لا تمضي فترة قصيرة إلا ونسمع عن فتح ملف فساد دسم في قطاع معين بمدينة حلب، من “المطاحن إلى المحروقات و”السورية للتجارة” وصولاً إلى المدارس الخاصة، التي يعتريها أساساً خلل ومخالفات كثيرة، ما يشير إلى تمدد مخيف لهذه الآفة في العاصمة الاقتصادية يحتاج إلى معالجة جذرية «تفش خلق» أهالي هذه المدينة المنكوبة، التي لم تشف بعد من ويلات الحرب وآثار الزلزال الكارثية.
تصدر مدينة حلب مشهد الفساد هذه الأيام، لا يلغي إطلاقاً معاناة جميع المدن من آثار هذا الداء، الذي ينخر بقوة في جميع مفاصل المؤسسات العامة لأسباب عديدة باتت معروفة للجميع، لكن الحلول أيضاً بينة، وتحتاج إلى إرادة وقرار جريء يساهمان تدريجياً في قلع منظومته من أساسها، بعيداً عن حملات مكافحة الفساد، التي لم تكن نتائجها على قدر التوقعات، فالمطلوب ليس إعادة اختراع الدولاب من جديد، وإنما تطبيق فعلي للقوانين الموجودة ومساءلة الفاسدين عن مصدر أموالهم وتحديداً من ظهرت عليه النعمة فجأة، حيث أصبح لازماً تفعيل قانون “من أين لك هذا” جدياً بعد شفط كبار الفاسدين أموالاً ضخمة، أثرت سلباً في الواقع الاقتصادي والمعيشي، وبالتالي عند استردادها ستكفي لزيادة رواتب مجزية تحسن أحوال الموظفين وتنقذ مؤسساتنا من ترهلها وتنعش قطاعات حيوية مهددة بالانهيار، مع محاسبة علنية وفعلية للرؤوس الكبيرة وليس الاكتفاء بالصغار أو من بدأ يحبو باستحياء إلى دنيا الفاسدين المغرية بحجة الضائقة المعيشية وراتب الوظيفة ما “بيطعمي خبز”، والشاطر “يلي بيدبر رأسه” متكئين على اعوجاج سلم الرواتب والأجور، فالواقع الاقتصادي الصعب جداً يفرض صرف كل ليرة في محلها ومنع سرقتها، فكيف إذا كان النهب بمليارات الليرات، في تفريغ غير بريء للخزينة، التي تدفع مثلاً أموالاً طائلة لتأمين المحروقات المدعومة، ليأتي من يسرقها في وضح النهار ويبيعها في السوق السوداء بأضعاف سعرها الحقيقي، فتكون الخسائر مضاعفة؟
ملفات الفاسدين في مدينة حلب فُتحت فجأة وقبضت الجهات المختصة على بعض المتورطين بتهم عديدة، بينما تمكن آخرون من الفرار بجلدهم خارج البلاد مع الأموال المنهوبة، لذا نأمل بعد استكمال التحقيقات الإعلان عن أسماء الفاسدين الصريحة مع فرض عقوبات مشددة أمام الرأي العام سواء في حلب أم باقي المحافظات حتى يكونوا عبرة لغيرهم، وعدم القبول بدفع المال فقط لقاء «لفلفة» فسادهم وتبييض صفحاتهم السوداء كي لا يعودوا إلى الواجهة من جديد بتسميات مختلفة، كما حصل في مرات عديدة، فالفساد المالي والإداري في ظل مأساتنا الاقتصادية والمعيشية المتواصلة ليس جرماً يمس مؤسسة ما وإنما كارثة فعلية تهدد الأمن الاقتصادي والغذائي، تستلزم عقوبات غير “رحيمة” بحق المتورطين بهذه الجريمة الكبيرة.
رحاب الإبراهيم
68 المشاركات
قد يعجبك ايضا