الاختصاصات المهنية تستيقظ في عقول الطلاب والأسر السورية.. الظروف الاقتصادية ولّدت قناعات جديدة و”الحاجة أم الاختراع”..
تشرين- دينا عبد:
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة اختار بعض الطلبة ممن حصلوا على شهادة الدراسة الثانوية اختصار فترة التعليم من خلال دراسة الاختصاص الأسهل والأقل سنوات وبالوقت نفسه يمكّنهم من الدخول إلى سوق العمل مبكراً لمساعدة أهاليهم وتأمين مصروفهم من جهة، وتالياً لضمان مستقبلهم بمهنة أكاديمية من جهة ثانية.
وعبّرت صفاء وهي والدة طالب حصل على شهادة الدراسة الثانوية عن ارتياحها لقبول ابنها الدراسة في معهد الإلكترون لتعليم صيانة أجهزة التبريد والتكييف والأجهزة الكهربائية، رغم أنّه حصل على مجموع يمكنه من الالتحاق بكلية الهندسة؛ لكنها وجدت أنه بحاجة إلى مصاريف دراسية عالية إلى جانب محاضرات وملخصات وأجرة مواصلات، وهي عاجزة عن سدادها إلى جانب حاجات المنزل التي لا تنتهي.
ومن وجهة نظر أبو ياسر أنه يمكن للطالب الذي يلتحق بالتعليم الفني أن يحصل على راتب أسبوعي يضاهي ما يحصل عليه الموظف في الشهر الواحد، فهناك طلب يتزايد على الفنيين الذين يعدون عملة نادرة، خاصة من يحصل منهم على تدريب ويتمتع بمهارة جيدة؛ فبإمكانه أن يعمل في أي ورشة فنية إلى جانب دراسته ويحصل على دخل أسبوعي أو شهري كما يرغب.
ونجحت أميمة وهي والدة طالبة حصلت على الشهادة الثانوية بمعدل مرتفع في إقناع ابنتها بأن تلتحق بمدرسة التمريض التي يصل مجموع القبول فيها كل عام إلى مستوى مرتفع من الدرجات، وتؤمن بأن الحصول على عائد مادي يساعد على تحمل صعوبات الحياة هدف رئيسي يدفع نحو تغيير المعتقدات المرتبطة بكليات معينة والتعليم الجامعي.
دراسة الاختصاص الأسهل والأقل سنوات..للدخول بسوق العمل وتحصيل مردود مادي سريع
وترى أن مهنة الممرضة تتماشى مع ابنتها كفتاة، وتواكب رغبتها في العمل في المجال الطبي، وإن كان ذلك غير كافٍ لتحقيق طموحها، إلّا أن الحاجة إلى المال باتت طاغية على الكثير من الأهداف والاحتياجات الأخرى التي يمكن الاستغناء عنها.
إعادة النظر
وتشير المرشدة الاجتماعية صبا حميشة ثمة أسر أعادت النظر في أفكارها السابقة بعد أن نظرت إلى خريجي التعليم المهني على أنهم اشخاص درجة ثانية، مقارنة بأقرانهم ممن حصلوا على شهادات جامعية؛ وتصف التعليم الفني بأنه طريق مختصر للحصول على فرصة عمل.
بينما يؤكد أبو محمود صاحب ورشة لإصلاح المكيفات والبرادات أن المال هو الضمانة الوحيدة لتوفير حياة كريمة للمواطنين.
لذلك نجد أن ذلك انعكس على اختيارات أرباب الأسر لدراسة أبنائهم، والبعض من الآباء حالياً لا يفكر بالشهادة الجامعية.
الأهالي حائرون .. هل المال هو الضمانة الوحيدة لتوفير حياة كريمة لأبنائهم
وهذا أمر يمكن أن يوفره العامل الفني(خريج المعهد الفني أو التقني) الذي يحصل على عوائد شهرية أعلى من الموظف في قطاع آخر في حال أسس مشروعه الخاص.
خبرة أثناء الدراسة
المدرسة في معهد الاقتصاد المنزلي رنا كفا بيّنت أن طلاب الثانويات المهنية والفنية يكتسبون تطبيق العملي والعلمي ويستغلون أوقات فراغهم بممارسة المهنة التي يدرسونها، ويستطيعون تأمين شيء بسيط من مصروفهم خلال دراستهم وبمجالهم نفسه، وبالتالي يدخلون سوق العمل وقد قطعوا أشواطاً كبيرة في التطبيقات العملية وتقنياتها؛ فالمجتمع بحاجة لجميع الفئات والاختصاصات بالتعليم والمهن جميعها كانت ومازالت أساسية، ونحن بحاجة لها فمثلاً طلاب المهني( قسم المعلوماتية) يدخلون الجامعة ولديهم معلومات مسبقة وخبرات قوية عن هذا الاختصاص، لأنهم درسوا المرحلة الثانوية في مدارس المعلوماتية وكذلك الأمر ينطبق على طلاب الصناعة من طاقة وكهرباء وميكانيك وأنظمة تحكم والكترون وفروع عدة، أما الفنون فهي رغبة وحرفة ومهنة قوية بأيدي الفتيات الشابات تستطيع تلبية حاجاتها من ملابس أو مشاريع صغيرة فور تخرجهم إن كان في مجال الخياطة وتصميم أزياء أو كروشيه أو تطريز وغير ذلك.
دراسة واقع الاختصاص
مدير معهد الاقتصاد المنزلي المهندسة فاطمة جمعة بيّنت أنّ هناك تصوراً سائداً لدى الأغلبية أن الطالب إذا لم يحقق علامات القبول العام فهو شخص فاشل ؛ فدائماً ارتبط التعليم المهني بالطالب الذي يحصل على العلامات القليلة؛ إلّا أنه خلال الأعوام الماضية كان هناك توجه من وزارة التربية نحو تشجيع وتحفيز التعليم المهني وقبول جميع الطلاب المتقدمين؛ فالتوجه نحو التعليم المهني لا يعني التقليل من أهمية أي اختصاص؛ ولكن المطلوب دراسة واقع الاختصاصات المرغوبة في سوق العمل هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى نحن بلد نهض من تحت الركام ويحتاج الكثير من اليد العاملة المدربة التي تمتلك الحرفية في العمل لرفد السوق ؛ وبالنسبة لسنوات الدراسة فمن يمتلك الطموح يمكنه المتابعة في الجامعة في حال كان من الأوائل؛ وأشارت المهندسة جمعة إلى أننا بحاجة إلى ندوات توعية مع الشباب لشرح مجالات العمل وغرس روح الرغبة وإتقان مهارة معينة يرغب بها ويحبها.
ونوهت بأنه يجب الإكثار من الندوات التفاعلية التي تعرّف بالاختصاصات الموجودة وإعادتها على مدار الساعة عبر قنوات التلفاز، لأنها لربما تكون غير متاحة بسبب انقطاع الكهرباء؛ ومن الأفضل- بحسب جمعة- أن تكون هناك خطة واضحة لدراسة الفرع تبدأ من المرحلة الثانوية حتى تخرجه في المعهد؛ ويجب وضع شروط تتناسب مع وضع الطالب أو الطالبة والمقصود ألّا تكون العلامات هي الشرط الأساس، ويجب الأخذ بالحسبان الناحية الصحية للطالب مثلاً: إذا كان هناك ضعف بصر يعانيه الطالب من المستحيل أن يتعلم الخياطة؛ وتمنت م.جمعة أن يتم تعريف الطلاب بالتعليم المهني من مراحل التعليم الابتدائي ولكن للأسف مازلنا نرى المناهج تتطور باستمرار من دون الاهتمام أو لحظ موضوع التعليم المهني.