فنونُ السبِّ والشتيمة..!!

حمدان تعب من نقّ زوجته وشغب الأولاد وقرر أن يهجّ هجّة لا تتجاوز الساعات؛ لأنه ليس بمقدوره حجز غرفة سياحية، ولا التطفل على بيوت إخوته أو الأصدقاء فالحال من بعضه، والكل تعبان وهمومه«بالناقص» منها مد سفرة لضيف إضافي ولا حتى مجاملته بـ«كاسة» متة أو صحن فواكه، ولا حتى صحن «مقالي».
المهمّ.. تجوّل حمدان في شارع الضيعة، وعند أول «جَمعَة» رجال قاعدين أمام الدار ألقى التحية وزج نفسه بينهم، يناظر المغلوب بلعبة الطاولة، وكله حسرةٌ على هزائم جاره« أبو طلال» الإضافية وتدهور المعنويات من زهر قرر تكريس فعل النحس خارج أوقات الدوام البيتي بين الأولاد، بينما كان الحديث القائم بين الرجال عن تخطي سعر «بيدونة» الزيت المليون ليرة، وكيف أن الحرائق وصلت لكروم الزيتون في الضيعة، وتفاوت الأحزان فيما بينهم كل واحد على قد أرضه ومنتجه، فمنهم من خسر أرباحا كثيرة ممكنة من بيع الفائض، ومنهم من نكس رأسه وجعاً، فمحصوله «يا دوب» كان يعطيه «مونة» البيت من الزيت.
وفي خضم الأوجاع والزهر المنحوس للجار«أبو طلال»، مر بهم أحد الشباب، وجلس بينهم، ينظّر في كيفية التعاطي مع الأزمات، وإدراج حلول من قبيل ممارسة اليوغا والتأمل، أو المشي السريع، وأغلب الحاضرين يعانون نقص حديد وآلاماً في المفاصل ودواراً دهليزياً عمره أعوام.
ولفت نظرهم إلى دراسة جديدة لمركز أبحاثٍ تقول: إن السبّ والشتيمة يمكن أن يخلصا الجسم من سموم التعب النفسي والإجهاد..!!
وهذه الدراسة لاقت القبول عند حمدان، وقرّب كرسيه ليجاور المتحدث الشاب، ويعرف تفاصيل الدراسة وكيفية التعاطي معها، وسد أذنه عن فقرة المحاسبة الإلكترونية والجرائم المحدثة في عالم افتراضي، لا يملك فيه لا جداراً أزرق، ولا حتى موبايله يسمح بتنزيل تطبيقات كهذه.
وشمّر حمدان عن زنوده، وهمَّ بالرحيل مكتفياً برفع اليد من دون إلقاء السلام، فحمدان المتعب قرر التنفيس عن غضبه، وفضفضة أحزانه بالسبّ والشتيمة، ولا يوجد عنده إلا البيت مضمار حربٍ يمكن أن يصبّ فيه ما شاء من لعنات، وبمجرد دخوله الدار كان البيت عامراً، وخالته زوجة أبيه تتربع صدر الصالون بين زوجته وأخته الصماء.. وخياراته مفتوحة الاحتمالات أمام غبنه واستيائه من حياة شبوبية قضاها تحت رحمة زوجة أبيه، وما بين أسطورة الكُهن والنكد المتمثلة بزوجته أمّ العيال، إلا أنه قرر الخيار الثالث، وصبّ جام غضبه وشتائمه على أخته الصماء التي لم تسمع كلمة واحدة مما قال، لكنها كانت شاهدة على تحسن أسارير وخطوط الابتسام والرضا على وجه زوجة الأب وزوجة أخٍ.. أخٍ «غب» على قلبه، وارتفع معه الضغط لجهله بتطبيق الدراسات البحثيّة وتجارب الشباب.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار