شركات الغزل والنسيج تترنح تحت ضغط الحاجة ونقص الإمكانات ..!

تشرين-مركزان الخليل:
عصر ذهبي عاشته شركات المؤسسة العامة للصناعات النسيجية قبل سنوات الأزمة الحالية والتي بدأت تفرض حالتها السلبية على هذا القطاع منذ عام 2012 حيث بدأ الإرهاب باقتلاع جذور النجاح وتدمير الشركات وخطوط الإنتاج التي طالما تغنت بإنتاجية عالية، وجودة إنتاج فرضت وجودها ليس في الأسواق المحلية فحسب، بل في الأسواق العالمية أيضاً, وهذا النجاح لم يرق لأهل الإرهاب وداعميه الذين دفعوا بآلاف المسلحين والإرهابيين لتخريب الاقتصاد السوري وفي مقدمته الصناعة الوطنية، فقد استهدف الإرهاب أكثر من 38 شركة صناعية عامة خرجت من الخدمة الفعلية أهمها شركات المؤسسة النسيجية.
الاستثمار بمسارين ….
ولكن ضمن الظروف الحالية ثمة مسألة ينبغي العمل على الاستفادة منها , وتحقيق عوائد مادية واقتصادية واستثمار الممكن من الواقع الفعلي لشركات المؤسسة النسيجية وفق مسارين: الأول شركات الغزل والثاني النسيج، وهذان مكملان لبعض، والنتيجة واحدة ولتحقيق هذه النتيجة لابدّ من البحث عن حلول تخرج المؤسسة وشركاتها من مأزق الحرب والمفاعيل السلبية التي فرضتها العقوبات الاقتصادية والحصار على مكونات الصناعة الوطنية ككل وليس على قطاع النسيج في القطاعين العام والخاص وفق رأي المدير العام للمؤسسة النسيجية حارث مخلوف مؤكداً أن المؤسسة تسعى وفق خطط مدروسة مبنية على الإمكانات المتوافرة الفعلية والدخول في حلول منها على سبيل المثال: تفعيل مبدأ التشاركية مع القطاع الخاص وتوسيع دائرة الاستثمار بما ينسجم مع القوانين التي وضعتها الحكومة ورسمت بنودها وزارة الصناعة والجهات التابعة ووضعت الأرضية المناسبة لتفعيل هذه التشاركية التي تخدم جميع الأطراف وفق قوانين وتشريعات نظمت العلاقة وتنظمها من بابها حتى محرابها, وخاصة أن لدى الوزارة مجموعة من الشركات التي دمرها الإرهاب خلال سنوات الحرب الكونية على بلدنا, إلى جانب المتوقف منها، لكن هذا الاتجاه يسير ببطء شديد، نتيجة ضعف الإقبال من قبل رأس المال الخاص للدخول في هذا الاتجاه بحجج وأسباب مختلفة بعضها منطقي والبعض الآخر لحسابات الربح السريع الذي يسعى دائماً –الخاص- للحصول عليه بغض النظر عن إستراتيجية أي مشروع البعيدة والقريبة في العائد الاقتصادي..
اجراءات أخرى
وبالتالي هذا الأمر فرض على المؤسسة والشركات التابعة، البحث عن إجراءات أخرى، تكفل عملية التشغيل للشركات واستثمار الإمكانات المتوافرة في ظل صعوبات هي أكبر من إمكانات المؤسسة، لكن ذلك لا يمنع من البحث عن البدائل، لتوفير مقومات المعالجة والتشغيل، ولاسيما الشركات العاملة والتي لم تتعرض للتخريب والتدمير من قبل العصابات الإرهابية المسلحة..

خطوط إنتاج تتعامل مع نقص المادة الأولية وانخفاض الإنتاجية لأقل من خمسة آلاف طن

وهذا الأمر تحدث عنه المدير المالي للمؤسسة العامة للصناعات النسيجية نزار عبود موضحاً لـ”تشرين”: الرؤية التي حددتها المؤسسة للنهوض بواقع شركات الغزل والنسيج، واستثمار المتوافر من كميات الأقطان، وهي المادة الرئيسة المشغلة لخطوط الإنتاج، إلّا أن الأخيرة شهدت تراجعاً كبيراً في الإنتاج إلى جانب صعوبة نقل الكميات من أماكن إنتاجه، وتجمعيها إلى شركات إنتاج الغزول، وتراجع كميات الأقطان المسلمة إلى مراكز ومحالج المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان نتيجة الأعمال الإرهابية، وانخفاض إنتاجيتها إلى ما دون خمسة آلاف طن بدلاً من عشرات الآلاف، حيث تقدر الحاجة الفعلية للشركات بأكثر من 130 ألف طن، رغم ذلك فإنّ الشركات تحاول تأمين الغزول وفق الإمكانات المتاحة وبطرق مختلفة..
سرقة القطن
لكن الصعوبة الأكبر في رأي عبود هي خروج مناطق واسعة من المساحات الزراعية التي تؤمن المادة الأولية “القطن” بسبب الإرهاب وسيطرة الاحتلالين الأمريكي والتركي وأدواتهما من العصابات الإرهابية المسلحة، الأمر الذي أدى إلى فقدان المكون الأساس في إنتاجية شركات الغزول وحتى شركات النسيج التي تستعين بخيوط الغزل في منتجاتها الرئيسة، لكن من دون أن ننسى ما حدث لشركات الغزل والنسيج من تدمير وتخريب وخروج من دائرة الإنتاج ولاسيما في محافظات الحسكة ودير الزور وحلب وإدلب وغيرها..

وبالتالي فالذي لم يتأثر في رأي “عبود” من عمليات الإرهاب والتخريب فقد تأثر بفعل نقص المادة الأولية وصعوبة استيرادها من الخارج نتيجة الحصار والعقوبات الاقتصادية، إضافة إلى مشكلات أخرى تركت آثاراً سلبية على الواقع الإنتاجي والاقتصادي للشركات ولنفس السبب أهمها صعوبة تأمين القطع التبديلية من مصادرها الأساسية، عدم استقرار أسعار الصرف وعدم ثباتها عند سقف محدد ما يعوق تأمين المواد، إلى جانب نقص السيولة المالية ورأس المال، وصعوبات أخرى هي نتيجة مكملة لما يحدث تتعلق بتسرب العمالة المنتجة وهروب الخبرات سواء باتجاه القطاع الخاص، أو إلى خارج القطر بسبب تدني الأجور وظروف المعيشة الضاغطة.
الإنتاجية بحدودها الدنيا
كل هذه الأسباب جعلت المؤسسة النسيجية والشركات التابعة في واقع صعب تراجعت فيه إنتاجيتها إلى الحدود الدنيا، أي سقف الخمسة آلاف طن بدلاً من 150 ألف طن قبل سنوات الحرب على سورية وما رافقها من أزمات اقتصادية ..
وفي رأي عبود المؤسسة لم تقف مكتوفة الأيدي بل اتخذت جملة من الإجراءات ووضعت خططاً للنهوض من جديد بالتعاون مع الجهات الوصائية تشمل رؤيتها لإنقاذ ما تبقى من إمكانات متوافرة في الشركات المنتجة فعلياً, ورؤى خاصة بالشركات المتوقفة، فكانت بعض الخيارات تتجه نحو التشاركية مع القطاع الخاص وطرح الشركات للاستثمار، والخيار الآخر التشغيل لصالح الغير لتأمين ديمومة العمل وتحقيق العائد الاقتصادي من خلال تخفيض التكاليف والوصول إلى ربحية معقولة يتم من خلالها تأمين السيولة المالية لتمكين الشركات من تنفيذ خططها الجارية والاستثمارية، وبالتالي تنفيذ ذلك أدى الى تحقيق معادلة جيدة تؤكد صوابية الخيار حيث حققت المؤسسة خلال النصف الأول من العام الحالي إنتاجية تجاوزت قيمتها سقف 125 مليار ليرة، ومبيعات أيضاً تجاوزت عتبة 100 مليار ليرة, وبقية الإنتاج المذكور هو مخزون موقوف لصالح بعض الجهات العامة، علماً أن الأرباح الفعلية أيضاً قدرت قيمتها الإجمالية بنحو 15 مليار ليرة ..
خيارات مكملة
وهذه الرؤية حملت أفكاراً أخرى شكلت خيارات في مضمونها، وبدأت الشركات في تنفيذها لتأمين رأس المال المطلوب منها استثمار العقارات التي تملكها الشركات، وفق صيغ تتفق مع القوانين الناظمة، سواء تشاركياً أم استثماراً، يضمن حقوق الجميع وتحقيق الريع الاقتصادي المطلوب للشركة، بحيث تستطيع كل شركة الاعتماد على تمويلها الذاتي في تنفيذ خططها، الأمر الذي يقودنا إلى خيار الاتجاه إلى تطوير وتحديث خطوط الإنتاج القائمة، وإجراء عمليات الاستبدال والتجديد بصورة مستمرة، بما يتفق مع التقنيات الحديثة لكل صناعة سواء في النسيج أو في الغزل وغيرها.
استفادة متبادلة
وما يؤكد ذلك حديث المدير العام للشركة التجارية الصناعية المتحدة ” الخماسية” المهندس مصطفى هلال لصحيفة “تشرين” حول واقع العمل في الشركة، مع مشاطرة كبيرة في الرأي لعبود حول العديد من النقاط، ولاسيما باتجاه تراجع الإنتاجية وصعوبة تأمين المادة الأولية ومستلزمات الإنتاج نتيجة الإرهاب وعصاباته المسلحة، والحصار وعقوباته الظالمة، وخاصة أن الشركة عانت ما عانت من الإرهاب وتخريب العصابات الإرهابية، لكونها على تخوم ريف دمشق، مؤكداً اتخاذ الشركة بالتعاون مع الجهات الوصائية إجراءات نوعية سمحت لها بالخروج من نفق الإرهاب، والوصول إلى إنتاجية مقبولة من خلال إجراء عمليات الاستبدال والتجديد النوعية لبعض خطوط الإنتاج، ولاسيما ما يتعلق بالأقمشة والقطن الطبي، وتدعيم هذا الاتجاه بالاستفادة من آلات بعض الشركات التي تعرضت للتخريب، ولاسيما شركة المغازل وإجراء الصيانات المطلوبة، ووضعها في الخدمة الفعلية، إضافة إلى تشغيل خط البياض القديم، وتشغيل خط الضواغط الخاصة بالأقسام الإنتاجية، وتشغيل آلات أخرى مكملة لعمليات الإنتاج ولاسيما آلة التنشية والتسدية، وآلة رام المصبغة وغيرها كثير، من أجل استكمال عمليات التطوير والتحديث للخطوط الإنتاجية القائمة في ظل ظروف صعبة، مطلوب فيها استثمار الممكن والمتوافر وبالخبرات الوطنية، وكفاءات الشركة التي نفذت كل ذلك، مع العلم أن معظم تمويل الخطط ذاتياً سواء من عمليات الإنتاج والمتاجرة أم من خلال الاتجاه للتشغيل لصالح الغير، الذي وفّر إلى حدٍّ ما السيولة المالية للشركة، وذلك من دون أن ننسى الصعوبات التي تعوق الاستثمار الأمثل للطاقات، في مقدمتها: نقص حوامل الطاقة والمحروقات، والحصول على المادة الأولية ونقص العمالة المنتجة وتسربها خلال سنوات الأزمة.

تشابه المعاناة
وهذا الأمر لا يقتصر على الخماسية فحسب بل كل شركات المؤسسة النسيجية لديها نفس المعاناة، والواقع ذاته الذي يؤثر سلباً على إنتاجية الشركات، حيث أكد علي شنتير المدير العام لشركة الوليد للغزل في حمص، أن معاناة الشركة لا تخرج عن معاناة الشركات الأخرى، فنقص المادة الأولية ” القطن” ونقص حوامل الطاقة وعدم استقرار أسعار الصرف, وهروب العمالة، وقِدم خطوط الإنتاج، جميعها مشكلات يصطدم بها الجميع، لكن المعالجة تتم وفق رؤية كل شركة وحسب المتوافر من الإمكانات لديها، ونحن في حمص وضعنا رؤية تطويرية تتضمن تحديث خطوط الإنتاج القائمة، وحسب الأولوية للعملية الإنتاجية، فالاتجاه كان نحو تحديث آلات الغزل النهائي من أجل تأمين كميات الإنتاج، وبالجودة المطلوبة، إلى جانب توفير العمالة الفنية المدربة وغيرها..

كل البدائل متاحة بما فيها التشاركية، والتشغيل لصالح الغير “غاية” لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الإنتاجية والعمالة المتبقية..

لكن الإجراء المهم يكمن في الاستفادة من الآلات المتوافرة في شركات المؤسسة، وخاصة المماثلة لإنتاجية الشركة، حيث تم نقل آلات غزل من الشركة الخماسية وتأهيلها بقصد وضعها بالخدمة الفعلية، ونقل آلات أخرى من خيوط اللاذقية، أي أن القصد من هذا الإجراء، هو الاستفادة من إمكانات الشركات الأخرى لترميم حالة النقص، والاستفادة من طاقاتها لتطوير آلية العمل، وتحقيق زيادة ملحوظة في الإنتاجية، في ظل ظروف صعبة منها ما يتعلق بالإرهاب والحرب ومنها ما يتعلق بتردي الحالة الإنتاجية بسبب الحصار والعقوبات على بلدنا..
واقع مشترك
إذاً واقع شركات المؤسسة النسيجية واحد، والحديث عن مشكلة ما هي ذاتها في بقية الشركات، لكن ما يميز نشاط الإدارات هو التكيف مع الواقع، وكيفية استثمار الممكن من إمكانات كل شركة، سواء الإنتاجي منها أو لجهة استثمار العقارات, وحتى استثمار الجهد العمالي بإنتاجية متنوعة تعيد بالفائدة للجميع..
من هنا كان الحفاظ على هوية الشركة وإنتاجيتها، وفرض واقع التأقلم مع الظروف والتكيف مع الإمكانات عنوان المرحلة لحالية وما بقاء الشركات في ميدان الإنتاج إلّا تأكيد لصوابية تنفيذ الرؤى والإستراتيجيات التي تتوافق مع الإمكانات المتاحة، والأمل لدى الجميع بتحسن الأحوال وانفراجات قريبة يلمسها الجميع..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
طالب بزيادة الاهتمام بأوضاع السوريين المهجرين بفعل ‏الإرهاب.. مجلس الشعب: التشدد في مراقبة الأسواق وعدم السماح باحتكار المواد اكذب بصورة..«انتصر» بصورة.. قاعدة أسقطها السوريون وطوّعوها للصد والرد نعمل على محوري الشراكة والحزم.. المنجد: لدينا مخازين كافية من الدقيق والقمح ولجنة لضبط الأسعار القيادة العامة: الوحدات العسكرية المرابطة في حماة تعيد الانتشار والتموضع خارجها حفاظاً على أرواح المدنيين إجراءات حكومية لتقديم التسهيلات اللازمة لدعم النشاط الاقتصادي لمحافظة حلب والمناطق المحيطة بها إسناداً لجيشنا وبطولاته.. السوريون يشكلون جبهة إعلامية تتصدى لحرب التضليل وتوثق ‏بالصوت والصورة حقائق الميدان عشيرة الزيادات الشعبانية: سورية ستخرج من هذه المعركة منتصرة لأنها صاحبة حق لمواجهة الآثار المدمرة على كوكبنا.. علماء يعتزمون إنتاج «لقاح للمناخ»‏ مبابي: أتحمل مسؤولية الهزيمة كاملة ‏وثّقوا ممارسات الإرهاب في المدينة... «تشرين» تنقل من حلب وأهلها شهادات الصمود والثقة بالهوية والانتماء