ملف «تشرين».. «مياه» طرطوس تعتمد على مجموعات التوليد الاحتياطية لتشغيل مشروعاتها.. وتركيب الطاقة الشمسية واستثمار السدود صعب لارتفاع التكلفة
تشرين – ثناء عليان:
من بين غرائب التناقضات التي تنغص حياة المواطن السوري هناك الأكثر غرابة وطرافة بل المأساوية في محافظة طرطوس التي تعيش نسبة كبيرة من سكان أريافها في حالة من العطش والعوز الشديد للمياه الصالحة للشرب رغم النعمة التي انفرد بها الساحل السوري كأعلى نسبة للأمطار ربما على مستوى الوطن العربي! فكأن الشاعر قصد سكان هذه المحافظة بالذات حين قال (كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ.. والماء فوق ظهورها محمول). والذي يقوم بجولة في جبال المحافظة ووديانها خلال أشهر فصلي الشتاء والربيع حيث تتفجر العشرات من الينابيع العذبة ساكبةً خيراتها في عدد كبير من الأنهار التي تصب في البحر، سيعرف المعنى الحقيقي للهدر بغياب المشروعات الكافية لتخزينها واستثمارها.
ساعات قليلة لا تكفي
ومع قدوم فصل الصيف تتوالى الشكاوى من المواطنين عن نقص كمية المياه الواصلة إليهم، وخاصة في أرياف صافيتا والدريكيش ومنطقة القدموس وريف بانياس وبعض أحياء مدينة بانياس كحي المروج والقصور الشرقي حيث لا تصل المياه إلى الطوابق العالية فيها بسبب ضعفها، ومنهم من اشتكى من وصول المياه إلى بيوتهم 3 ساعات فقط كل 11 يوماً وبضغط لا يكفي لوصول المياه إلى الخزانات الموضوعة على أسطح المنازل من دون استخدام المضخات الكهربائية، وهنا يلعب الحظ دوره الأساسي حسب نظام التقنين الكهربائي، علماً أنه حتى لو صدف وصول المياه في أوقات التغذية الكهربائية .
أكثر من 75 ألفاً تكلفة صهريج المياه سعة 20 برميلاً
إلّا أن الكمية التي يمكن تخزينها خلال هذه «السويعات» القليلة لن تتجاوز خمسة براميل، وهذا ما أكده أهالي قرى كاف الجاع وسريجس ونعمو الغربية في منطقة القدموس وكذلك أهالي قرية الدردارة في ريف عنازة بانياس، حيث أكدوا أن هناك نقصاً كبيراً في مياه الشرب، وخاصة أن مياه الشبكة تأتيهم مرة واحدة كل عشرين يوماً ولمدة لا تزيد على الساعة ونصف الساعة، وكثيراً ما تكون ضعيفة، الأمر الذي يضطرهم لشراء المياه من القطاع الخاص بالصهاريج وبسعر يتراوح بين (75000- 80000) ليرة للصهريج الواحد سعة (20) برميلاً فقط ما يفوق قدرتهم المادية، مع الإشارة الى استقرار الواقع المائي في مراكز مدن المحافظة /طرطوس -بانياس-مشتى الحلو – الدريكيش- الشيخ بدر – صافيتا -الصفصافة.
انخفاض مصادر الطاقة
المدير العام المكلف بتسيير شؤون المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي بطرطوس المهندس أحمد علي حسامو أكد لـ”تشرين” أنه بالرغم من الظروف الحالية الصعبة وما رافقها من انخفاض كبير في مصادر الطاقة /كهرباء – مازوت/ والاعتماد الرئيس في تشغيل المشروعات على مجموعات التوليد الاحتياطية، استطاعت المؤسسة وبجهود جبارة من كوادرها، من إداريين وفنيين، تأمين مياه الشرب لمناطق المحافظة بما يتناسب مع الظروف الحالية، بحيث حافظت على تغذية يومية في مدينتي طرطوس وبانياس ويوماً بيوم في /مشتى الحلو – الدريكيش- الشيخ بدر، إضافة لتقليل أدوار المياه لأكثر من نصف المدة في مناطق ريف المحافظة أهمها / ريف صافيتا الغربي – ريف طرطوس في قرى/ ضهر مطر – بيت سماق – العنازة – رأس الكتان – الحنفية – السودا.
استثمار الآبار
وبيّن أن المؤسسة قامت خلال عامي 2022 و2023 بالعديد من الإجراءات التي ساهمت بشكل فعّال في تحسين الواقع المائي من خلال استثمار سبع آبار في ريف طرطوس: “بئر جديدة البحر وبئر خربة المعزة، وبئر الشيخ سعد”، وفي مدينة طرطوس تم وضع بئر جديتي في الاستثمار، وفي الصفصافة “بئر طيبة المهدي”،
«الموارد المائية»: تنفيذ سد البلوطة بقيمة 4.6 مليارات ليرة سورية
وفي بانياس “بئر بانياس”، وفي مشتى الحلو “بئر بسدقين”، كما تم خلال هذا العام ربط خمسة مشروعات كهربائياً بخطوط توتر مستقلة معفاة من التقنين، ما ساهم بزيادة عدد ساعات التغذية الكهربائية من خلال قواطع غازية، وهذه المشروعات موجودة في كل من مدينة طرطوس وريفها وفي بانياس ومشتى الحلو.
حل الاختناقات
ولحل الاختناقات قامت المؤسسة باستبدال شبكات في العديد من مناطق المحافظة أهمها استبدال خط الضخ من الأترنيت بين المحطتين الأولى والثانية لمشروع جسر الحاج حسن قطر 250 مم وطول 550 م، إضافة لاستبدال أجزاء مهترئة من الشبكات وتخديم العديد من التجمعات السكانية (بدرية – الواسطات – بيت الديك – ضهر مطر- بيلة – متن الساحل – زمرين – العنازة – بيت الحاج) بأقطار مختلفة بطول حوالي 25 كم.
الطاقة البديلة
وعن إمكانية تزويد المضخات بالطاقة البديلة لحل أزمة العطش التي يعاني منها عدد كبير من سكان محافظة طرطوس بيّن حسامو أن الاستطاعات الكبيرة للتجهيزات الميكانيكية للمشروعات تتطلب مساحات كبيرة غير متوفرة، إضافة إلى الكلف المالية العالية، لافتاً إلى أنه تم تشغيل محور ضخ في مشروع نبع ناصر باتجاه بيت ديبة فقط على الطاقة الشمسية، بمواد مقدمة مجاناً من مؤسسة الآغا خان، ما حسّن الواقع المائي في قرى المشروع (بيت ديبة –البريكية –خربة الفرس).
استثمار السدود
وفيما يخص استثمار السدود لحل أزمة المياه أكد حسامو أن الأمر يحتاج إلى محطات معالجة وتنقية من الصعب إقامتها لعدم وجود اعتمادات لتنفيذها وخاصة أنها مكلفة جداً، مشيراً إلى أن المصادر المائية التي تقوم المؤسسة باستثمارها قادرة على تأمين حاجة المواطنين من المياه على مدار الساعة في حال توفر الطاقة الكافية.
مشروعات قيد التنفيذ
وتعمل مياه طرطوس– حسب حسامو- على تحسين الواقع المائي على مساحة المحافظة من خلال تنفيذ عدة مشروعات لاستثمار آبار جديدة كبئر شاص في منطقة الصفصافة لفصل تغذية قرية شاص عن مشروع زاهد، وبئر الطليعي لفصل تغذية قرية الطليعي وتلة الخضر عن مشروع تل الترمس، وبئر بيت الخرنوبي لدعم القطاع الغربي من مشروع الشماميس، كما تعمل المؤسسة على استثمار بئر حصين البحر لتخفيف الضغط عن خط جر السن لمدينة طرطوس، واستثمار بئر المحاني لدعم قرى (مرشتة –العريض – البليط-السميحيقة) في القدموس، واستثمار بئر ضهر بشير لدعم قرى “ضهر بشير” في الصفصافة.
الربط الكهربائي
كما تعمل المؤسسة على تنفيذ ربط كهربائي لمشروع “دير حباش” في ريف طرطوس وهو قيد المباشرة، ومحطات خط جر القمصية منطقة الشيخ بدر، واستبدال الشبكات في القدموس، ومتابعة تنفيذ خط رديف داعم للقطاع الشمالي الغربي للقدموس بالعقد م 20/2022 بقيمة حوالي 800 مليون لدعم قرى /الحاطرية –الطواحين –شمسين– الدي –النواطيف –باب النور – جارة الوادي، إضافة إلى المباشرة باستبدال خط ضخ سنديانة أوبين بقيمة 389 مليون ل. س.
كما تم استبدال وتوسيع شبكات في حبرون منطقة الصفصافة بطول 4300 م، وفي منطقة القدموس بطول 4900 م، واستبدال خط ضخ الجكرة منطقة ريف طرطوس بطول 2500م، وجميعها مجاناً من المنظمات المانحة، وتوريد مجموعات ضخ أفقية لمشروعات / مرقية القديم/ محور معتي /الملوعة- بعمرة – الهرمل- بمحصر – المحاني/ وهي قيد الإعلان، وتوريد مجموعات ضخ غاطسة لمشروعات / الطليعي- تفريعة جديتي- جديتي- الشماميس- بيت الخرنوبي-شاص – طيبة المهدي- عين التينة الجديد- حصين البحر الجديد/ وهي قيد التصديق، وحفر وإكساء آبار في مواقع /ضهر بشير – بوردة – المحيلبة – الحنفية.
مشروعات لقطف مياه الأمطار واستثمارها
بدوره أشار مدير الموارد المائية في طرطوس المهندس محمد محرز إلى الإجراءات التي اتخذتها المديرية لقطف مياه الأمطار واستثمارها، وإلى أهم المشروعات التي تقوم بها المديرية لتحسين الواقع المائي والتي من شأنها الحفاظ على المصادر المائية المتاحة وجودتها وضبط استثمارها وخاصة الجوفية منها كمخزون إستراتيجي لتحقيق تنمية مستدامة.
مشروعات لحصاد مياه الأمطار
وبيّن أن المديرية قامت بتأهيل مجموعة من السواقي القديمة بغرض رفع كفاءة استثمار بعض الينابيع وتقليل الفاقد منها في كل من سبة وكفر جوايا والبريخية والبيرة، كما تقوم المديرية بتنفيذ العديد من مشروعات حصاد المياه كالسدود والسدات المائية والخزانات كسد الدريكيش العقد (17/ 1998) وطاقته التخزينية 6 ملايين م3 وهو قيد الاستلام المؤقت حيث بلغت نسبة التنفيذ فيه 99.8%
ويتم حالياً تنفيذ سد البلوطة يهدف تخزين 2.57م.م3 والسد مخصص لأغراض الشرب وري 100 هكتار، بقيمة حوالي الـ5 مليارات ليرة سورية وقد بلغت نسبة التنفيذ فيه 40.37%.
وسدة عين الدليمة بسعة 252 ألف متر مكعب ونسبة التنفيذ حوالي 88.6 بالمئة، وسدة أخرى في قرية بمنّة سعتها 120 ألف متر مكعب ونسبة التنفيذ 86 بالمئة، وخزان رام ترزة في القدموس بسعة 1600م3 وبقيمة تقديرية 202 مليون ل.س ونسبة التنفيذ 37.38%، وخزان الطواحين- القدموس موقع البرطاش بسعة تخزين 21000م3 بقيمة تقديرية 248 مليون ليرة سورية وبنسبة تنفيذ 77.6%، وخزان الدّي بسعة 9500م3 بنسبة تنفيذ 69.3%.
استبدال السواقي الترابية
كما تمت دراسة مجموعة من مشروعات السدات والخزانات في قرى القدموس والمناطق العطشى “سدة خربة مكار، سدة شرق قنية خزان الدردارة، خزان المرانة، خزان النيحة، خزانات في الحاطرية ومجموعة من الرامات.
وبيّن محرز أنه تمت دراسة تأهيل مجموعة من الينابيع باستبدال السواقي الترابية القديمة بأقنية من البيتون البولي إيتيلين في كل من “كفر صنيف، حكر كابر، الجرينات، الحويزية، عبن الباردة، الكفرون..)، وهناك مجموعة من السدود المدروسة والجاهزة منها سد مرقية وعين الكبيرة والحصين وكل هذه الأعمال تسهم في تحسين الواقع المائي في المحافظة.
صعوبات ومعوقات
وأشار محرز إلى أهم الصعوبات التي تعوق أعمال حصاد المياه وهي عدم وجود طرق خدمة للوصول إلى مواقع بعض السدات المستطلعة، إضافة إلى عدم وجود مصادر للغضار ضمن الأملاك العامة لتكتيم الرامات المطلوبة وممانعة المزارعين من الدخول إلى عقاراتهم.
اقرأ أيضاً: