أن تكون عاقلاً في مكانٍ مجنونٍ..!!

كان يا ما كان في سبعينيات القرن الماضي، وفي عز الدراسات النفسية والاجتهادات، كانت هناك مجموعة من الأطباء النفسيين وتلاميذهم النجباء، بعد أن أنهوا أبحاثهم النظرية والمحاضرات قرروا، وتحت زعامة الطبيب «ديفيد روزنهان» في«ساعة صفا» و«فضاوة بال»، تطبيق لعبة علمية على المستشفيات والمصحات، وطرق أبوابهم على أنهم مرضى يعانون بعضاً من المشكلات النفسية من (سماع أصوات ورؤية وجوه وعفاريت وتشويش وتنميل بالرأس والأطراف)، والغريب أنّ اللعبة انطلت على أطباء المستشفيات، وقاموا بعمل أوراق نظامية لدخول المصح لأطباء أصحاء ادعوا المرض و«تشيزوفرينيا» وهمية لاقت القبول ووصف «روشتة» أدوية لمعالجة مرض كذاب.
وتم حجزهم في المصح، رغم تصريح (المرضى الأساتذة) بانكفاء الحالة وتحسّن الأحوال، مدة شهرين بالتمام والكمال، ولم ينصاعوا لهتافهم بأنهم عقلاء.
هذا السيناريو تكرّر في سبعة مستشفيات كبرى، والنتيجة كانت واحدةً: (العقلاء مجانين حسب تشخيص الأطباء).
الدكتور ديفيد «شمّر عن زنوده»، واستلّ قلمه، ونشر بحثاً في أهم المجلات العلمية تحت عنوان: (أن تكون عاقلاً في مكانٍ مجنون) نشر فيها عرض أطباء المستشفيات التي استقبلته، وشخصت حالتهم بتشخيص خاطئ، لا يمت بصلة لعقولهم المخضرمة بالنظريات وسلوكياتهم فوق توصيف المتزنة والعاقلة!!
هذا البحث زلزل الساحة العلمية آنذاك، وحكايا كهذه لن تنتهي كغيرها من الحكايات بالأفراح والثبات والنبات، وإنما حققت همروجة حالة واستنكاراً واستفهاماً بحق الحالة التوصيفية لمستشفيات جاهلة ببدهيات التشخيص الطبي، ولا تستطيع التفريق بين المجانين والعقلاء، هذا الحراك أثار امتعاضاً كبيراً في أحد المستشفيات المستهدفة والتي طالها النقد البناء، واستنفرت بكامل طاقمها الطبي، وتحدت الدكتور روزنهان بأنهم جاهزون لكشف أي حالة مزيفة يرسلها لهم، وهم الأكفياء وجهابذة الطب النفسي في تلك الأثناء، وقبل الدكتور روزنهان التحدي، وبعد فترة وجيزة قام المستشفى بتقديم قائمة لإحدى وأربعين حالة تم تشخيصهم على أنهم مرضى مزيفون، وهم أصحاء عقلاء، وليسوا مجانين أو أصحاب اضطرابات نفسية وهيجانات، وكانت الفضيحة المزلزلة إثر إعلان الدكتور روزنهان عدم إرساله لأي حالة، وبأن مجانينهم باتوا بعد التحدي طلقاء، و«توتة توتة خلصت الحتوتة» والثقة المفرطة بالإمكانات يمكن أن تكون تحت عدسة رقيب فهيم باطلة جوفاء..!!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار