بوصفهن اللبنة لكل ما حولنا، أوَّل الشيء ومادّته التي يتكوَّن منها، كذلك، ضمّ المعرض، أعمالاً بأسلوبها القديم في العجمي، والذي بدأت العمل عليه عام 2017، وهي حرفة فنية يدوية قديمة، دمشقية الأصل، وشرقية الطابع، درجت العادة على استخدامها لتزيين قاعات الاستقبال والمجالس في البيوت والقصور، أساسها عجينةٌ من الزنك والسبيداج والغراء العربي، أبدعت فيها مُنتجاتٍ مُنوّعة كالمرايا والصناديق، مع رسوماتٍ تختلف موضوعاتها، ثم كانت الانعطافة الأخيرة نحو اللوحة التشكيلية، تقول عنها: «التجربة اليوم غنية جداً، ذهبتُ بها نحو الزيتي والإكريليك والرسم المباشر، بعيداً عن النافر في العجمي، أظهرتُ عمق اللوحة خارج الإطار الزخرفي».
أجمل ما في لوحات الشيباني على تنوعها «30 لوحة»، سطوحها الغنية بالأشكال والزخارف والتفاصيل، وكما تشرح، فالغنى المشغول باحترافية، يذهب بالمُتلقي نحو اكتشاف مجموعة لوحات، مُتداخلة في اللوحة الواحدة، بسبب وجود عدة أبعاد، وبموازاته، يُمكن قراءة اللوحة من عدة زوايا، بناءً على ما يتزاحم فيها من إشارات ودلائل وخامات، وهو ما يرتبط بالعنوان «ترانيم الحجر والشجر»، تقول: «الإنسانية تتحول إلى حجر أحياناً، في مواجهة الضغوطات، من حروب وتشويه وتحوير، لكنها صامدة بقيمها الأساسية، كذلك الأشجار، مهما يبست وتكسرت وانحنت، لكن ثباتها آتٍ من جذور قوية، وهو ما نسعى إليه؛ قيمٌ ثابتة تحكمنا جميعاً».
نُشير إلى أن تغريد الشيباني خريجة معهد إعداد المُدرسين، قسم العمل اليدوي، وفي رصيدها معرضان فرديان في ثقافي كفرسوسة، وآخر في مدينة جرمانا، كما شاركت في عددٍ من المعارض الجماعية، منها «تراث وأجيال» ضمن فعالية أيام الفن التشكيلي السوري في المركز الثقافي في المزة، و«الحداثة والتجديد في التراث العربي» في كلية الآداب.