ملف «تشرين».. ضوابط ضد الفساد في نصوص القانون.. غابت الضوابط وبقي القانون.. المجالس المحلية أو “حكومة الناس” خالية من المختصين وأصحاب الكفاءات

تشرين – زهور كمالي:
كل القضايا المتعلقة بحياة المواطن نجد أنها تعالج بشكل مباشر عبر المجالس المحلية (محافظات- مدن – مناطق- بلدات…) أي يمكن تسمية هذه المجالس بـ”حكومة الناس” لأنها الأقرب إلى المواطن وأشبه بالحكومة التقليدية، لكن بدائرة صغرى وهذه الدائرة يحكمها قانون وإذا ما تم تطبيقه بصورته الحقيقية فعندئذ نقول إنّ حكومة الناس والمواطن بخير.
أغلب آراء من تحدثتا إليهم أشارت إلى وجود ممارسات خاطئة في تطبيق القانون والأصح تغلغل الفساد في عمل تلك المجالس المحلية على الرغم من وجود أنواع من الرقابة عليها ومحاسبتها والتحدي الأكبر في عدم تطبيق نصوص القانون.
نجاح مشروط
المحامي أسامة الناصوري أوضح أنه على الرغم من قدم تجربة الإدارة المحلية في سورية إلّا أنها لا تزال متواضعة الفاعلية وتوجد مشكلات كثيرة قي تنفيذ القانون ما يعرّض أنشطتها لتكون بيئة خصبة للفاسدين رغم وجود تفتيش دوري من الجهاز المركزي للرقابة المالية الذي يقوم بجرد أنشطة هذه المجالس مرة واحدة كل سنة، كما أنه يوجد قسم للرقابة الداخلية في مجلس المحافظة التي تمارس دورها الرقابي على المجالس وعملها، كما توجد رقابة من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش وهذه رقابة حسب الطلب، وفي حديثه أشار المحامي إلى أن عدم إدراك المواطن وجهله بمواد القانون يعرقلان نشاط وعمل هذه المجالس ويوسعان مجال الفساد والمفسدين، إذ ما زالت ثقافة تقديم الشكوى لدى المواطن محدودة عن أي ممارسة خاطئة، ومثل هذه الشكاوى هي ذاتها ما يسمى الرقابة الشعبية، وأكد أن قانون الإدارة المحلية يحتاج إلى حسن تطبيق مواده وتنفيذها.

الناصوري: مشكلات كثيرة قي تنفيذ القانون ما أوجد بيئة خصبة للفاسدين رغم وجود تفتيش دوري

ونوه الناصوري بأن الانتخابات التي تتم لهذه المجالس هي انتخابات صورية وغالباً تفوز بالتزكية ولا تضم اختصاصيين وأصحاب الكفاءات الذين يحجمون عن الترشح لهذه المجالس لعدم ثقتهم بفاعليتها واختصارها بشخص رئيس المجلس، لذلك كل ما يصدر عن المجلس من قرارات لا يخضع غالباً للدراسة والمناقشة الكافية من المكتب التنفيذي، وأخيراً يمكن القول إنّ نجاح أي مجلس مشروط بالتنظيم والضبط المالي والحد من الهدر وتحصيل الجباية العادلة المقررة بالقانون واستثمار أملاك مجلس المدينة بالشكل الأمثل، كل ذلك يجفف منابع الفساد ويزيد من إيرادات المجلس وهذا ينعكس على تحسين الخدمات المقدمة للمواطن.

لجان المجالس دورها شكلي
الدكتور علي أسعد حسن، مدرس في كلية الاقتصاد جامعة البعث أوضح أنه بعد مراجعة أحكام القانون 107 نجد أن المادة (113) منه نصت على خضوع المجالس المحلية ومكاتبها التنفيذية للرقابة الرسمية والشعبية التي تمارسها الجهات المعنية، كما نصت المادة (151) على أن الجهاز المركزي للرقابة المالية يراقب الشؤون المالية وتنفيذ موازنات الوحدات الإدارية المحلية، كما نصت المادة (119) على انتخاب مجلس الوحدة الإدارية /بالاقتراع السري/ لجنة تدقيق لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة، مهمتها تدقيق العقود والإيرادات والنفقات وقطع الحساب والمصروفات التي يجريها المجلس ومكتبه التنفيذي في نهاية كل سنة والاستعانة بمن تراه مناسباً من ذوي الخبرة لتحقيق ذلك، ولها الحق في طلب أي معلومات تساعدها في أداء مهمتها وتقوم بتقديم تقريرها إلى رئيس المجلس وفي حال اكتشفت اللجنة أي مخالفة قانونية تتم إحالة الأمر إلى الجهات المختصة، هذا على صعيد النص، أما على صعيد التطبيق فإنّ الرقابة الشعبية غير فعالة ونص المادة 119 غير مطبق حتى على صعيد مجالس المحافظات، وبالنسبة للجان المجلس يمكن التحدث عن تجربة مجلس محافظة حماة حيث تم تشكيل كل لجان المجلس برئاسة أعضاء المكتب التنفيذي ودورها شكلي باستثناء لجنة التخطيط والموازنة، لذا نلاحظ فقط خضوع المجالس للرقابة الدورية من الجهاز المركزي للرقابة المالية، وعليه نصّ القانون على وجود الضوابط لكنها ليست موضع التطبيق بالكامل وتتعلق بنزاهة مفتشي الجهاز المركزي للرقابة المالية، وعليه لا يخلو الأمر من تغلغل الفساد في بعض الوحدات الإدارية بدءاً من مجالس المحافظات وانتهاء بالبلديات.

حبر على ورق
ويرى الدكتور حسن أن قانون الإدارة المحلية قانون عصري ومتكامل، لكن مشكلة الحد من الفساد مرتبطة بعمل أجهزة وجهات وقوانين أخرى (الجهاز المركزي للرقابة المالية- الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش – الجهاز القضائي – مديريات الرقابة الداخلية ….) لذا نستطيع القول إنّ المطلوب في مجال الإدارة المحلية هو وضع قانون الإدارة المحلية موضع التطبيق الفعلي بكل أحكامه ومواده، فعلى سبيل المثال نص القانون في المادة (6) منه على قيام المجلس الأعلى للإدارة المحلية بإصدار الخطة الوطنية للامركزية (لتطبيق لامركزية السلطات والمسؤوليات وتركيزها في أيدي فئات الشعب تطبيقاً لمبدأ الديمقراطية الذي يجعل الشعب مصدر كل سلطة) خلال فترة زمنية لا تزيد على ستة أشهر من تاريخ صدور القانون أي في منتصف 2012 ، وتحدد هذه الخطة برنامجاً زمنياً ضمن فترة أقصاها خمس سنوات يجوز تمديدها لمرة واحدة لاستكمال نقل الاختصاصات المنصوص عليها في القانون من الأجهزة المركزية إلى المجالس المحلية، ويتابع القول: نحن اليوم وبعد قرابة 13 عاماً من تاريخ صدور القانون لا تزال الخطة الوطنية اللامركزية حبراً على ورق ويمكننا القياس على ذلك في كثير من المواد منها المادة (154) التي تنص على إحداث مصرف إقراض للوحدات الإدارية.

مقترحات للحد من الفساد
للنهوض بالواقع الخدمي أكد الدكتور حسن تفعيل القانون بكامل مواده، أما بالنسبة للحد من الفساد وخاصة المالي في الوحدات الإدارية للارتقاء بعملها فيمكن تقديم عدد من المقترحات لتعديل القانون، أهمها إصلاح الجهاز القضائي الذي يفضي إلى مكافحة الفساد في كل القطاعات وليس فقط في الإدارة المحلية، وتالياً فصل مديريات الرقابة الداخلية فصلاً تاماً عن الجهات التي تخضع لرقابتها وتعيين مراقبيها من الحقوقيين والاقتصاديين حصراً، إضافة لبعض الفنيين في المؤسسات التي تقتضي ذلك (كالمهندسين مثلاً)، ورفع تعويضات رؤساء مجالس الوحدات الإدارية بشكل يتناسب مع حجم الأعباء الملقاة على عاتقهم وتعديل موازناتها بما يتناسب والواقع الحالي، إذ لا يزال بند الضيافة في البلديات 20000 ل.س على مدار العام، كما أنه لا بدّ من إعطاء ميزة تفضيلية في القانون في حال تعديله للبلدات والبلديات مالياً وفنياً عن مجالس المدن ومدن مراكز المحافظات بدلاً من التعاطي مع الريف والمدينة على قدم المساواة لأن الريف بحاجة لتنظيم عمراني وفني واقتصادي مختلف كلياً عن المدن ومدن مراكز المحافظات وبحاجة لدعم أكبر بحكم قلة الإيرادات في الأرياف عنها في المدن.
واقترح أيضاً رفد الوحدات الإدارية بالكوادر اللازمة لها لأداء عملها خارج موضوع ملاكها بفرز مهندسين إلى كل الوحدات الإدارية وخاصة البلدات والبلديات والإعلان عن مسابقة خاصة بالإدارة المحلية لتعيين حقوقيين ومراقبين فنيين في كل البلدات والبلديات، إضافة إلى تأهيل رؤساء الوحدات الإدارية بإخضاعهم لدورات مكثفة في الشهر الأول الذي يلي تسميتهم بعد نجاحهم في الانتخابات فنياً وقانونياً وعدم مباشرتهم مهامهم إلّا بعد انتهاء هذه الدورات.

أسعد: نص المادة 119 غير مطبق حتى على صعيد مجالس المحافظات

وختم الدكتور حسن حديثه قائلاً: يمكننا القول إن القانون 107 لم يفلح بعد 13 عاماً من صدوره في تحقيق أهدافه المتمثلة في إيجاد وحدات إدارية قادرة على عمليات التخطيط والتنفيذ ووضع الخطط التنموية الخاصة بالمجتمع المحلي وتنفيذ المشروعات الخاصة بها بكفاءة وفاعلية للنهوض بالمجتمع في إطاره المحلي والمساعدة على النمو المتوازن وتكافؤ الفرص بين المناطق بسبب عدم وضع أحكامه موضع التطبيق الفعلي.
تظلم على عمل المجالس
مدير المجالس المحلية في محافظة حماة زهير الخالد عدّ أنه إذا كان هناك فساد في الوحدات الإدارية ومجالسها فهي حالات فردية وتتم متابعتها من أجهزة المحافظة من خلال معالجة أي شكوى ترد إليها وتحول إلى مديرية الرقابة الداخلية في حال كانت مرفقة بالوثائق.
وأشار الخالد إلى أن قانون الإدارة المحلية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 107 لعام 2011 يتضمن ضوابط للحد من الفساد، حيث أخضع المجالس المحلية للرقابة الرسمية والشعبية بحيث تكون المكاتب التنفيذية مسؤولة أمام المجالس المحلية التي تتبع لها مباشرة ولهذه المجالس الحق بمحاسبتها، وأضاف الخالد: إن هذه المجالس يمكن حلها بمرسوم باقتراح من المحافظ والوزير في حال ثبوت عدم أدائها للخدمات المطلوبة منها بالشكل الأمثل، كما يحق للنقابات والمنظمات الشعبية وهيئات المجتمع المدني مراقبة ونقد المجالس المحلية ومكاتبها وأجهزتها، وتمارس هذا الحق بتوجيه مذكرات إلى المجالس ومكاتبها، ويحق لكل مواطن تقديم شكوى أو تظلم على عمل هذه المجالس، لافتاً إلى أن جميع الوحدات الإدارية ومجالسها تخضع للرقابة المالية الدورية من الجهاز المركزي للرقابة المالية.

وطرح مدير المجالس المحلية بعض المقترحات حول قانون الإدارة المحلية والقرارات الوزارية، منها اقتراح للموافقة على اعتبار المديريات والمؤسسات والشركات التالية من الأجهزة المحلية وهي: الشركة العامة للكهرباء – مديرية الموارد المائية – الاتصالات والتقانة- فروع المؤسسة العامة للإسكان والتعاون السكني – المالية، واقترح أيضاً تعديل تعويضات أعضاء المجالس المحلية عن حضور الجلسات ورفع تعويض الجلسة إلى 10000 بدلاً من 2000 ليرة لكل أعضاء المجالس، إضافة إلى رفع سقف التصديق على عقود الإنفاق للمحافظين من 50 إلى 100 مليون ليرة.
وأخيراً لا بدّ من القول إنه يجب إعطاء هذه المجالس مساحة أوسع من السلطات من دون الرجوع إلى السلطة المركزية، لتتمكن هذه المجالس من إدارة التنمية والموارد بشكل أفضل ضمن الوحدات الإدارية والحد من الروتين، ما يخفف العجز الملقى على كاهل المواطن. . ولما كانت هذه المجالس الغاية منها معالجة قضايا المواطن، كان لا بدّ عليها أن تنتخب عدداً من الاختصاصيين “تكنوقراط” وتضم الخبرات والكفاءات في جميع المجالات.

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. لا تخلو من الفساد.. ومهمة الكشف عنه مسؤولية الجهات الرقابية والتفتيشية.. مجالس الإدارة المحلية تنأى بنفسها عن المجتمع المحلي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
مؤتمر جمعية عمومية القدم لم يأتِ بجديد بغياب مندوبي الأندية... والتصويت على لا شيء! الرئيس الأسد يؤكد خلال لقائه خاجي عمق العلاقات بين سورية وإيران وزير الداخلية أمام مؤتمر بغداد الدولي لمكافحة المخدرات: سورية تضطلع بدور فعال في مكافحة المخدرات ومنفتحة للتعاون مع الجميع الرئيس الأسد يؤكد لوفد اتحاد المهندسين العرب على الدور الاجتماعي والتنموي للمنظمات والاتحادات العربية عقب لقائه الوزير المقداد.. أصغير خاجي: طهران تدعم مسار الحوار السياسي بين سورية وتركيا العلاقات السورية- الروسية تزدهر في عامها الـ٨٠ رئاسيات أميركا ومعيارا الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي.. ترامب أكثر اطمئناناً بانتظار البديل الديمقراطي «الضعيف».. وهاريس الأوفر حظاً لكن المفاجآت تبقى قائمة دور المرأة المقاومة في تعزيز الانتماء وتحصين الهوية الإنهاك الحراري.. خطوات سريعة لتبريد الجسم ونصائح للوقاية في حرارة الصيف المرتفعة في قراءة للمرسوم التشريعي لذوي الإعاقة.. المحامي الداية: المرسوم مهم جداً بدليل إحاطته بأدق التفاصيل اليومية لهذه الشريحة.. وسيحقق الأهداف المرجوة شريطة تطبيق العقوبات للمخالفين