ملف «تشرين».. يقظة الطالب قبل وزارته علامة فارقة.. تحول في ذهنيات الطلاب المتفوقين وصحوة على التعليم المهني.. على الوزارة أن تكمل المهمة
تشرين- بشرى سمير:
رغم كل التصريحات التي تطلقها وزارة التربية حول اهتمامها بالتعليم المهني والتقني والذي بات سمة العصر وخاصة مع التطور التقني الذي نشهده، إلا أنها لا تزال تعتمد آلية لقبول الطلاب تقوم على معدل الدرجات في شهادة التعليم الأساسي، فيدخل الطلاب الحاصلون على معدلات عالية إلى التعليم العام، والطلاب الذين معدلاتهم أقل من النسبة المحددة يفرزون إلى التعليم المهني والتقني بمختلف اختصاصاته، الأمر الذي يجعل هناك هوة كبيرة بين ما يطرح من تصريحات وبين الواقع.
500 مدرسة تحوي 65 ألف طالب تعليم مهني.. والظروف الاقتصادية
دفعت الكثيرين للاقتناع بأهمية المهني ومردوديته
وهذا ما دفع المجتمع إلى اعتماد نظرة خاطئة حول منتسبي هذا التعليم من طلاب، فعندما يرغبون في الإشارة إلى أن أحد أبنائهم منتسب لثانوية صناعية أو مهنية، يخفضون صوتهم، وكأنها شبهة، ويلقنون أطفالهم منذ يومهم الدارسي الأول أن من لا يدرس سيذهب إلى الصناعة…
الموجه التربوي في إحدى المدارس المهنية محمد إبراهيم أوضح أن اعتماد الوزارة على المعدل في إجبار الطلاب عن دراسة التعليم المهني هو ما ينفر الطلاب من دراسته لكونهم يشعرون بالدونية لافتاً إلى ضرورة جعل دراسة التعليم المهني والتقني أمراً اختياراً، لمنع التسرب أولاً، ولتخريج كوادر كفوءة وقادرة على الدخول بسوق العمل بمهنية واحتراف وعن رغبة واقتناع.
تجارب عالمية
من جهته الخبير في مجال التعليم المهني مازن حمدان والمدرب في إحدى الشركات الصناعية، أشار إلى أن الكثير من الدول المتقدمة أولت التعليم المهني جلّاهتمامها، فانعكس ذلك على تقدمها، مثل ألمانيا على سبيل المثال، حيث جعلت دراسة التعليم المهني أمراً اختيارياً، والتي اهتمت به حتى أصبح أحد الأسباب الرئيسة التي قادت إلى نهوض ألمانيا من أنقاض الحرب العالمية الثانية. ففي هذه الدولة ينظر إلى التعليم المهني والتدريب كجزء أساسي مكمل للحياة، بل ينظر إليه باعتباره وسيلة رئيسة لتحسين المجتمع ورفع مستواه، وهناك العديد من طلاب المدارس العليا في ألمانيا، التي توازي الثانوية في معظم بلدان العالم، يتركون المدرسة عند هذا المستوى التعليمي وفي سن التاسعة عشرة ليلتحقوا بمؤسسات التعليم المهني أو الاتجاه نحو تعلم بعض المهن على نظام الدراسة المزدوج، في هذه المدارس المهنية التي تعرف (بمدارس التعليم للعمل) يتم تقديم برامج أولية للإعداد المهني.
حمدان: نمجد التعليم العام الذي يخرِّج آلاف الطلاب الذين يعملون في أعمال إدارية أشبه بالبطالة المقنعة
ولفت حمدان إلى أننا في سورية بحاجة الى إعطاء التعليم المهني والتقني أولوية وخاصة أننا في مرحلة إعادة الإعمار وتوجيه الشباب نحوه من خلال تعاون القطاع العام والخاص وإزالة الفروق بين التعليم العام والمهني وكذلك توجيه الأهالي لأهمية التعليم المهني لتحفيز أبنائهم وبناتهم للدراسة المهنية بفخر واعتزاز ورغبة, تدفعهم للإبداع والتفوق, لنتمكن من التغلب على التحديات والمعوقات التي تواجه التعليم والتدريب المهني والتي من أهمها نظرة المجتمع السلبية إلى التعليم والعمل المهني اليدوى الفنى، وتمجيد التعليم العام الذي يخرّج آلاف الطلاب الذين يعملون في أعمال إدارية أشبه بالبطالة المقنعة، لذلك فإن أبرز العقبات التي تواجه الطالب، الراغب في الدخول إلى هذا المجال، هي اصطدامه برفض الأهل وصدهم له، وذلك بسبب العقلية المتخلفة والنظرة الدونية إلى التعليم المهني، مع العلم أنه من خلال التعليم المهني يمكن للطالب المتفوق متابعة دروسه الجامعية، وهذا ما كنا ننصح به الأهل باستمرار، كما أن الطالب في المعاهد المهنية والفنية يكتسب خبرة تطبيقية واسعة، ويطرق أبواب المعرفة العملية .
اهتمام كبير
من جانبه مدير التعليم المهني والتقني في وزارة التربية فهمي الأكحل أشار إلى أن التعليم المهني أعطي اهتماماً كبيراً في الآونة الأخيرة، مبيناً وجود 500 مدرسة مهنية وأكثر من 65 ألف طالب، ولفت إلى أن أغلب الطلاب باتوا يرغبون في دخول سوق العمل بسرعة، منوهاً بأن البنية التحتية للتعليم المهني متوفرة وجيدة لكن هناك نقصاً في المدرسين، وهو أمر يتم تلافيه من خارج الملاك.
وحسب الأكحل فإن هناك نظرة اجتماعية كانت سلبية للتعليم المهني، وكان الأمر متعلقاً بمدى رغبة الأهل في أن يصبح أبناؤهم أطباء ومهندسين وينظرون إلى العمل المهني على أنه درجة ثانية، لكن اليوم تغيرت تلك النظرة بحكم الظروف الاقتصادية ونتيجة لتفتح المجتمع إضافة إلى الإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية بخصوص تحسين واقع التعليم المهني، ولعلّ من أهم الإجراءات المتخذة هو إصدار القانون رقم 38 لعام 2021 الخاص بالتعليم الثانوي المهني لجهة التركيز على تدريب الطلاب في بيئة العمل الحقيقية ورفع مستوى الخريجين العلمية والعملية، مشيراً إلى أن القانون أعطى الصلاحية بتحويل المدارس المهنية إلى مؤسسات إنتاجية وتوفير مستلزمات التدريب وتأمين الدخل المادي للمدرس والطالب حيث سمح لمدارس التعليم المهني بالتعاقد مع القطاعين العام والخاص والمشترك وتنفيذ هذه العقود من قبلها، وسبق ذلك فتح مسارات مع التعليم العالي من خلال الكليات التطبيقية المتعددة في معظم الاختصاصات المهنية إضافة إلى تعيين 5% من الأوائل في وظائف الدولة وقبول 3% من الأوائل في كليات الهندسة.
الأكحل: تغيرت النظرة المجتمعية السلبية الخاطئة بسبب الظروف
وأقر الأكحل أن الوزارة لم تصل بعد إلى الدرجة المطلوبة التي تصبو إليها في الارتقاء بالتعليم المهني والتقني لكن هناك تحسن ملحوظ، ففي الأعوام الماضية كنا نتحدث عن عزوف وتسرب الطلاب من هذا النوع من التعليم، وفي هذا العام بتنا نتحدث عن شيء جديد يتعلق بنسبة الجذب إلى التعليم المهني والتقني، والمقصود هو عدد الطلاب الذين يحق لهم التعليم العام وسجلوا بالتعليم المهني والتقني بملء إرادتهم ويضافون إلى العدد الكلي، وبالتالي باتت لدينا نسبة جيدة من الطلاب تلتحق بالتعليم المهني بناء على رغبتهم، وهذا يعكس النظرة الإيجابية للتعليم. مبيناً أن نتائج فرز الطلاب في إحدى الثانويات الصناعية وهي الثانوية الصناعية بجبلة وفيها يبدو أن معظم الطلاب المسجلين هم ممن يحق لهم التعليم العام، الأمر الذي يعكس تغير النظرة إلى التعليم المهني والرغبة في دراسته وتعلم مهنة تضمن المعيشة الجيدة لطالب وأسرته.
اقرأ أيضاً:
ملف «تشرين».. تبني مخرجات التعليم المهني مهمة متكاملة.. بعضهم أبدى استعداده وآخرون لديهم وجهات نظر