كيلو البندورة يحتاج ٥٠ ليتر ماء.. تصدير المياه بهيئة خضار يثير تساؤلات حول “إستراتيجيتنا الزراعية”..؟؟

تشرين – عمار الصبح:
يكتسب الحديث عن محصول البندورة في محافظة درعا أهمية متنامية باعتباره من أهم المحاصيل الزراعية في المحافظة، والتي تتصدر قائمة المحافظات من حيث المساحات المزروعة وكميات الإنتاج المقدرة بمئات الآلاف من الأطنان سنوياً، والتي يعود لها الفضل في الحفاظ على استقرار الأسواق وتوفير المادة فيها بأسعار مقبولة.

مساحات واسعة وغلة وفيرة مرتقبة

غير أنه وبنظرة متأنية إلى هذا الملف، يمكن إثارة العديد من التساؤلات، من قبيل الجدوى الاقتصادية والقيمة المضافة المتأتية من هذا المحصول التي لا تزال مقتصرة على نوافذ تصديرية ضيقة بل مكلفة ويحصد نتائجها التجار، أو قنوات للتصنيع تتمثل بمعامل الكونسروة التي لم تستطع الخروج من عباءة الموسمية، لتظل السوق الداخلية الرابح الأكبر من وفرة الإنتاج ولكن على حساب المزارعين.

بالأرقام
أقل من شهرين ويكون فيها إنتاج البندورة قد وصل إلى ذروته، فيما تتحدث الأرقام المتوقعة عن غلة وفيرة في إنتاج البندورة هذا الموسم، فقد قدرت مديرية زراعة درعا إنتاج الموسم الحالي من محصول البندورة بنحو 312 ألف طن، حيث تبلغ المساحات التي تمت زراعتها بالمحصول في عروته الرئيسية حسب رئيس دائرة الإنتاج النباتي في المديرية المهندس وائل الأحمد 2600 هكتار بزيادة 500 هكتار عن المساحة المخططة لزراعة المحصول هذا الموسم، فيما تقدر المساحات المخططة لزراعة العروة التكثيفية 900 هكتار.

أكثر من 300 ألف طن من البندورة تبحث عن نصيبها من الجدوى والقيم المضافة

ويقدر إنتاج الهكتار الواحد من البندورة بنحو 120 طناً، ما يعني إنتاجاً يصل إلى نحو 312 ألف طن وهي كميات تفيض عن حاجة أسواق المحافظة، لذلك يعد بيضة قبان سوق الهال الرئيسي بدمشق ومنه إلى المحافظات الأخرى.

ماذا عن المياه؟
الحديث عن هذه المساحات الواسعة يقود بلا شك إلى احتياجاتها من المياه لزوم الري، وهي احتياجات يغفل الكثيرون عن ذكرها حين إيراد التكاليف، في وقت باتت فيه هذه الاحتياجات المائية مرهقة، ليس على المزارع وحده بل وأيضاً على المياه الجوفية التي باتت تئن تحت وطأة الاستنزاف في المحافظة، فبالرغم من تمرس مزارعي البندورة وإنتهاجهم لطرق الري الحديث الذي بات يعتمد الري التنقيط بدل الغمر، تظل البندورة من المحاصيل التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، إذ تشير إحصائيات (غير رسمية) إلى أن الدونم الواحد من البندورة يستهلك في المتوسط 500 متر مكعب من المياه في الموسم، ما يعني 5000 متر لكل هكتار، لتكون الحصيلة المائية المقدرة لكامل المساحة 15 مليون متر، وذلك يعني أن الكيلوغرام الواحد من البندورة يستهلك أكثر من 50 لتراً من المياه في الموسم الواحد تقريباً، وهو رقم كبير في ظل النقص الحاصل بالمياه الجوفية وما تعرضت له من استنزاف جائر وتتالي سنوات الجفاف، على نحو بات يعزز مقولة إن تصدير البندورة (والكلام ينطبق على باقي الخضار)، يعني تصديراً للمياه، هذا فضلاً عن تأثيرات تتالي زراعة المحصول على التربة واستنزاف خيراتها، في ظل النقص الحاصل بالأسمدة والتي عادة ما يعوّل عليها لتعويض العناصر المفقودة.

شجون المواسم السابقة ماثلة في الأذهان وشبح الكساد حاضر ويتمدد

وتشكل الآبار المصدر المائي والأهم الذي تعتمد عليه الزراعة بشكل رئيسي وهي تنتشر بمختلف أرجاء المحافظة، ومع مرور السنين ومع ما  شهدته المحافظة من طفرة زراعية خلال العقود الماضية، ازداد استهلاك المياه المخصصة للزراعة أضعافاً ما زاد من حفر الآبار المخالفة، ووفق إحصائيات رسمية كان عدد الآبار المخالفة عام 2001 بحدود 192 بئراً وقد زادت حتى وصلت في عام 2010 إلى 605 آبار، وذلك بالتوازي مع ازدياد عدد الآبار التي تم ترخيصها بشكل أصولي والتي بلغ عددها وفق تصنيف التشريع المائي حتى منتصف العام الماضي إلى 4029 بئراً لأغراض مختلفة معظمها للزراعة، فيما وصل عدد الآبار المخالفة المحصاة 2805 آبار، وهناك عدد كبير من الآبار وبمناطق مختلفة لم يتم التمكن من إحصائها.
شجون المواسم
تتطلب الأرقام السابقة عن استهلاك المياه وقفة متأنية للبحث عن إجابات شافية ووافية، فكل كيلو واحد من البندورة يحتاج إلى 50 ليتراً من المياه، وهذا يعني أن ثمن هذه المياه يفوق كثيراً ثمن المنتج ذاته، هذا من دون إضافة التكاليف الأخرى، وفي هذا السياق يتحدث مزارعو البندورة في المحافظة عن شجونهم باكراً هذه المرة، فالأسعار التي وصل إليها سعر الكيلو في الأسواق مؤخراً (5000) ليرة سرعان ما سيتدنى لاحقاً إلى أن يصل إلى ما دون سعر التكلفة في ذروة الإنتاج، كما حصل في الموسم الماضي حيث انخفض السعر إلى ما دون 500.

قاطرة التصنيع ترزح تحت عباءة الموسمية.. وبوابة التصدير لا تزال ضيقة

ليرة في مناطق زراعته، وهي أسعار تقل كثيراً عن تكاليف الإنتاج والتي تضاعفت هذا الموسم مع ارتفاع معدلات التضخم، على اعتبار أن القسم الأكبر من
مستلزمات الإنتاج وفي مقدمتها الأسمدة والأدوية هي مستوردة، إذ من المتوقع أن تزيد تكلفة زراعة الهكتار الواحد من المحصول لتصل إلى أكثر من 50 مليون ليرة.
قد لا يتغير المشهد كثيراً هذا الموسم، يؤكد مزارعون في حديثهم لـ”تشرين” فالظروف التي سادت في مواسم سابقة لم تتغير، والأسواق على حد وصفهم، لا تزال رهينة العرض والطلب والتي غالباً ما يتحمل المزارع وزرها فيما يقطف التجار ثمارها، فهؤلاء يحافظون على نسب أرباحهم أياً كانت حالة السوق، انخفضت الأسعار أم ارتفعت وهي أرباح تفوق أرباح المزارعين.
ولجهة قناتي التصنيع والتصدير التي من المفترض فيهما أن تضيفا للمحصول قيماً أكبر، فلا تزال مساهمتها خجولة على حد قول أحد المزارعين، فمعامل الكونسروة في المحافظة لا يزال عملها موسمياً ومقتصراً على (رب البندورة) فيما يتم استجرار المحصول من هذه المعامل بأسعار متدنية لا تتناسب مع تكاليف الإنتاج على حد قوله، لافتاً إلى للتصدير اعتباراته أيضاً، فالمزارع ليس تاجراً وهو غالباً ليس لديه الملاءة المادية ليكون كذلك، ما يترك للتجار هوامش أكبر لتحقيق أرباح على حساب المزارعين، حسب رأيه .

لنلتفت لها!!
يبقى السؤال الأهم والذي لا يزال يبحث عن إجابات، أين القيمة المضافة، ولماذا لم نحققها من محصول البندورة على النحو الذي يليق بهذا المنتج الزراعي المهم حتى الآن، وهو سؤال يحاول الخبير الزراعي المهندس جمال المسالمة رئيس غرفة زراعة درعا البحث في تفاصيله ومقاربة حيثياته.
يطالب المسالمة بداية بوضع قواعد أساسية وإجراءات مناسبة تضمن توفير المنتج في الأسواق بأسعار مناسبة للمستهلك، ولكن بما يؤمن للمزارع نسب ربح هامشية تحقق له الجدوى الاقتصادية للاستمرار في زراعة هذا المحصول المهم، لافتاً إلى أن خطة تسويق البندورة من المفترض أن تعتمد على ثلاث قنوات لتصريف المنتج، بحيث يطرح ثلثه في الأسواق للاستهلاك المباشر، والثاني للتصدير، فيما من المفترض أن يذهب الثلث الأخير للتصنيع عبر معامل الكونسروة.
هذه المعادلة تتطلب حسب المسالمة، تعزيز ثقافة الزراعة حسب النوع المطلوب في السوق وحسب الصنف المراد، بمعنى أن يكون هناك مساحات مخصصة لزراعة البندورة التصديرية وأخرى للبندورة المعدة للتصدير، وثالثة للاستهلاك المحلي، بحيث لا يطغى صنف على آخر، فكل صنف من هذه الأصناف له خصائص، فالصنف المعد للاستهلاك المحلي مثلاً، لا يتحمل ظروف التصدير وكذلك الصنف التصنيعي له خصائص معينة.
ويبين أن هذه الثقافة الزراعية تتيح فرصة أكبر لتسويق المنتج بكل سلاسة وبدون حدوث خلط بين الأصناف كما يحدث، وبشكل يسمح للمصدر أو معامل الكونسروة اختيار طلبه من المحصول وبالصنف الذي يريد.
تصديراً وتصنيعاً
ويكشف الخبير الزراعي عن المعضلة المتمثلة بقرارات وقف التصدير التي تصدر بين الحين والآخر، ما يترك الأسواق في حالة عرض كبير ويفيض عن حاجة الأسواق فتنخفض أسعار المنتج الزراعي إلى أقل من سعر التكلفة كما هو حاصل الآن مع محصول البطاطا، دون الأخذ بعين الاعتبار أن هناك تعاقدات تصديرية يكون قد تم إبرامها في بداية المواسم، متسائلاً: لماذا يتم اتخاذ مثل هكذا قرارات مفاجئة طالما هناك خطة وتقديرات للإنتاج منذ بداية الموسم تتيح وضع خطة تسويقية متكاملة تضمن للمزارع والمصدر وأيضاً للمستهلك حقوقهم!.
وبخصوص التصنيع يرى رئيس الغرفة أن المحافظة تبحث اليوم عن فرص استثمارية جديدة لمشاريع مبتكرة تبتعد عن التقليدية، وأهمها الحاجة إلى منشآت لتجفيف الخضر والفواكه والتي تعمل على مبدأ الصعق، وهي منتجات مطلوبة في الأسواق الخارجية وقد نجحت دول مثل تونس والمغرب ومصر في تصدير مثل هذه المنتجات إلى السوق الأوروبية، ما يتطلب حسب قوله تعزيز هذه الثقافة مستقبلاً للخروج من عباءة التصنيع التقليدي الذي ينحصر في رب البندورة والكاتشاب وغيره من الصناعات التقليدية، والتي وإن حققت ميزة نسبية في الأسواق الخارجية، إلا أنها لا تزال دون الطموح.

ما يعزز فرضية (من يصدر بندورة يصدر مياهاً)

ويختم المسالمة حديثه بالإشارة إلى ملف المياه التي تستهلكها المحاصيل الزراعية، وذلك في ضوء الاحتياجات الكبيرة والاستنزاف الجائر والذي بات ينذر بحدوث الكارثة، سيما وأن أغلب المحاصيل الزراعية في المحافظة تعتمد على مياه الآبار وهي مياه بخصائص نوعية وجودة عالية.

خلاصة القول
يبقى القول إن ما سلف ليس من باب إغفال أهمية زراعة هذا المحصول الذي يعد الأهم في درعا، والموّلد الرئيس لفرص العمل التي تزيد على 150 فرصة عمل محققة، بل يأتي من باب الإضاءة على هذا الملف على أمل أن يجد من يأخذ بيد هذا المحصول ليرفعه إلى مصاف المحاصيل ذات الجدوى الاستراتيجية، ويرفع من قيمه المضافة عبر قنوات تصريفه الثلاث استهلاكاً محلياً أو تصنيعاً أو تصديراً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار