مستقبل الاقتصاد الإفريقي بين الإكواس والإيكاس ؟
تؤكد الدراسات الاقتصادية أن القارة الإفريقية تمتلك أكثر من /35%/ من ثروات العالم بمختلف أنواعها، ورغم هذا يعيش فيها أفقر سكان العالم، وقد قدر (صندوق النقد الدولي) سنة /2022/ أن القارة الإفريقية بحاجة إلى أكثر من /400/ مليار دولار لإصلاح البنية التحتية فيها وتلبية احتياجاتها المعيشية الضرورية، ويترأس القارة الإفريقية الاتحاد الإفريقي مع مجموعات اقتصادية أخرى على مستوى إقليمي ضمن القارة السمراء، ومن أهمها مجموعة (الإكواس) لدول غرب إفريقيا، وتضم /15/ دولة وهي: الرأس الأخضر وغامبيا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والسنغال وسيراليون وبنين وبوركينا فاسو وغانا وساحل العاج والنيجر ونيجيريا وتوغو، واتخذت المجموعة اسمها من أوائل الحروف للكلمات باللغة الإنكليزية وهي (Economic Community of West African States) وأحيانا يطلق عليها باللغة الفرنسية ( سيدياو CEDEAO)، وتم تأسيسها سنة /1975/ ومقرها في مدينة (أبوجا) عاصمة دولة (نيجريا)، وتتكلم دولها /3/ لغات / وهي (الفرنسية والإنكليزية والبرتغالية)، ومساحة دول المجموعة أكثر من /5/ ملايين كم2 وعدد سكانها أكثر من / 360/ مليون نسمة، وإلى جانب الإكواس توجد مجموعة (إيكاس) لدول وسط إفريقيا وهي تأتي في المرتبة الثانية بعد مجموعة (الإكواس) وتأسست سنة /1983/ وتضم كلاً من الغابون وأنغولا وبوروندي والكاميرون، وجمهورية إفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية وجمهورية الكونغو وغينيا الاستوائية ورواندا وتشاد وجمهورية ساوتومي وبرينسيب.وأغلب دول إفريقيا وخاصة دول المجموعتين المذكورتين من أكثر دول العالم فقراً وجوعاً وسكانها يعيشون تحت مستوى خط الفقر وتنتقل من سيء إلى أسوأ ولديها أكبر معدل البطالة في العالم وأقل معدلات استثمار وطنية…إلخ، علماً أن دولها تمتلك ثروات كبيرة، ومنها مثلاً الذهب والفضة والنفط واليورانيوم والمنغنيز والألماس والبلاتين والكوبالت والحديد والفحم وأراض زراعية تنتج أغلب المنتجات والسلع من البن والقطن والكاكاو ..إلخ ، ولديها موارد كبيرة من المياه النقية وثروة حيوانية كبيرة ولها موقع جيوسياسي مهم جداً على المستوى الدولي ولكنها مثقلة بالديون الداخلية والخارجية….إلخ، وكل هذه العوامل جعلت من القارة الإفريقية هدفا للقوى الاستعمارية ، وبالرغم من حصول أغلب دولها على الاستقلال السياسي إلا أنها بقيت أشبه بمستعمرات اقتصادية للتحالف الأمريكي الأوروبي، والاقتصاد الإفريقي تابعاً للدورة الاقتصادية الغربية، وأمام مظاهر الاستغلال هذه تولدّت نقمة إفريقية كبيرة ضد الدول الغربية وتوجّت بانقلابات على الأنظمة الحاكمة وتم رفع الأعلام الروسية والصينية كرسالة إلى أن إفريقيا تنتفض على ماضيها وحاضرها وتريد مستقبلاً أفضل، وشجّع على ذلك النظرة الاستعلائية للمسؤولين الغربيين، وتجسدّت مثلاً في تصريح الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) حيث قال: “لولا فرنسا ما كان هناك مالي ولا النيجر ولا بوركينا فاسو”، ناسياً أو متناسياً أن اقتصاد هذه الدول تابع تبعية مطلقة للاقتصاد الفرنسي!،وأن الادعاءات الفرنسية المخادعة بالديمقراطية سقطت في القارة السمراء كما سقطت في شوارع فرنسا أمام احتجاجات (الستر الصفراء)، وتقوم فرنسا باستغلال ثروات دولة (النيجر) وخاصة (الذهب واليورانيوم والثروة الزراعية وغيرها) ،والنيجر دولة في مجموعة (الإكواس) وتقوم فرنسا بدعم القوى الإرهابية فيها كما فعلت وتفعل في سورية، و تقوم أيضاً باستغلال ثروات دولة (الغابون) وهي دولة ليست عضو في الإكواس بل عضو في مجموعة ( الإيكاس ) وتسيطر شركة ( توتال TOTAL) الفرنسية على الثروة النفطية للغابون محمية بقاعدة عسكرية فرنسية، والغابون تنتج أكثر من /200/ ألف برميل يومياً من النفط وهي دولة مهمة في منظمة (أوبك)، وتقوم الشركة الفرنسية ( إيراميت ERAMET) بالاستثمار في عمليات الاستخراج وخاصة ( المنغنيز ) الذي يدخل في صناعات عدة منها الصلب والزجاج وبطاريات السيارات وغيرها، وتعتبر الغابون ثاني أكبر منتج لهذا المعدن في العالم، و تستورد فرنسا أكثر من/90%/ من الأخشاب من الغابون بأبخس الأسعار، وهذا لا يتوقف على فرنسا بل يشمل السياسة الأوروبية بأكملها، فأمام تزايد حدة الاحتجاجات على سياسة الدول الغربية اضطر الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية السيد (جوزيب بورّيل Josep Borrell) خلال اجتماعات مجلس وزراء خارجية (الاتحاد الأوروبي) في مدينة طليطلة الإسبانية للقول: “إنه لا بد من إعادة النظر في سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه إفريقيا، التي تربطنا بها مصالح اقتصادية وأمنية مهمة، ولا شك في أن انتشار المرتزقة الروس في بلدان مثل مالي وبوركينا فاسو وجمهورية إفريقيا الوسطى وغيرها لم يساعد على خدمة السلم وحماية المصالح الأوروبية في تلك المنطقة”، وبكل انتهازية حملّ بوريل دولة روسيا مسؤولية الواقع الإفريقي المتردي!!، ومعروف
أن روسيا قدمت وتقدم مساعدات غذائية مجانية للدول الإفريقية الأفقر ولدول أخرى بشروط ميسرة وبأسعار قليلة، كما أكد ( جوزيب بوريل ) وسمح لنفسه بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية وقال بتاريخ 31/8/2023 لصحيفة (سي إن إنCNN) الأمريكية: إن الوضع في النيجر والغابون غير متماثل بتاتا”؟، ومن جهة ثانية قام كل من ( أمريكا والاتحاد الأوروبي) بتأجيج الصراعات بين الدول الإفريقية مثل الصراع بين ( غينيا وسيراليون وبين ساحل العاج ومالي …إلخ)، وهذه الأسباب هي التي تفسر الانقلابات الإفريقية المتتالية، و( بغض النظر عن موقفنا الشخصي منها) إلا أنها كلها تطالب بطرد القوات الغربية من أراضيها، كما حصل في انقلاب (الغابون) الذي أتى بعد انقلاب النيجر بمدة /36 / يوماً وقبلهما في ( مالي سنة /2021/ وفي بوركينا فاسو سنة / 2022/، ونتوقع أن تتمدد النقمة في باقي الدول الإفريقية ضد الاستغلال الغربي لدول القارة السمراء، وهنا يبرز السؤال المهم وهو : هل تتدخل الإكواس والإيكاس في بعض دول القارة لتنفيذ السياسات الغربية وتنفذان الإملاءات الأمريكية والفرنسية؟، وهنا نسأل هل دعوة (الاتحاد الإفريقي الذي تأسس سنة /2001/ ومقره في إثيوبيا ويضم /55/ دولة إلى حضور قمة مجموعة العشرين G20 الثامنة عشرة /18/ بتاريخ 9/9/2023 القادم في الهند ليمارس ضغطاً على الشعوب الإفريقية المنتفضة ضد السياسات الغربية وخاصة السياسة الاقتصادية؟!، ونسأل أيضاً لماذا لا يكون للقارة الإفريقية ممثلاً لها كعضو دائم العضوية في مجلس الأمن؟!، نعتقد أن السبب هو نفاق الغرب الأطلسي، ولكن القطبة المخفية أصبحت واضحة وأن ما وراء الأكمة أصبح ظاهراً، إنه عصر تغير موازين القوى العالمية وظهور قوى اقتصادية عالمية جديدة ذات توجه شرقي تحرر العالم عن (المركزية الغربية) كما ظهر في قمة مجموعة البريكس في جنوب إفريقيا ورغبة الكثير من الدول الإفريقية في الانضمام إلى هذه المجموعة الرائدة، فهل الاقتصاد الإفريقي يتأقلم مع هذه المتغيرات الدولية نأمل ونتمنى ذلك، فإفريقيا يجب أن تكون قطباً اقتصادياً كبيراً وأن تسخر الثروات الإفريقية لمصلحة الإفريقيين.