حماية الأصول الوراثية النباتية طوق نجاة لمواجهة تدهور مواصفات بعض الأصناف والتغيرات المناخية

تشرين- رشا عيسى:

تبدو المحاولات متعددة سواء بحثية أم غيرها لاحتواء المتغيرات المناخية والاهتمام بالأصول الوراثية النباتية والمحافظة على مصادرها الوراثية لكونها من المسائل الزراعية التي يبنى عليها في رسم الاستراتيجيات الزراعية الخاصة بالأمن الغذائي المستدام لأي بلد، كما يساهم التركيز على السلالات المحلية للحبوب والبقوليات والاستفادة من مخزونها الوراثي في دعم استخدامها في برامج التربية وغيرها.
لكن رغم الجهود البحثية والعلمية لا يزال الإنتاج المحلي ضعيفاً متأثراً بعوامل متعددة ليس أولها مفرزات حرب إرهابية دامت ما يفوق العشر سنوات وليس آخرها التغيرات المناخية، بل أيضاً هناك عوامل أخرى ساهمت بذلك، منها التدهور الحاصل في مواصفات بعض الأصناف المستخدمة كما ينبه الباحثون الزراعيون.

تعزيز القطاع الزراعي
أكدت الهيئة العامة للبحوث الزراعية لـ«تشرين» أن أهم المقترحات لتعزيز القطاع الزراعي لمواجهة التغيرات المناخية تتمحور حول الاهتمام بالأصول الوراثية النباتية ومنها محاصيل الحبوب والبقوليات البرية والعلفية لكونها موارد طبيعية لا تقل أهمية عن أي موارد طبيعية أخرى ولكون سورية الموطن الأصلي لأغلبها، إذ يشكل الغطاء النباتي والتنوع الحيوي أهم مكونات الاستقرار البيئي.

الهيئة العامة للبحوث الزراعية: التركيز على تزويد المزارعين بالسلالات المحلية للحبوب والبقوليات الغذائية والعلفية المتأقلمة مع الظروف البيئية

كما يساهم التركيز على السلالات المحلية للحبوب والبقوليات والاستفادة من مخزونها الوراثي في دعم استخدامها في برامج التربية، إضافة إلى أن إعادة تأهيل المصادر الوراثية النباتية في المناطق المتدهورة بالأنواع النباتية المتأصلة والمتأقلمة مع الظروف البيئية التي بعضها متحمل للجفاف والملوحة والصقيع وبعضها مقاوم للأمراض والآفات، لها الدور الأكبر في مواجهة التغيرات المناخية.
وأوضحت الهيئة أنه لا بدّ من التركيز على تزويد المزارعين بالسلالات المحلية للحبوب والبقوليات الغذائية والعلفية المتأقلمة مع الظروف البيئية للمناطق المستهدفة بالدعم النباتي، والتي تسهم في إعادة تأهيل المناطق المتدهورة والمتضررة من العوامل الطبيعية وتساعد على إعادة انتشار الغطاء النباتي.
الموارد الوراثية النباتية في مواجهة التغير المناخي
تسبب التغيرات المناخية تذبذباً في الهطل المطري وعدم توزعه بشكل منتظم خلال مواسم نمو المحاصيل الزراعية، ما يؤدي إلى تعرضها بشكل أو بآخر إلى الجفاف الذي يؤدي عادة إلى تناقص في كفاءة استخدام الغذاء من قبل النبات، وبالتالي إلى ضعف نموه وانخفاض الغلة وهذا يتباين عادة بين نوع وآخر وبين طراز وراثي وآخر، إذ يؤثر الجفاف بشكل واضح في طبيعة نمو الجذور وحركية المواد في التربة وإمكانية امتصاصها من النبات، وبالتالي يحدث تباين في تراكيز المعادن في الجذور التي لها فضل كبير في عملية الامتصاص نفسها وقد يسبب كل ذلك خروج بعض الزراعات عن حيز الاستثمار.

وأشارت هيئة البحوث إلى أن أفضل طريقة اقتصادية لمواجهة التغيرات المناخية (إجهادات غير إحيائية) وما ينجم عنها من إجهادات إحيائية مترافقة معها، هو استخدام الأصناف المقاومة لهما.
إنّ اختيار الموارد الوراثية النباتية المتأقلمة مع البيئة المحلية لفترات طويلة من الزمن هو الحل الأمثل لتخفيف أثار التغيرات المناخية وخاصة تلك المتميزة بكونها مبكرة بالنضج وذلك بالهروب من الفترة التي تكون فيها الظروف الجوية غير مناسبة. لهذا السبب كان لا بدّ من اللجوء إلى طرق بديلة للمكافحة؛ منها: البحث عن مصادر وراثية مقاومة، لذلك لا بدّ من العودة إلى الأصول الوراثية المعروف بأنها تمتلك مورثات مقاومة للإجهادات الإحيائية وغير الإحيائية.

الهيئة العامة للبحوث الزراعية: أفضل طريقة اقتصادية لمواجهة التغيرات المناخية (إجهادات غير إحيائية) وما ينجم عنها من إجهادات إحيائية مترافقة معها

أيضاً الدورة الزراعية المناسبة 4-5 سنوات من دون زراعة كما أن تحسين خواص التربة بإضافة المواد العضوية مثل قش نباتات القمح والشعير يمكن أن يحسن من الدور التنافري بين كائنات التربة.

ويعد تحمل الجفاف مؤشراً مهماً إلى قدرة النبات على البقاء نسبياً بحالة جيدة ويعطي غلة جيدة تحت ظروف الماء المحدودة وتحمل الجفاف أو مقاومته ميزة معقدة جداً وترتبط بعوامل عديدة ويقوم النبات بالتأقلم معه من خلال ثلاث آليات مختلفة وهي تجنب Avoidance، هروب Escape، مقاومة Resistance , كان لا بدّ من استخدام مدخلات من الموارد الوراثية النباتية انتخبت مسبقاً لتتحمل الجفاف والغلة العالية (رغم صعوبة التحكم بهذا حقلياً) لكن وجود مؤشرات مختلفة مثل النمو المبكر والإزهار والنضج كلها ظواهر تشارك في الهروب وتجنب الجفاف ومقاومته والنتائج عادة تكون موثوقة.
البدائل الزراعية
وبيّنت (هيئة البحوث) في رد على أسئلة « تشرين» حول البدائل الزراعية لحل مشكلة التغيرات المناخية التي أثرت وأخرجت زراعات من حيز الاستثمار الزراعي وأساليب التكيف مع التغيرات المناخية.
وكان في مقدمة هذه البدائل حصاد مياه الأمطار على مستوى الحقل: أولاً- مع تزايد الطلب على المياه للأغراض المختلفة وملاحظة تدهور الغطاء النباتي الطبيعي في البادية وفي العديد من المناطق المطيرة التي تعاني من طبيعة تضاريسية معقدة وتدني معدلات الهطل المطري والذي نتج عنه شح كبير في المياه الجوفية، كان لابد من إيجاد بدائل وطرائق علمية وعملية فاعلة لتأمين كميات إضافية من المياه عن طريق استخدام وتطوير تقنيات تساهم في ذلك منها حصاد ونشر مياه الجريان وصيانة المنشآت القديمة التي لا تزال موجودة .
الاهتمام بمشروعات حصاد المياه على مستوى الحقل عند الفلاح والذي يؤدي إلى زيادة رطوبة التربة والتقليل من الجفاف والري والحد من انجراف التربة وزيادة إنتاجية المحاصيل والأشجار المثمرة.
ثانياً- الأسمدة الحيوية: حيث أجرت هيئة البحوث العديد من الدراسات والأبحاث في مجال الأسمدة الحيوية وهي مخصبات تتضمن كائنات حية دقيقة مثل الأزوتوباكتر وبكتيريا محللة للفوسفات وغيرها. وبينت التجارب زيادة في إنتاجية النبات عند استعمال هذه الأسمدة وكذلك زيادة في العناصر المغذية للنبات في التربة عند استعمالها.
ويمكن استثمار مثل هذه الأسمدة كرديف للأسمدة الكيميائية، حيث إنها تقلل استعمال الأسمدة الكيميائية بنسبة 25%.
ثالثاً، الإدارة المتكاملة للأسمدة:
تم وضع أسس الإدارة المتكاملة للأسمدة من خلال استعمال رديف الأسمدة مثل السماد الحيوي والزيوليت والأسمدة النانوية.
الزيوليت:
أثبتت التجارب التي قامت بها هيئة البحوث على هذه المادة فاعليتها في زيادة الإنتاجية من خلال زيادة الاحتفاظ برطوبة التربة والمغذيات وإمدادها للنبات بشكل فعال، حيث لوحظت زيادة الآزوت المعدني والفوسفور والبوتاسيوم مع إضافة الزيوليت، وكانت هذه الزيادة تدريجية مع زيادة إضافة هذه المادة.
الهيدروجيل:
بيّنت نتائج الدراسة التي قامت بها هيئة البحوث العلمية الزراعية أن إضافة مادة الهيدروجيل إلى التربة ساهمت في احتفاظ التربة بالرطوبة لفترات أطول وبالتالي توفير هذه الرطوبة للنباتات وتخفيف الاستهلاك المائي للنبات، إضافة لفوائدها في زيادة رطوبة التربة أيضاً كما يمكن تخصيبها بالمغذيات اللازمة للنبات.
رابعاً، الزراعة الحافظة التي تعد الطريق إلى إنتاج زراعي مستدام ومتكيف مع التغيرات المناخية. ومن أهم محاسن هذا النظام تقليل متطلبات العمالة وتوفير الوقت، وتقليل الحاجة إلى المكننة الزراعية وتوفير الوقود، والحد من انجراف التربة وزيادة محتوى التربة المائي، وتحسين نفاذية المياه وعمق قطاع التربة وكمية ونشاط الكائنات الحية في التربة وتقليل انضغاط التربة. وتهتم الهيئة حالياً بتطبيق الزراعة الحافظة في عدة مناطق بعد أن تم وضع خرائط ملائمة لنظام الزراعة الحافظة في المحافظات السورية.
خامساً، الطاقة البديلة: عبر إنشاء عدة مخمرات للغاز الحيوي في المحطات البحثية التي تتبع للهيئة وتم اختبارها وإجراء التجارب عليها. وشُكلت لجان من البحوث الزراعية ومركز بحوث الطاقة ووزارة الكهرباء بهدف تخفيض تكلفة إنشاء وحدات الغاز الحيوي (الهواضم المنزلية) والتوصل إلى نموذج منخفض التكلفة يتم اعتماده وبحيث يكون بمتناول الفلاح السوري. ومن فوائد هذه التقنية الحصول على الغاز بشكل طبيعي وأيضاً الحصول على سماد مخمر ذي نوعية جيدة.
سادساً، رفع كفاءة استخدام المياه: حيث يعد بلدنا من البلدان ذات الموارد المائية المحدودة وفي العقد الأخير تم ازدياد الطلب على المياه لكل القطاعات المستهلكة للمياه، حيث إن الزراعة تستهلك حوالي 85 % من إجمالي الموارد المائية المتاحة وبكفاءة ري لا تزيد على 45% وذلك لاستخدام طرق الري السطحية التقليدية. ونتيجة للوضع المائي القائم وللحد من استنزاف الموارد المائية المتاحة ولمواجهة التدهور الكمي والنوعي لها وبصورة خاصة المياه الجوفية تم إجراء العديد من الدراسات والأبحاث في مجال طرق وتقنيات الري على المحاصيل المختلفة حيث وصلت كفاءة استخدام المياه في الري بالتنقيط الى 90%.

سابعاً، التسوية بالليزر كوسيلة من وسائل التكيف مع التغيرات المناخية: وتهدف إلى كفاءة عالية وتجانس مميز في توزيع مياه الري على جميع النباتات في الحقل، حيث تزيد كفاءة استخدام المياه كما تزيد كفاءة استخدام المكننة الزراعية والعمليات الزراعية الأخرى وتوفر في استهلاك المياه ما يقارب 25%.
ثامناً، البستنة: وذلك عبر زراعة أصناف الخضار المتحملة للإجهادات الإحيائية وغير الإحيائية التي لا تتأثر صفاتها وخصائصها النوعية بدرجات الحرارة العالية وتوفر الرطوبة الأرضية، والتبكير بموعد الزراعة وتطعيم الخضار في الزراعات المحمية على أصول متحملة للجفاف والأمراض، واعتماد الزراعة البيئية التي تضم مجموعة من الممارسات الزراعية الجيدة، وتطبيق الإدارة المتكاملة لشجرة التفاح، واعتماد الأصناف التي تظهر تحملاً لبعض الآفات الخطرة مثل مرض الجرب في المنطقتين الوسطى والساحلية، وإدارة شجرة الزيتون والتركيز على (التقليم المتوازن، التسميد الجيد والمتوازن، التطعيم بالأصناف المعتمدة، تطبيق الزراعة العضوية، الري الحديث والري التكميلي، الإدارة المتكاملة للآفات.

الابتعاد عن الزراعة التكثيفية للأشجار المثمرة
لا تنصح هيئة البحوث بالزراعة التكثيفية للأشجار المثمرة بسبب حاجتها إلى مكننة وكمية كبيرة من المياه والأسمدة، بل تنصح باختيار أصناف وأصول اللوزيات الموثوقة والجيدة بما يلائم منطقة الزراعة من ظروف بيئية وتربة واستثمار الأصول البرية لبعض أنواع اللوزيات لكونها متأقلمة مع البيئة المحلية ومتحملة للإجهادات الإحيائية وغير الإحيائية، واستخدام نظم زراعية ترتكز على نموذج (شجرة +محصول بقولي أو خضري) للحد من منافسة الأعشاب الضارة واستهلاكها للماء وإغناء التربة بعنصر الآزوت، وترشيد استهلاك الأسمدة والاستفادة من إنتاجيتها أو قلبها في التربة.
ظاهرة الدفيئة العالمية تهدد إنتاج القطن
وبالنسبة لمحصول القطن وأثر التغيرات المناخية في زراعته وطرق التخفيف منها، أوضحت هيئة البحوث أن التقلبات المتزايدة في المناخ العالمي أدت الى حدوث ظاهرة الدفيئة العالمية التي تهدد إنتاج القطن على مستوى العالم، ومن المتوقع أن يتم ارتفاع الحرارة تدريجياً (2.5–4.3°) بحلول 2080، كذلك الأمر في سورية حيث أدت الحرارة المرتفعة والمترافقة مع شح مصادر المياه إلى خروج مساحات كبيرة من الزراعة لاسيما أن معظم مناطق زراعة القطن تقع في الشمال والشمال الشرقي حيث تتراوح درجة الحرارة بين 40- 55 درجة خلال موسم النمو.

برامج التخفيف من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية على زراعة القطن
وللحد من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية على زراعة وإنتاج القطن تم وضع البرامج التالية:
1- تربية أصناف متحملة للإجهاد الحراري والمائي: تتصف بثباتية الإنتاج تحت ظروف الإجهاد والكفاءة العالية لاستخدام المياه، فقد تم التوصل لسبع سلالات متفوقة على الأصناف المحلية من خلال التهجين مع الأصناف الأجنبية خاصة الأصناف الباكستانية، وحققت ثلاث من هذه السلالات نسبة سقوط للأعضاء الثمرية (الأزهار والجوز) أقل من 30% في ظروف دير الزور.
2- تربية أصناف مبكرة: تأتي أهميتها من خلال الهروب من الموجات الحرارية التي يتعرض لها النبات في فترة الإزهار والعقد إضافة لتوفير المياه من خلال تقليل عدد الريات، فقد تم التوصل إلى خمس عشرة سلالة مبكرة بالنضج ذات عمر قصير يتراوح من 100-120 يوماً ووصل معدل التبكير فيها بعد 120 يوماً من الزراعة 85- 94% وكان أفضلها ( السلالات 5 و10 و30 و 34).
3- رفع كفاءة استخدام المياه :
– فعند تطبيق تقنية الري الجزئي لمنطقة الجذور أدى ذلك إلى توفير في كمية المياه حوالي 45%، ورفع كفاءة استخدام مياه الري من 530 غ/م3 إلى 710 غ/م3 من القطن المحبوب.
– عن طريق استخدام تقنيات ري حديثة: فقد وجد عند استخدام تقنية الري بالتنقيط تحت السطحي وعلى عمق أنبوب الري (PT2) 25 سم بلغت كفاءة استخدام مياه الري المضافة حوالي 1 كغ/م3.

الهوية الزراعية الخاصة
بدوره الباحث الزراعي الدكتور مجد درويش رأى أن موضوع المحافظة على المصادر الوراثية النباتية وصيانتها أو تجديدها من أهم المسائل الزراعية التي يبنى عليها في رسم الإستراتيجيات الزراعية الخاصة بأمن غذائي مستدام للبلدان، إذ تعد عملية استنباط أصناف المحاصيل الزراعية بشتى أنواعها الهوية الزراعية الخاصة بكل بلد وعامل لاستقرار وتطور زراعي طويل الأمد.

درويش: إنّ عمليات التربية النباتية لاستنباط صنف ما قد تستغرق العديد من السنوات لمعرفة درجة ثبات مواصفات هذا الصنف عند زراعته تحت ظروف بيئية مختلفة

وشرح درويش لـ«تشرين» أنه كما هو معروف فإنّ عمليات التربية النباتية لاستنباط صنف ما قد تستغرق العديد من السنوات لمعرفة درجة ثبات مواصفات هذا الصنف عند زراعته تحت ظروف بيئية مختلفة بما فيها الظروف المتطرفة كالجفاف والصقيع والملوحة وغيرها، وهذا يميز كل صنف.
إنّ أهمية هذا الموضوع لا تكمن فقط في استنباط هذا الصنف، لكن أيضا في المحافظة على هذا الصنف المستنبط من التدهور الذي قد يطرأ عليه سواء الوراثي أم النباتي عند حفظ بذوره في مراكز متخصصة وضرورة إجراء عمليات صيانة وتجديد البذار بعد عدة سنوات، وقد يكون قد خرج صنف ما أو هناك قلة باستخدامه في العملية الإنتاجية الزراعية وهذا مرده بشكل أو آخر للخلل الحاصل في عمليات حفظ هذا الصنف وإكثاره، وهذا يقع على عاتق وزارة الزراعة، ولاسيما أن هناك مؤسسة تعنى بعمليات إكثار البذار وحفظه.
ورأى درويش أن هذا الخلل سينعكس فيما لو حصل بشكل أو آخر على إمكانية تأمين البذار اللازمة للزراعة في كل عام وقد نتوجه لاستيرادها بشكل كامل، وما يترتب عليه من تكلفة مرتفعة بالقطع الأجنبي، ويهدد استقرارنا الزراعي والاجتماعي في السنوات اللاحقة.
وأوضح أهمية الدعم والتوجه لمراكزنا البحثية الزراعية المحلية أو حتى الدولية العاملة على الأرض لأهمية صيانة مصادرنا الوراثية هذه، ولا يمنع ذلك من العمل على استنباط أصناف زراعية جديدة قد تكون داعمة للعملية الإنتاجية الزراعية المحلية وخاصة في ظل التغيرات المناخية التي تعصف بنا، هذا التوجه تم أخذه على محمل الجد من هذه المراكز في السنوات الأخيرة الماضية.
وفيما يتعلق بضعف الإنتاج المحلي لبعض المحاصيل الزراعية الإستراتيجية كالقمح مثلاً أو تلك التي خرجت كلياً عن عجلة الإنتاج كالقطن والشوندر السكري وعبّاد الشمس وغيرها قال درويش: ليس مرده بالدرجة الأولى إلى التدهور الحاصل في مواصفات الأصناف المستخدمة في الزراعية، كما قد يطلق عليه اصطلاحاً ( شيخوخة الأصناف أو هرمها)، أو الظروف البيئية القاسية التي مرت بنا، وإنما قد يكون هناك سوء في إدارة وتنظيم عملية الإنتاج الزراعي لهذه المحاصيل من حيث توفير الدعم اللازم للمستلزمات الزراعية من الإنتاج إلى التسويق، وضرورة تشجيع المزارعين على الاستمرار في العملية الإنتاجية عاماً بعد عام، هذا الذي لم نلحظه خلال السنوات السابقة من الوزارات والمؤسسات المعنية وهنا الطامة الكبرى.
وأضاف: إنّ الإستراتيجية الزراعية المتبعة حالياً والمتمثلة في عدم إيجاد الحلول الناجعة للكثير من مشكلاتنا الزراعية المتعلقة بالإنتاج بالدرجة الأولى، والتوجه إلى إمكانية الاعتماد على الاستيراد كبديل قد يكون أقل تكلفة في بعض الأحيان، ويمكن أن يمثل تهديداً مستقبلياً لواقعنا الزراعي وأمننا الغذائي المستدام لا بل قرارنا السيادي.
فمن غير المعقول أن ما قمنا ببنائه زراعياً خلال أربعة عقود من الزمن باعتمادنا على ذاتنا وبشكل كامل باستخدام مواردنا المحلية لتطوير الواقع الزراعي بشتى المجالات، لا بل تفوقنا على الكثير من دول الجوار والعالم بتحقيق الاكتفاء الزراعي الذاتي، أن يتدهور شيئاً فشيئاً.
نهضة زراعية
نعود ونذكر، كما يشرح درويش، بأهمية القيام بنهضة زراعية بكل المجالات، وأولها تعزيز دور القطاع العام في تحسين الواقع الزراعي، وتوفير الدعم الحكومي اللازم لذلك، وضرورة العمل على توفير الحلول التي تساعد في تحقيق نوع من التوازن بالإنتاج الزراعي كإقامة إدارات زراعية متخصصة بالمحاصيل الحقلية ولاسيما الاستراتيجية منها وتشجيع مفهوم الزراعة التعاقدية وإيجاد البيئة التشريعية الملائمة لها، وليس من الضير تفعيل دور المؤسسة العامة لإكثار البذار ورفدها بكل المستلزمات بما يمكن من تأمين البذار ولكل الأصناف لتحقيق زراعة محلية مستقرة.

أيوب: قلع أشجار الحمضيات واستبدالها بـ«نموات» جذرية صغيرة يعني توقف إنتاج الحمضيات لسنوات

اقتراح جديد
عضو غرف الزراعة الدكتور مجد أيوب أوضح وجهة نظره لـ«تشرين» حول اقتراح وزارة الزراعة قطع أشجار الحمضيات في منطقة الساحل والمزروعة منذ أكثر من ٥٠ عاماً، ثم زراعة أشجار جديدة ومن نوعيات عالمية مطلوبة في الأسواق الخارجية، واصفاً ذلك بأنه خطأ، وموضحاً بالقول: سنستغني عن «نموات» جذرية كبيرة جداً واستبدالها بـ«نموات» جذرية صغيرة، وبالتالي توقف إنتاج الحمضيات لمدة ٤-٥ سنوات.
والأصح هو قطع نسبة محددة من أفرع هذه الأشجار وتطعيم هذه الأفرع بطعوم للأصناف الجديدة، وفي السنة التالية يتم قطع نسبة جديدة من الأفرع، وتطعيمها وهكذا حتى الوصول إلى تطعيم الشجرة بالكامل.

وهذه الأفرع الجديدة ستبدأ بالإنتاج خلال سنة أو سنتين، وذلك لكونها ستستفيد من النمو الجذري الكبير للشجرة الذي سيقدم لها نسبة كبيرة من الغذاء بدلاً من النسبة الصغيرة التي يمكن أن يقدمها الجذر الصغير للغراس الصغيرة الجديدة.
بهذه الطريقة لن يتوقف إنتاج الحمضيات السورية ولن يخسر المزارع سوى نسبة من إنتاجه وليس الإنتاج بالكامل، هذا الأمر يمكن أن يطبق على أي نوع من أنواع الأشجار المثمرة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار