حسمٌ في مواجهة المُخاتَلة
«نحنُ نريدُ أن نصلَ لهدفٍ واضحٍ، هو الانسحابُ من الأراضي السوريّة، بينما هدفُ أردوغان هو شرعنةُ وجود الاحتلال التركيّ في سورية، فلذلك؛ لا يمكنُ أن يتمّ اللقاءُ تحت شروط أردوغان».. بهذه العبارة الحاسمة ختمَ الرئيسُ الأسدُ إجابته عن سؤال «سكاي نيوز عربية» بشأن اللقاء مع أردوغان.
بالفعل؛ إثباتُ المسلّمات من أصعب المهامّ التي تُصادفنا، نحنُ بني البشر، وعلى الأغلب، تكونُ السياسةُ هي مسرحُ مثل هذا التحدّي الحقيقي، لأنَّها لعبةُ المصالح وتلوين الحقائق وتجييرها.
وكم نجدُ أنفسنا، نحنُ السوريينَ، اليومَ أمام «خَلطة» مهمّات مُضنية، ونحن ننافحُ، ونكافحُ لإثبات حقائق؛ هي من مسلّمات العلاقات الدوليّة ومفاهيم السيادة الوطنيّة وحقوق الشعوب والدول؛ إذ يكون الصمتُ خسارةً والكلام نافلاً، لكنْ، لابدّ منه.
في المواجهة مع التركيّ، بمنظومته المشوَّهة التي صاغها «أردوغان» بنزعةٍ أقرب إلى غريزة المُنحرِف منها إلى حكمة رجل الدولة، نبدو أمام حالة زلقةٍ رخوة أو رجراجة، أخطرُ ما فيها أنّها قوامٌ يشكّل قوامَ رئيس دولةٍ لا مجرّد رجل اسمه «أردوغان»، تثير هلوساتُه المتبدّلة زوابعَ سياسيّة تُشغل العالم، أو على الأقل الإقليم، وتُدخلنا في سجالاتٍ طويلة في المحافل الدولية، وعلى منصّات السياسة على نحوٍ عام، لأنها تخصّ أهمّ ما تستبسلُ الدولُ والشعوبُ في الدفاع عنه؛ وهو السيادةُ.
نحنُ أمامَ أغرب حالةٍ يمكن أن تعتري دولةً وشعباً.. المحتل يشترطُ، ويستهجنُ ألا تجابَ شروطُه، وهذا ما لا يفعله إلا المصابون بلوثة «الصفاقة» على مستوى الأفراد، وطبعاً؛ الولاياتُ المتحدة الأميركيّةُ على مستوى الدول.. وفي حالتنا مع تركيا، نجدُ أنفسنا أمامَ «صَفيقٍ» كاد يعتمرُ قبعةَ رُعاة البقر.. الحالةُ هجينةٌ ومركّبةٌ تشبه القوامَ النفسي لرجل الـ«ناتو» القابع هناك خلف حدودنا، وينتحلُ صفةَ التوّاق للحوار، بل ويطمحُ للقاء رئيسٍ كالرئيس بشار الأسد، يجيدُ قراءةَ ما بين السطور بحذاقةٍ، ولا مكانَ لمفردة «تنازُلٍ» ولا لمرادفاتها في قاموسه.
طموحُ «أردوغان» لقاءُ سيادة الرئيس الأسد من دون شروط؛ وهذا بالفعلِ أغربُ طرحٍ يمكن أن يتعرّض له أيُّ رجل سياسةٍ حقيقيٍّ.. وكانت إجابة الرئيس الأسد واضحةً وحاسمةً: «كلمةُ من دون شروطٍ مسبقة للقاء، يعني من دون جدول أعمالٍ، من دون جدول أعمالٍ، يعني من دون تحضيرٍ، من دون تحضيرٍ، يعني من دون نتائج، فلماذا نلتقي أنا وأردوغان.. لكي نشرب المرطبات مثلاً»..؟!
لا نريد أن نكونَ سوداويين في نظرتنا إلى المستقبل.. لكنَّ الموضوعيّة تقتضي القبولَ بقناعة أنّ التركيّ غير ساعٍ للحلّ في سورية، بل هو مصرّ على أن يكون نظيراً للأميركيِّ في «المحاصصة» الإقليمية، ليس في سورية فحسب، وإن لم يجدْ ما يكسرُ نزعةَ السطوة لديه، فسيستمرُّ في المراوغة.
كسرُ النزعة الغريزيّة الطورانية، يتمُّ بأحد خيارين: خارجَ حدود تركيا؛ والمقاومةُ الشعبية خيارٌ مخيفٌ للتركيِّ والأميركيِّ معاً.
أمّا في الداخل التركيّ، فثمةَ ظروفٌ مُهيِّئة أكثر لزعزعة كيان «أردوغان»؛ فقد ضمن تجديد انتخابه بحيَلٍ خبيثةٍ، انطلت على ناخبيه المتمركزين في الأرياف البسيطة؛ لكنّ النخبَ الاقتصاديّة لها برامجها، وردود أفعالها الهادئة والعميقة والمؤثرة في خسارتهم الانتخابات.. ونعلمُ جميعاً أن رسائلَ التدهور الاقتصاديّ التي تمّ إرسالها لـ«أردوغان» من اليوم الأول لفوزه في الانتخابات، كانت بليغةً، وجاءت على شكل هبوطٍ حاد لليرة التركيّة، مازال يتواصل حتى الآن.
أغلبُ الظنِّ، لن يتمكن «أردوغان» من إتمام فترته الرئاسية «5 سنوات»؛ لأنّ تحدّيات الداخل ماثلةٌ أمامَه؛ فاقتصادُه يتعثّر بفعل فاعلٍ وسياسته أيضاً.