هل اتخذت الجهات المعنية الإجراءات المناسبة قبل حلول الشتاء وتكرار المأساة؟.. ينابيعُ الدّريكيش شرايين حياةٍ يهدّدها تلوث الصرف الصحي

تشرين- نورما الشّيباني:
مدينةُ المياه والحرير الدّريكيش حباها الّله طبيعةً جبليّةً ساحرة، ذاع صيت ينابيعها العذبة الغزيرة في كلّ الأرجاء ومازال السكان يقصدونها لنقاء مياهها.
إلّا أنه في الآونة الأخيرة وبسبب مصبات الصرف الصحي العشوائية وعدم وجود محطات معالجة، تلوثت بعض الينابيع.

الينابيعُ ذاكرةُ منطقة..
“تشرين” التقت العمّ أبو إبراهيم في العقد الثامن من عمره، وهو من أبناء مدينة الدّريكيش قرب نبع السّوق، هذا العجوز كبقية أبناء المنطقة مازال يقصد الينابيع الّتي ترافق ذكرياته، بدأ بالحديث: النّسوة والصّبايا كنّ يحملنَ جِرار الفخّار ويقصدن النبع ليحضرن حاجة العائلة من الماء، كما كانت القرية تجتمع حول النّبع لإعداد الطّعام والمشاركة في الأفراح بالغناء وإقامة حلقات الدّبكة .
و أكّد أبو إبراهيم أنّ الحياة قديماً ارتبطت بالينابيع بدءاً من مياه الشّرب إلى غسل الملابس والاستحمام إضافةً إلى سقاية المزروعات والمواشي وكلّها طقوس جماعيّة تزيد الألفة والمحبة بين النّاس.
ومع التّطوّر وازدياد عدد السّكّان شُيّدَت الخزّانات لتجميع مياه الينابيع وحُفِرَت الآبار لتصل مياه الشّرب عبر شبكة مياه حديثة إلى كلّ المنازل.

أهم الينابيع والآبار
مدير مؤسّسة مياه الدّريكيش وسيم حسن أوضح لـ”تشرين” أنّ أهمّ الينابيع والآبار المستثمَرة هي نبع الهني في جورة الجواميس الّذي يغذّي عدّة قرى، ونبع الدّلبة الّذي يغذّي مدينة الدّريكيش و٤٨ قرية أخرى، بالإضافة إلى نبع بمحصر الّذي يغذّي العوينات وقطّاع حيلاتا وبويضة الشيخ مسلم و١٤ قرية أخرى.
وبئر في ضهر الدّريكيش تُستثمر مياهها في معمل الدّريكيش، أيضاً نبع بيت الوادي يغذّي قطّاع دوير رسلان، وينابيع جبل النّبي متّى في حيلاتا، ونبع الفوقة ونبع السّوق والجامع.
وتابع حسن أنّه خلال أشهر الخريف ينخفض منسوب المياه في الينابيع ويكون التّعويض من الآبار الموجودة في مشاريع المياه، حيث يتمّ تجميع مياه النّبع في خزّانات رئيسيّة للمحطّات، حيثُ تختلف نوعيّة مياه هذه الينابيع والآبار حسب القساوات والنّاقلية فإنّ معظمها كلسيّ وبئر الدّريكيش فقط مياهه معدنية.

مياه الصّرف الصّحّي تهدّد المياه الجوفيّة
ناشد أهالي الدّريكيش الجهات المعنيّة عبر “تشرين”، وطالبوا بالعمل لإبعاد خطر مياه الصّرف الصّحي والجفت عن مصادر مياه الشّرب واتّخاذ كل إجراءات الوقاية قبل موسم الشّتاء لمنع تكرار مأساة العام الفائت مع وباء التهاب الكبد، علماً أنّ مدينة الدّريكيش هي في المرتبة الأولى من حيث عدد الإصابات بمرض السّرطان أيضاً.

إجراءات وحلول
في هذا الصدد التقت “تشرين” مدير الموارد المائيّة في طرطوس المهندس محمّد محرز الّذي أوضحَ أنّه تمّ إدراج ينابيع الدّريكيش لأهميتها السّياحيّة في خطّة العمل السّنويّة لقسم مراقبة نوعيّة المياه العامّة في مديريّة الموارد المائيّة بطرطوس، حيث تمّ بتاريخ ١٣/١١/٢٠٢٢ قطف عيّنات من مياه نبع السّوق وإجراء التّحاليل الفيزيائيّة والكيميائيّة والجرثومية، وتبيّن ارتفاع مؤشّر عدد العصيّات البرازيّة في مياه النّبع، قمنا على إثرها بمخاطبة المحافظة وطالبنا بإغلاق مناهل السّوق والجامع والعمل على رفع التّلوّث عن النّبع، حيث تمّ إغلاق النّبع وتشكيل لجنة من قبل المحافظ بالأمر الإداريّ رقم /11/ تاريخ 11/1/2023 مهمّتها وضع الحلول الّلازمة لمعالجة وإزالة التّلوّث الحاصل لمياه عين الجامع وعين السّوق في مدينة الدّريكيش.
تابع محرز أنّه بناءً على الأمر الإداري السّابق اجتمعت الّلجنة واطّلعت على واقع نبع الدّريكيش وحوضه المغذّي والتّجمّع السّكّانيّ الكبير الواقع ضمن هذا الحوض المخدّم بشبكة صرف صحّي قديمة، كما اطّلعت الّلجنة على نتائج التّحاليل المخبريّة لمياه النّبع الّتي قامت بها مديريّة الموارد المائيّة في طرطوس، حيث أظهرت تلك النّتائج ارتفاعاً في مؤشّر التّلوّث الجرثوميٌ وهذا يدلّ على اختلاط مياه النّبع مع مياه الصّرف الصّحّي، الأمر الّذي استدعى اتّفاق أعضاء الّلجنة على وضع خطّة عمل للكشف عن مصدر تلوّث النّبع باعتماد سياسة الخطوة خطوة..

تفريغ حوض النبع
وكانت الخطوة الأولى تفريغ حوض النّبع وقطف عيّنة من رأس النّبع وتحليلها جرثوميّاً، حيث كانت النّتيجة وجود تلوّث جرثوميّ في رأس النّبع ومصدره من التّجمّع السّكّانيّ ضمن الحوض المغذّي للنبّع، وأفاد محرز أنّ الخطوة الثّانية كانت برفقة رئيس بلديّة الدّريكيش وبعض فنييّ البلديّة وأنّه تمّ الكشف على المواقع القريبة من النّبع، حيث أخبرنا سكّان المنطقة بوجود تسرّب في شبكة الصّرف الصّحّي في موقع ضمن الحوض المغذّي للنبّع، قامت بلديّة الدّريكيش بإصلاح التّسرّب، وأرسلت عيّنة من ماء النّبع بعد ثلاثة أيّام بتاريخ ٤/٣/٢٠٢٣ إلى مخبر مديريّة الموارد المائيّة، حيث كانت النّتيجة وجود عشر عصيّات برازيّة فقط/١٠٠مل.
وأضاف محرز أنّه تمّ قطف عيّنة من مياه النّبع بعد انتهاء الموجة المطريّة بتاريخ ٢٥ / ٣ / ٢٠٢٣، وحُلّلت جرثوميّاً وكانت النّتيجة أنّ عدد العصيّات البرازيّة ٢٢ عصيّة، ثمّ تمّ أخذ عيّنة ثانية بعد انحباس المطر لفترة طويلة بتاريخ ٢/٤/٢٠٢٣، حيث بلغ عدد العصيّات البرازيّة ٥٠ عصيّة لكل /١٠٠ مل/، وقمنا بأخذ عيّنة أخرى من مياه النّبع بعد هطل مطريّ بتاريخ ٢٩/٤/٢٠٢٣ فبلغ عدد العصيّات البرازيّة ٤٦ عصيّة /١٠٠ مل ، واستمرّت مراقبة مياه النّبع، حيث تمّ تحليل عيّنة من المياه جرثوميّاً بتاريخ ١٣/٦/٢٠٢٣، حيث بلغ عدد العصيّات البرازيّة ١٨ عصيّة / ١٠٠/ مل.
وبعد إصلاح التّخرّب الحاصل في شبكة الصّرف الصّحّي بيّنت نتائج التّحاليل الجرثوميّة أن ثمة انخفاضاً كبيراً في عدد العصيّات البرازيّة ويمكن اعتبار نوعيّة مياه النّبع في وضعهِ الحاليّ مشابهة لوضعهِ قبل التّلوّث الّذي ألمّ بهِ، وأنّ وضعه الجرثوميّ متقارب مع ينابيع المحافظة عموماً.
ويؤكّد محرز ضرورة متابعة ومراقبة نوعيّة مياه النّبع خصوصاً في بداية موسم الهطل المطريّ، والعمل على إصلاح الأعطال واستبدال الأجزاء المتخرّبة في شبكة الصّرف الصّحّي ضمن الحوض المغذّي للنبّع، ونوّه بأنّ منظّمة الصّحّة العالميّة أوصت بعدم استخدام مياه الينابيع أو الآبار للشّرب ما لم يتم تعقيمها خصوصاً بعد أوّل هطل مطريّ، حيث تكون مؤشّرات التّلوّث عالية جدّاً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار