«انفخْ عليها تنجلِ»..!؟

عندما كنا نلعن «الكورونا» ومَن (اخترعها) ومَن (فلت فيروسها) في الأرض، يعيث قتلاً ومرضاً وعاهات ، لم يكن ذلك نابعاً من الخوف من الموت ، هذا الذي اعتدناه وتعايشنا معه منذ أكثر من عشرة أعوام ، عندما هجم علينا تيوس الأرض ووحوشها، بل، لأن ظهور هذا الفايروس تزامن مع إلغاء الصحافة الورقيّة – أو إن قرار إيقاف الورقية كان بسبب «كورونا» .
اليوم، أنا شخصياً لست مع إعادة الصحافة الورقية ، وأكثر من ذلك، عاتبت نفسي كثيراً، وحصرتها (أي نفسي) في زاوية ضيقة جداً تساوي تماماً الزاوية التي نظرت فيها إلى إيقاف الورقية ، رغم أني نادراً ما أندم على قرار أو موقف اتخذته، فقد ندمت على موقفي من «كورونا» لناحية تسببها في إيقاف طباعة الصحف .
تراجعي هذا حدث بعد أن علمت ، وقرأت أن إحدى الدول الصديقة أعلنت عن عقوبات قاسية جداً والسجن سنوات طويلة لمن يتعامل مع الصحف المطبوعة بشكل مسيء ، كأن يقوم المراهقون باستخدام أوراق الصحف في ( لف ) الدخان بسبب الخوف من الأهل، وعدم توفر أوراق اللف الخاصة بالدخان، وفي الحالتين يشجعون على التدخين .
تذكرت حينها كيف كانت زوجاتنا يقمن بتلميع الزجاج والأواني الزجاجية بورق الجرائد ، وكيف كنّ يستخدمن صفحات الجرائد بدل أطباق الطعام ، وكيف أن (الزفر) كان (يطرش) على الصفحات بكاملها ، ثم تلم مع بقية فضلات الطعام وترمى في سلة القمامة ، أحياناً كان أولادي وكثير من القراء يقرؤون زاويتي ومقالات الزملاء، وهم يتناولون الطعام .
في مرات كثيرة، كنت أقرأ عناوين تحقيقاتي على صفحات تجلّل النوافذ في منزلنا، وأنا أرتدي ثيابي بسبب عدم وجود «برادي» في منزلنا، وقد تحول لونها إلى صفراء بشعة بعد تعرضها لعوامل الطبيعة .. قد توحي للبعض أن موضوعاتها وموادها أيضاً صفراء ، وهذا كان يطرب المختلسين والسراقين ومخالفي القوانين لأغراض صغيرة تناسب أهواءهم .
في الحقيقة، إن شبان الدولة الصديقة أكثر رأفة بورق الصحف من نسائنا اللواتي كن يفاخرن بسرعة قصّ الكلمات المتقاطعة والأبراج من الصفحات المخصصة للطعام من دون الاكتراث بالزوايا والمقالات والتحقيقات لنا ولأسماء مازالت بالنسبة لنا قامات فارعة تعلمنا منها الكثير . أبناء الدولة الصديقة أكثر احترافيةً منا في التدخين، فهم اعتمدوا على أوراق فيها صور لجميلات وحكماء، بينما نحن تعلمنا التدخين من (عرانيس) الذرة الصفراء أثناء سقايتها أو سقاية محاصيل تزرع معها مثل الفول السوداني أو الباذنجان والخيار ومختلف الخضراوات .. كنا نلفها بأوراق أكياس الإسمنت أو الدفاتر والكتب المهترئة المرمية في البرية منذ زمن، وفي بعض الأحيان نلفها بأوراق «العرانيس» نفسها.. نسعل حتى نكاد نختنق، لكن متعة النفخ كانت تؤكد لنا أن همومنا ستنجلي، ومازلنا على هذه ( الأمليّة ) حتى الآن ، وسوف تنجلي ..؟!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار