ثنائياتٌ غنائيّة من الزمن الجميل للفرقة الوطنيّة السوريّة للموسيقا العربيّة

تشرين- إدريس مراد:

تعدّ التشكيلات الآلية في الموسيقا العربية قليلة جداً، وإن وجدت فهي لخدمة الموسيقا الغنائية فقط، إذ اقتصر وجودها على مرافقة المغني أو المطرب.. ومن أشهر تلك التشكيلات الآلية (الموسيقا الصرف) التخت الشرقي الذي ظهر في فترة العشرينيات من القرن العشرين، ويمكن القول إنّ هذه التشكيلة الموسيقية شكلت النواة التي أسست عليها الفرق العربية فيما بعد، والتي نراها ونسمعها ترافق المغنين والمغنيات.

موسيقا آلية أولاً

الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية دائمة البحث عن قطع آلية عربية لتزجها في برامجها، حتى لو كان البرنامج يعج بالأصوات الغنائية، وهذا ما فعلته الفرقة في حفلها الأخير بقيادة المايسترو عدنان فتح الله في دار الأوبرا تحت عنوان (ثنائيات غنائية)، إذ بدأت أمسيتها بسماعي آفاق للمؤلف عدنان إيلوش، من توزيع الموسيقي مهدي المهدي، كما تضمنت الأمسية مقطوعة عزيزة للموسيقار محمد عبد الوهاب، هذه المقطوعة التي أهداها عبد الوهاب للسيناريست والمخرج حسين فوزي لترقص عليها الفنانة نعيمة عاكف في الفيلم الذي حمل اسم (الموسيقا عام 1954)، ومنذ ذلك الحين تدور هذه الموسيقا مسارح العالم، لتقدمها كل فرقة حسب رؤيتها في التوزيع الموسيقي.. عموماً اهتمام الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية بقطع كهذه هو حالة جادة لإعادة النظر فيها بفكر أكاديمي معاصر، وطرح علاقة جديدة بين الكتلة الموسيقية الضخمة التي تتألف منها الفرقة، وتعمل من هذه الناحية على تغيير وظيفة الفرق العربية عموماً من خلال إخراجها من خلف المغني، كما تخرجها من الأطر التي اعتاد المستمع العربي والشرقي أن يسمعه من خلالها، وتالياً تقدم نفسها كفرقة قادرة على جذب المتلقي من خلال الموسيقا الصرف، وتقدم نفسها كفرقة لها خصوصية تقنية ولونية، وتقدم أخيراً للمستمع موسيقا تحمل كل صفات الموسيقا العربية الشرقية، وبعزف آلي يحترم عقله وروحه.

أفكار جديدة

وكعادته، يبحث فتح الله كقائد أساسي للفرقة عن أفكار جديدة، لينسج برنامجاً لا يشبه سابقه، ففي هذه الأمسية استعان من المشهد الغنائي العربي بأجمل ما تم أداؤه ثنائياً ، ورغم أن الفكرة بسيطة، وهذا النمط الغنائي موجود في الساحة الفنية العربية، لكن لم يلاحظه أحد، إذ دائماً الأفكار موجودة حولنا، والمبدع هو من يتلقفها، والمبدع هو من يلاحظ الأشياء التي لا يراها أحد سواه، وهنا سجلت الفرقة في مسيرتها جديدين، الأول هو إعادة هذا النمط الغنائي إلى الأذهان بعد أن كان منسياً تماماً، والثاني هو إتاحة فرصة لأكبر عدد من الأصوات الغنائية السورية الشابة من خريجي وطلاب المعهد العالي للموسيقا للمثول أمام حضور كبير وتقديم إمكاناتهم الصوتية خلال ألحان صعبة لكبار الملحنين العرب أمثال: وديع الصافي، محمد عبد الوهاب، الرحابنة، ملحم بركات، كاظم الساهر وغيرهم، ورغم الأداء المتفاوت، لكن نجح أغلبهم في الأداء ولاسيما بمرافقة أوركسترا كبيرة، وهذا في حد ذاته نجاح، لكون الغناء مع مجموعة موسيقية ضخمة هو ثقافة لها أسلوبها وخصوصيتها، وأجادت الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية في هذه الأمسية في تقديم محتوى فني مطور للمتلقي بمراعاة إحداث توازن بين الغناء والآلات الموسيقية كي لا تظل الحالة الإبداعية مرهونة بالأغنية فقط، وحرصت الفرقة على أن يلعب التوزيع الموسيقي دوراً بارزاً في إضفاء بعد جديد إلى المقطوعات المقدمة من دون المساس بهويتها الأساسية، وذلك في محاولة لتوسيع اهتمام المستمع وتعميق مستوى استماعه.

ثنائيّات ناجحة

الجدير ذكره أنه جسد الأدوار الثنائية في موشحات أندلسية لوديع الصافي وفيروز، مايا زين الدين ورماح شلغين، وأغنية (حاجة غريبة) لعبد الحليم وشادية، عبد الملك إسماعيل وديانا سعيد، أما أغاني فيروز ونصري شمس الدين، فأداها كل من سناء بركات وقتيبة عليوي، وأغنية (يا دي النعيم) محمد عبد الوهاب وليلى مراد أداها بلال الجندي وسيلفي سليمان، ورائعة فريد الأطرش وشادية (يا سلام على حبي وحبك) كانت من نصيب سيلفانا دياب وفادي زرقا، و(المحكمة) لكاظم الساهر وأسماء لمنوّر قدمها كل من مجدي أبو عصفور وهبة فاهمة، والختام كان مع أغنية (بلغي كل مواعيدي) التي عرفناها بصوت ملحم بركات وجورجيت صايغ أبدع فيها كل من المغنية سناء بركات إلى جانب روجيه لحام.

وبتقديم الفرقة الوطنية هذا الكم الهائل من الأصوات السورية الأكاديمية الشابة أعطتنا أملاً بأن مستقبل الغناء السوري بخير، لكن مرهون بالدعم وإيجاد فرص مناسبة لتستطيع هذه الأصوات إعادة الهوية الغنائية السورية في ظل هذا الضجيج والهابط الذي نسمعه من هنا وهناك.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار