ليست بأحسن أحوالها .. تناقص حاد بالثروة الحيوانية في اللاذقية وغلاء أسعار الأعلاف ومستلزمات التربية يؤثر في الإنتاجية
تشرين – باسمة إسماعيل:
الثروة الحيوانية في محافظة اللاذقية ليست في أحسن أحوالها، فهي في حالة تناقص كما ذكر لـ”تشرين” بعض مربي الأبقار والماعز والأغنام، إذ أشار البعض منهم إلى أن هذا التناقص ليس وليد اللحظة بل بدأ منذ أكثر من عامين، لكن هذا العام زادت حدة التناقص لدى المربين، وقد عزا أغلب المربين السبب الأساسي إلى غلاء الأعلاف في السوق السوداء بشكل غير معقول، بحيث لا يتناسب مع الإمكانيات المادية لأغلب المربين، الذين استنفدوا كل ما لديهم من حلول لإنقاذ ما تبقى لديهم، سواء ببيع قسم مما لديهم من الثروة الحيوانية أم بالقروض، والسبب الآخر غلاء أسعار الأدوية وأسعار المحروقات التي أرهقت كاهلهم، وتدني سعر الحليب ومشتقاته مقابل ما ينفقون، فسعر الكيلو منه حالياً ستة آلاف ليرة وتكلفته على المربين ما بين الخمسة آلاف وخمسة آلاف وخمسمئة ليرة، ونوه البعض إلى أن الكمية الموزعة من المؤسسة العامة للأعلاف عبر فروعها بالدورات العلفية غير كافية على الإطلاق، في ظل هذا الغلاء لكن “بحصة تسند جرة”.
الغلاء يؤثر في الإنتاجية
وبيّن آخرون أن هذا الغلاء أثر في إنتاجية الأبقار والماعز والأغنام، لأن المربي لم يعد بإمكانه أن يعلّف ما لديه بالشكل المطلوب، فقبل غلاء أسعار الأعلاف حالياً بمعدل الضعف كان المربي يعلّف ما لديه من ثروة حيوانية نصف الكمية المطلوبة، والآن نعتقد أن أغلبية المربين سيلجؤون لبيع أغلب ما لديهم ليحافظوا على ما ييسر أمور حياتهم اليومية.
المربون يطالبون بتدخل أكبر من الجهات المعنية لدعمهم
زاد الضعف
وأوضح أحد المربين أن كل رأس بقر على سبيل المثال يحتاج باليوم ما بين /10-12/ كيلو غراماً علفاً، أي بالشهر يحتاج إلى /300-350/ كغ وسعرها يقارب المليوني ليرة، لأن سعر طن العلف حالياً في السوق السوداء زاد الضعف عما كان منذ عدة أشهر، حيث وصل سعر الطن إلى ما بين خمسة ملايين وسبعمئة ألف وستة ملايين، وما يأخذه المربي من الدورة العلفية لكل رأس ما بين /100-150/ كغ، بسعر مليونين وثمانمئة ألف ليرة للطن، لذلك نطالب بتدخل أكبر من مؤسسة الأعلاف لدعم المربين كي لا يضطروا كثيراً للجوء إلى الشراء من السوق السوداء، ألا يكفينا أعباء ارتفاع أسعار المحروقات والأدوية وغيرها؟
بيع قسم للحفاظ على الآخر
ونوه أحد المربين ممن لديه مزرعة ويعمل في تجارة بيع الثروة الحيوانية وتربيتها لعقود، وقد ورث هذه التربية أباً عن جد، إلى أنه لجأ في الفترة الماضية إلى بيع قسم مما لديه للحفاظ على القسم الآخر، وأنه الآن سيضطر لبيع ثلثي ما تبقى لديه ليحافظ على الثلث المتبقي، فإذا هذا كان حاله فكيف حال المربين الآخرين الذين لديهم عدد رؤوس أقل ويعتاشون من خلالها، وهي مصدر عيشهم؟
المعايير اختلفت
أغلب المربين الذين التقتهم “تشرين” أكدوا أن المعايير اختلفت عما سبق، فكان يقال سابقاً “مَن يربّي البقر لا ينفقر” فقد أصبحنا على مقربة من الفقر، وحتى المراعي لم تعد كما في السابق، حيث كان أهالينا يعتمدون عليها أكثر من الأعلاف.
وأشاروا إلى أنه لإنقاذ الثروة الحيوانية من تدهور أوضاعها وألا نصل لنفوقها بعد عدة سنوات، وكذلك لإنقاذ أوضاع المربين الذين يعيشون من مردودها، يجب تكاتف كل الجهود من الجهات الرسمية لدعم المربين بشكل أكبر بالأعلاف والمحروقات وتوافر الأدوية عبر الجهات الرسمية بشكل أكبر كي لا يشتريها المربون من السوق السوداء.
تراجع نسبي
رئيس دائرة الصحة الحيوانية في مديرية زراعة اللاذقية الدكتور البيطري أحمد ليلا أشار إلى أنه رغم الجهود المبذولة من وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي خلال الأعوام السابقة، في مجال تطوير قطاع الأبقار من منح تراخيص وتبسيط إجراءات ومنح قروض زراعية ورعاية صحية … إلخ، والتوجه لنظام المزارع في مناطق المحافظة بدلاً من التربية الفردية التي أثرت في تحسين أعداد القطيع، كما زاد الإقبال على عملية تربية الأبقار، إلا أنه لوحظ في العامين السابقين أن هناك تراجعاً نسبياً في العدد الإجمالي للقطيع، خاصة في النصف الأخير من عام 2022، حيث زادت حدة التناقص في قطيع الأبقار الحلوب وإناث التربية (البكاكير والعجلات)، وأصبح التوجه نحو عجول التسمين فقط، التي شكلت جانباً كبيراً من عدد القطيع، وهو السبب في عدم وضوح التراجع الكبير في العدد الإجمالي للقطيع، لأنه بشكل يومي هناك استقدام للعجول /الذكور/ من المحافظات المجاورة بغرض تسمينها.
وللتوضيح بيّن ليلا تطور أعداد قطيع الأبقار خلال السنوات الخمس الأخيرة، ففي عام 2018 كان عدد الرؤوس /30869/ رأساً، وفي عام 2019 أصبح /31400/، وفي عام 2020 أصبح /32350/، وفي عام 2021 أصبح /35400/، وفي بداية عام 2022 أصبح /33426/ رأساً، وفي منتصف عام 2022 أصبح /32938/، وفي النصف الثاني من عام 2022 أصبح /29335/ رأساً، وفي النصف الأول من عام 2023 أصبح /28600/ رأس.
ونوه ليلا إلى أنه من المتوقع خلال حملة التحصين القادمة والجولة الإحصائية في نهاية هذا العام، أن نلاحظ تراجعاً في إجمالي عدد القطيع.
خسائر يومية
وبيّن ليلا أن التراجع مرتبط بعدة أسباب، منها: تراجع بل انعدام الريعية الاقتصادية لعملية تربية الأبقار الحلوب وتكبد المربين خسائر كبيرة، وارتفاع تكاليف التربية من (تغذية -رعاية – محروقات – أدوية)، وارتفاع أسعار الأعلاف وعدم توفرها بالكميات المطلوبة وهي تشكل 70 بالمئة من تكلفة التربية، والتعثر في تسويق الحليب، وعدم تناسب سعر المنتج مع تكلفة الإنتاج، إضافة إلى الخسارة اليومية للمربين بسبب العوامل السابقة وبأرقام كبيرة تفوق قدرة تحملهم، وخروجهم من العملية برمتها، وسعي المربي للتخلص من الأبقار ذات الإنتاجية الضعيفة والمتوسطة، ومن (البكاكير والعجلات) لتخفيف الخسائر وبأسعار بخسة جداً، وعمليات التهريب التي تجري بشكل مستمر وتستنزف خيرة الرؤوس، وعمليات الذبح الجائر وبشكل غير مشروع لإناث الأبقار والأغنام، كما أن أسعار الحليب ومشتقاته الصادرة عن الجهات المعنية لا تتوافق مع تكاليف الإنتاج وبالتالي زيادة الخسائر، وانخفاض كمية المقنن العلفي المدعوم الممنوح لمربي الأبقار، حيث لا يغطي /10- 15/ بالمئة من احتياجات الرأس الواحد.
العامل المحدد لنجاح التربية الحيوانية هو جدواها الاقتصادية
وأشار ليلا إلى أن التعثر في تسويق الحليب ومشتقاته يعود لعدة أمور، أهمها حساسية مادة الحليب الطازج واحتياجها لظروف نقل وحفظ وتبريد خاصة في ظروف التقنين الكهربائي، وارتفاع تكاليف النقل والطاقة بكل أشكالها، وإحجام المواطن عن استجرار هذه المنتجات /حليب- ألبان -أجبان/ ومشتقاتها بسبب ضعف القوة الشرائية وغياب التبريد في المنازل وبالتالي تعرضها للفساد، علماً أنها من أرخص السلع حالياً مقارنة بقيمتها الغذائية وبقية السلع الأخرى، ومنافسة منتجات الألبان والأجبان المصنعة والمغلفة، والآتية من الحليب المجفف المستورد لكونها لا تحتاج إلى ظروف الحفظ التي تحتاجها المنتجات الطازجة /المحلية/، وبالتالي لا تتعرض للفساد والتلف وتتحمل التخزين في الظروف الطبيعية.
توفير ظروف مناسبة
ولفت ليلا إلى أنه لابد من إيجاد الحلول السريعة لتوفير الظروف المناسبة لتربية المواشي، وتحسين الجدوى الاقتصادية لهذا القطاع، حيث إن العامل المحدد لنجاح التربية هو جدواها الاقتصادية عن طريق تضافر جهود جميع الوزارات والإدارات والمؤسسات المعنية لهذا القطاع، وخاصة فيما يتعلق بالتسويق.
واقترح ليلا تسويق الحليب من أرض المزرعة /المربي/ بسعر يتناسب مع سعر التكلفة ضماناً لاستقرار المربين بالتربية، وأن يتم التدخل من مؤسسة الأعلاف بزيادة المقنن العلفي وبجودة جيدة، ومنح قروض من المصرف الزراعي لمربي الأبقار بفوائد قليلة.
مؤسسة الأعلاف متمسكة بتدخلها الإيجابي لدعم المربي
متمسكة بتدخلها الايجابي
مدير فرع الأعلاف في اللاذقية المهندس سائر حبيب أكد أن المؤسسة العامة للأعلاف متمسكة، وخاصة بهذه الظروف الصعبة وكما كانت على الدوام، بتدخلها الإيجابي لدعم إخوتنا المربين للحفاظ على إنتاج وصحة الثروة الحيوانية بمختلف قطاعاتها (أبقار -أغنام وماعز- دواجن -مزارع سمكية -خيول- جواميس – جمال) وتعمل بشكل دائم على انتظام مدة الدورات العلفية واستقرارها، مع السعي الدؤوب لرفع المقننات قدر المستطاع وحسب الإمكانات المتوفرة.
دعم وتدخل
وأشار حبيب إلى أن سعر مبيع جاهز حلوب في مراكز المؤسسة حالياً مليونان وثمانمئة ألف ليرة للطن الواحد، وهو دعم وتدخل كبير للمربين حيث يصل سعر الطن الواحد في السوق الرائجة حالياً لأكثر من خمسة ملايين وسبعمئة ألف ليرة سورية.
ولفت إلى أن الدورة العلفية الماضية تم توزيع /100/ كيلو جاهز حلوب و/50/ كغ نخالة للرأس الواحد من الأبقار، بناء على جداول التحصين ضد الحمى القلاعية لعام 2021، وفي الدورة الحالية يتم توزيع /100/ كيلو جاهز حلوب للرأس الواحد على جداول تحصين ضد الحمى القلاعية لعام 2022.
وبيّن أن الكمية الموجودة في مستودعات فرع اللاذقية تكفي لإتمام الدورة العلفية الحالية، المستمرة حتى 12 الشهر القادم وبنسبة تنفيذ مئة بالمئة.