في حفل توقيعها.. أربعة نُقّاد يقيّمون رواية «زريف الطول»
تشرين – لمى بدران:
لعلّ الأساطير التي تعوّدت مسامعنا عليها ليست كافية، في هذا الوقت، لأن تنقلنا من الواقع إلى ما بعد الواقع، إلا إذا تم إحكامها بإتقان يتعايش مع الحداثة بأبعادها المختلفة، فالروايات أصبحت كثيرة في العدد وقليلة في الإقناع، خصوصاً ذات الأجناس التي تحمل قضايا وطنيّة تاريخيّة واقعية وأسطورية في الوقت ذاته، فشروط ومعايير العمل الروائي قد تكون واحدة لكن تفاصيله وتأويلاته ودراسته متعدّدة….
لذلك كان هناك أثناء حفل توقيع العمل الروائي “زريف الطول” في الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين.. الرواية الصادرة عن دار دلمون بدمشق للكاتب وليد عبد الرحيم، جلسة نقديّة تحملت الآراء والقراءات والإضاءات المختلفة.. وكانت البداية عند الناقد أحمد علي هلال الذي يعتقد أنها تبدو شكلاً جديداً ومغايراً من أشكال المغامرة السردية يستعيد الكاتب فيها الحكاية الشعبية الفلسطينية بموروثها وحدودتها نزوعاً إلى تركيز أسطورة “زريف” في الوعي الشعبي، ولاحظ هلال أن عبد الرحيم حفر تحت جلد التاريخ واستحضر (شهداء الثلاثاء الحمراء وعز الدين القسّام وقصائد نوح إبراهيم) ليشكّل بحقائق التاريخ والجغرافيا والصراع الهواياتي إستراتيجية حكائية تلتقط ملامح مُعادلها مع تطييف الأغنية ” زريف الطول” التي بدورها تستنهض الغرائبي والعجائبي والتشويقي.
أما الناقد ثائر عودة فاختلف مع صديقه عبد الرحيم – مؤلف الرواية- في عدّة أمور تخص الرواية؛ أوّلها كان العنوان، فهو يؤيّد أن يكون عنوانه “ظريف الطول” من الظرافة وليس “زريف الطول” من طول الزرافة وأكّد أنه إحالة مباشرة نحو الموروث الشعبي، وأشار إلى بعض الأخطاء الطّباعية في المقدّمة، وفي رأيه أنّ الرواية سقطت ببدايتها في فخ البحث أو الدراسة البحثيّة الذي يفقدها جزءاً من فنّيتها وتحولت في أماكن معيّنة إلى تقرير صحفي بسبب ذكر الكاتب كلمة “تمّت” في إحدى العبارات، ومن خلال قراءته للإستراتيجيات العامة للرواية أو لعتباتها الموازية استغرب وجود صفحات بيضاء فارغة كثيرة غير مبررة بالنسبة له، وأيضاً تساءل عن العناوين المفقودة للفصول! ولفت إلى أن ملاحظاته عبارة عن إضاءات سريعة لا يتسع الوقت لأن يناقش تفاصيلها مع صديقه إلا أنهما سيجلسان لاحقاً على طاولة البحث والحوار في هذا الشأن.
وبالانتقال إلى الدكتور الناقد حسن حميد الذي اعتبر أن رواية “زريف الطول” هي الرواية الأولى لمؤلفها على الرغم من صدور رواية سابقة له بعنوان “لست حيواناً”، إلّا أنه علّق على أنه رأى فيها تَشكّلاً للوعي الأدبي عند عبد الرحيم ووصفها بطاحونة الألم التي تجسد حالة من حالات البطولة الفلسطينية وتحمِل مسؤولية تاريخيّة كبيرة مختزلة في زمن قصير، وهذا في رأيه نمط للرواية الحديثة النموذجية من قبل مؤلّف فلسطيني يُنادد بقية الكُتّاب الذين يكتبون لفلسطين ويقول مطمأننا إن الرواية رابحة بتقنياتها التي حاولت انتشال بعض بؤر التاريخ من سباتها كيما تكون الذاكرة هي النّورانية الراشدة
فيما كانت نظرة الدكتورة الناقدة آداب عبد الهادي إيجابية بالمطلق نحو الرواية، إذ ترى أنها حديثة تتمرّد على الرواية الكلاسيكية يستخدم فيها الكاتب تقنيّات غريبة تشبه تفاصيل سينمائية معينة، فالصفحات الفارغة برأيها قد تمثّل ما يسمّى بالسينما “تترات” تقوم بتهيئة القارئ لما هو قادم في الرواية آخذة بعين الاعتبار أن الكاتب هو مخرج سينمائي يوظّف مهاراته السينمائية في الرواية، وكل فنيّات الرواية برأيها هي شكل ناجح للرواية الحديثة الممزوجة بالفن بشكل مبتكر يستدعي الاهتمام والتطوير، وذكرت خلال الجلسة أمثلة من صلب العمل الروائي تبسّط البناء اللغوي ليكون أقرب للقارئ وأكثر سلاسة من خلال كلمات فلسطينية شهيرة.
يبدو أن الكاتب وليد عبد الرحيم أكثر من راضٍ عن هذا العمل الروائي ففي حديثه الخاص لـ “تشرين” أكّد أنه لا راو فلسطيني ولا عربي ولا عالمي ابتكر ما ابتكره من أشكال فنيّة داخل الرواية، فهو قرأ الكثير من الروايات العربية والإنجليزية والفرنسية ولم يجد ما كتبه فيها، وبالنسبة له فهو قد وصل إلى محاولة تغيير مسار الرواية العربية الذي يقلّد الروايات الغربيّة جامعاً ما بين الشعر والنثر والقصة والسينما والمسرح وحتى الفن التشكيلي داخل الشكل الروائي لـ”زريف الطول” لذلك يبرر الحيرة لدى النقاد في بعض الأماكن أثناء تقييم كتابه ويراه شيئاً جيّداً لأنه حداثوي وجديد ولم يطرح عالمياً، كما أنّه أكّد أن النقد الذي قُدّم هو مهم بغض النظر عما إذا وافقهم أم لم يوافقهم لأنهم بدورهم ينبّهون الكاتب إلى نقاط معينة قد يغفل عنها، كما إنه من الطبيعي أن يتعامل مع أمزجة مختلفة، وفي الختام.. شكر الكاتب الدار الناشرة وهي دار دلمون التي برأيه تُدرك أهمية الأدب ومساراته السائدة التي تصب في مصلحة الأمة العربية من خلال اختيار الاتجاهات النادرة والحديثة.
بقي أن أشير إلى منح مدير الاتحاد رابع السعيدي مديرة دار النشر عفراء هدبا بطاقة عضوية تابعة للاتحاد تقديراً منهم على نشاطها وتعاونها المستمر مع الكتاب والمؤلفين، وكانت الجلسة من إعداد وحوار الإعلامي ملهم الصالح الذي اختتم الجلسة بتساؤلات الحضور وحوارهم، ودعوة إلى الحصول على الكتاب لمن يرغب بذلك من غرفة الاتحاد.