دكاكين (الدمج)..؟! 

كلما شاهدت ( دكانة صالح ) في مسلسل «ضيعة ضايعة» يخطر على بالي فوراً دكاكين قريتنا في السبعينيات والثمانينيات .. الكثير من بضاعتها البسيطة ، وهي جميعها بسيطة، مهرّبة من لبنان ، ومن طرابلس تحديداً، وذلك بسبب قرب قريتنا من النهر الكبير الجنوبي الحد الفاصل بين سورية ولبنان .. كانوا يستيقظون باكراً جداً ليتخفوا عن أعين الجمارك ، ولكي يعودوا قبل ( حموة ) الشمس صيفاً .

كانت تجارتهم إلى طرابلس تتمثل في البيض البلدي والجبن والسمنة، أي أغلبيتها منتجات حيوانية ، وبعض الحشائش في أيام الربيع .. يعودون بكلّ ما يحتاجه البيت في قريتنا .. السردين والتونة والبذر مثلاً والمتة والدخان والسكر والعطور والسكاكر والكحل وعدة

( الغندرة ) للصبايا .. إلخ.

في مرحلة لاحقة، تعرّفنا في سوق التهريب في القابون على نماذج وبضائع وأدوات مختلفة .. رجال يفترشون الأرض، وينادون على بضائعهم المخالفة ( المهرّبة ) بأصوات ( تتشابك )، وتخدش الآذان والحياء أحياناً.

اذاً، ليست دكاكين قريتنا فقط هي التي تقتني ، بل تمتلئ بالمواد المهرّبة ، بل إن هناك أسواقاً بأمها وأبيها تتاجر نهاراً جهاراً بمواد مهّربة .. اشترينا منها المسجلة والتلفزيون ( أبيض وأسود ) السيشوار الكاميرا .. مسموح المتاجرة فيها بأي شيء إلا المخدرات .

في مرحلة لاحقة أيضاً، تعرّفنا على شركة التجزئة والاستهلاكية .. اللحوم وباتا والخزن والسندس ، لكل منها هوية واختصاص ، لا تمتلك دكاكين صغيرة ، بل مجمعات كبيرة بطوابق متعددة، فيها كل ما تحتاجه الأسرة ، كما يقول المثل الشامي ( من الطربوش الى البابوج ) .

مفروشات وألبسة ومواد تموينية متعددة مرتبة على الرفوف بتناسق جميل .. جاءت أزمة السمن والأرز والسكر والزيت .. وأنتجت لأجل ذلك نكات جميلة، لكن سيطرة التموين حينها على تجارة هذه المواد الأساسية، أدخلت أول مرة مفهوم التدخل الإيجابي بالمعنى الحقيقي عبر

(البونات ) التي كانت تصرف حتى من المحال التجارية الخاصة .. كان العقل الذي يصوغ الحلول ناضجاً لا يخاف، لأنه ( قد المقام ).

لاحقاً أيضاً، بدأنا نخسر مؤسسة إثر أخرى في

(مهرجانات للدمج ) ، ومع كل مؤسسة نخسرها كنا نرى بضاعتها مركونة في المؤسسة الجارة كالأولاد اليتامى .. بضائع مقصيّة في أطراف متجر ، يأكلها العثّ والإهمال .. وهكذا حتى تحولت كل تلك المؤسسات الكبيرة إلى دكاكين .. كدكاكين قريتنا يتوافر فيها كل شيء إلا المواد الأساسية والسردين والتونة ، لكن فيها من الطناجر ما يكفي لإقامة مهرجانات بالجملة و لطهو وإنضاج ولائم وحفلات العودة إلى المدرسة .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار