المشمش السوري.. الثمرة الحاضرة في الأمثال الشعبية والموائد
تشرين:
المشمش بكراته الذهبية الصفراء وخدوده الحمراء التي تتدلى من الأغصان الخضراء كأنها لوحة فنية تزين الطبيعة وتزيد موسم الفواكه السوري جمالاً وألقاً.. وهو من الفواكه الحاضرة في الأمثال الشعبية الشفوية المتداولة كأن يقال ”في المشمش”: فهذا يعني أن الأمل بالحصول على الطلب شبه مستحيل.
ويقال ”جمعة مشمشية ”: عندما يتم وصف علاقات أو شيء جميل (كحالة توافق مميزة ويمكن أن تزول بسرعة) فيقولون: “جمعة مشمشية”، لكون فترة نضوج فاكهة المشمش تكون قصيرة وينتهي موسمه بسرعة .
يستخرج من المشمش ”قمر الدين” وهو مشروب سوري معروف في كل دول المنطقة، وتمتاز ثمرة المشمش بخصائص صحية كما يؤكد المهندس الزراعي بشار عبيد، لافتاً إلى أن هذه الثمرة الصفراء والحمراء اللون، تمتاز أيضاً بنضجها في الصيف، موضحاً أن هناك خمسة امتيازات صحية وغذائية للمشمش الذي ينضج ويتوفر لفترة قصيرة جداً، ومن امتيازات ثمرة المشمش المستخدم أيضاً كمربى ومادة في الكعك وفي سلطات الفواكه أو في بعض وجبات السمك، احتواؤها على فيتامينات ومعادن كثيرة مثل فيتامين “أ” “بي” و “سي” و “إي” ومعدن الحديد والبوتاس والنحاس وغيره. كذلك فإن المشمش قليل السعرات الحرارية والدهنيات ويحتوي على كمية مهمة من المواد المضادة للأكسدة تساعد في مكافحة شيخوخة الخلايا، كما يشمل مواد طبيعية كثيرة تحمي من أمراض خطرة كالسكري والقلب والسمنة، ويشير عبيد إلى أن المشمش يشتمل على منافع صحية للعيون لأن الفيتامينات الكامنة فيه تحمي العين من تراجع قوة رؤيتها خاصة في الليل، كما أن هناك مواد طبية فيه تحمي شبكة العين من مخاطر حقيقية، وتلفت المستشارة في الغذاء سهير سلمان منير أيضاً إلى أن المشمش يحتوي على ألياف من شأنها أن تعادل 10 في المئة من حاجة البشر لها يومياً، خاصة تلك التي تساهم في إذابة الكوليسترول، هذا علاوة على منفعة المشمش بالنسبة للجهاز الهضمي وتزويد الجسم بميكروبات صحية طيبة مثلما يساهم في خدمة البشرة والجلد.
ويبين المهندس عبيد أن شجرة المشمش مثمرة ذات حجم متوسط، ومعمرة وانتشرت زراعتها في أغلب الدول وخاصة ذات المناخ البارد والمعتدل كما في بلاد الشام، خاصة سورية التي تشتهر بالمشمش الحموي وفي فلسطين، وتتميز الشجرة عن غيرها من أشجار الفواكه بارتفاع درجة مقاومتها للجفاف والبرد الشديد، وسرعة نموها في السنين الأولى من حياتها وسرعة إثمارها، وزراعتها تنجح في معظم المناطق وتجود في تربة الحواكير وجيدة التهوية، وأنواع المشمش المحلي: البلدي والمستكاوي، والوردي، واللوزي، والكلابي.
ويقال في الأحاديث الشعبية: إذا كان موسم الزيتون أبا المواسم، فإنّ موسمَ المشمش أبهجها، إذ تصفرُّ حبات المشمش تباعاً، فيقال في الأمثال الشعبية “نمّر المشمش” أي ينتهي الموسم وأول ما يثمر من الحبات الشرقيات والقبليات بسبب أشعة الشمس.
وأشجار المشمش من الأشجار اللوزية ، بمعنى أن أصل الشجرة عبارة عن أشجار اللوز المر ثم يطعم بالمشمش وقد استعملت هذه الصفة ما بين اللوز والمشمش في تفسير العلاقات العائلية وفي إعطاء النصائح الرمزية عن اختيار العروس فتغني النساء:
سلّ المشمش لا تكبش …. هود على اللوزية
زين البنات لا توخـذ…. دور عا الأصليـة
وتعني هذه الأهزوجة أو المقولة الشعبية أن الأصل أهم من المظهر والجمال، واعتمد في اختيارك على الأساس والأصل الطبيب، وفي لائحة الثمار يقال ضمن إقران كل ثمرة في موسمها: “أيار توت ومشمش وخيار”.
في الطب القديم
وصف ابن سينا ثمرة المشمش في ” كفاية القانون ” بأنها تسكن العطش ودهن نواتها ينفع من البواسير وينفع نقيع المقدد من المشمش في مواجهة تبعات الحميات الحارة. وقال ابن البيطار: إن المشمش ثمرة تجانس الخوخ لكنها أفضل من الخوخ، وهي تذهب بالبخر من حر المعدة وتبردها تبريداً شديداً، والمشمش في الطب الشعبي الحديث غذاء مغذ، منشط، مليّن، سريع الهضم عند الأصحاء.. أما المصابون بعسر الهضم فهو يؤذيهم، وكان الأطباء العرب يستخرجون من زيت بذر المشمش دواء يعالجون به فقر الدم وآلام الأذن، فقد كان يكفي تقطير بضع قطرات دافئة من زيت بذر المشمش في الأذن المصابة، لتسكّن آلامها على الفور، كما أن المشمش له فوائد أخرى فشرائح ”قمر الدين المصنوعة من المشمش أشهر من أن تعرّف، وخاصة في شهر رمضان المبارك، حيث ينقع «القمر الدين» ويصنع منه شراب سائغ لذيذ، يروي العطش، ويساعد الصائمين على تحمل مشاق العطش والجوع، وفي بعض البلاد يحضّر «القمر الدين» كعصير فاكهة ثم يتم تبخير العصير على ألواح خشبية تعرّض لأشعة الشمس، أو بوضعه على قماش مشدود وتركه يجف في الهواء الطلق.