ملف «تشرين».. تنمية صناعية وزراعية واستثمار وقوى عاملة.. تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى إعلان اقتصادي للم الشمل العربي

تشرين – رشا عيسى:
تحظى إعادة لمّ الشمل العربي مع عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية باهتمام بالغ، لكون هذه العودة خطوة غاية في الأهمية للمحيط العربي أولاً وللإقليمي ثانياً.
ومن الطبيعي أن يقابل الانفراج السياسي تنشيط للحركة الاقتصادية والتي لطالما كانت سورية في مركزها عربياً، والمتمثلة في منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي كانت تحمل هدفاً مهماً يتلخص بتحقيق التكامل الاقتصادي العربي والذي يبدو هدفاً أكثر إلحاحاً ليتحقق اليوم، نظراً لحاجة الدول العربية إلى العمل المشترك لمواجهة التحدّيات التي تواجهها وخاصة أن المرحلة القادمة تتطلّب نهجاً عربياً فاعلاً وبنّاءً على الصعيدَين الثنائي والجماعي يستند إلى قاعدة الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة للأمة العربية.

مدخل إلى الأسواق العربية
الباحث الاقتصادي الدكتور معن ديوب يشرح لـ( تشرين) أهمية منطقة التجارة العربية الحرة لكونها تشكل مدخلاً حالياً إلى الأسواق العربية التي كانت معتادة على المنتجات السورية المتنوعة ومن الممكن الحصول أيضاً على بعض التسهيلات تبعاً لنصوص الاتفاقية.

ديوب: تفعيل المنطقة يسهم في تنشيط العملية الاقتصادية

ووفقاً للمرحلة الحالية وبسبب الظروف الاقتصادية القاهرة وبسبب انخفاض الأجور نمتلك ميزة تنافسية أي نقدم منتجاتنا بأسعار أفضل مثل الصناعات النسيجية وغيرها، وندخل إلى الأسواق العربية كسلعة منافسة جداً، وهي استفادة مرحلية كما يؤكد ديوب الذي رأى أنه إذا نظرنا سريعاً إلى الحالة السائدة اقتصادياً، فإنّ تفعيل المنطقة يساهم في تنشيط العملية الاقتصادية وتحقيق الأرباح وزيادة تشغيل المعامل وزيادة القطع الأجنبي.
أما إذا كانت النظرة ذات بعد إستراتيجي كما يقول ديوب، فلذلك ترتيب مختلف، لأن المنطقة العربية إجمالاً تمتلك سلعاً متماثلة لا متكاملة، وهذه معضلة تواجه ليس فقط المنتجات السورية بل كل المنتجات العربية لأن التماثل يجعل المنتجات تنافسية لا تكاملية، وطبيعة منتجاتنا هي منتجات تحويلية والقيمة المضافة فيها ضئيلة وتعتمد على مستلزمات ومواد أولية مستوردة من الخارج.

أيوب: أهم الأحداث الاقتصادية التي شهدتها الساحة العربية هو الإعلان عن منطقة التجارة الحرة

لا يوجد تقسيم عربي للإنتاج وللصادرات وللعمل مقارنة بالمناطق الحرة في الاتحاد الأوروبي أو النافتا، حيث نلاحظ هناك وجود تقسيم دولي للعمل وبالتالي المنتجات تكاملية تختص كل دولة بمنتج معين ويستوردون ويصدرون لبعضهم بعضاً.

تطوير متعدد الاتجاهات
عضو اتحاد الغرف الزراعية الدكتور مجد أيوب يوضح أن لاتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية أهمية كبيرة في تطوير العمل الصناعي بالوطن العربي من خلال توجه الصناعيين لتحسين صناعاتهم سواء الزراعية أو الغذائية أو سواها لتنافس الصناعات الأجنبية المستوردة، وكذلك على إقناع الصناعيين في الدول المتطورة على إقامة معامل لهم في المنطقة العربية لانخفاض تكلفة الإنتاج باعتبار أجور اليد العاملة أقل من مثيلاتها في بلادهم وكذلك لإمكانية تسويق إنتاجهم إلى كل دول المنطقة العربية معفاة من الرسوم الجمركية وسواها، ما يزيد من قدرتها على المنافسة.
وأمل أن يكون للاجتماع الرباعي بين وزراء الزراعة في سورية والأردن والعراق ولبنان دور قوي في إعادة العلاقات التجارية البينية بين الدول العربية وألّا تكون الاتفاقية الموقعة بين الوزراء الأربعة حبراً على ورق.
ويشرح أيوب أن أهم الأحداث الاقتصادية التي شهدتها الساحة العربية في نهاية القرن العشرين هو الإعلان عن منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي بدأ العمل بها في ١/١/ ١٩٩٨ والتي انضمت الدول العربية إليها تباعاً واستجابت بشكل متفاوت لأحكامها وشروطها والأسس التي اعتمدتها وهي:
١ – إزالة الرسوم الجمركية تدريجياً خلال ١٠ سنوات والرسوم والضرائب الأخرى ذات الأثر المماثل على السلع ذات المنشأ العربي.
٢ – إلغاء القيود الإدارية والكمية والنقدية والعوائق غير الجمركية بين الدول العربية.
٣ – تطبيق مبدأ الروزنامة الزراعية مع الأخذ بالحسبان موضوع الإغراق.
٤ – تحديد القيمة المضافة بنسبة ٤٠% لإكساب السلع صفة المنشأ الوطني.

درويش: عودة تفعيل المنطقة الحرة العربية سيساعد في تحقيق تكامل عربي مشترك

كما أن قيام منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى كان له آثاره على كل الأنشطة الزراعية والاقتصادية والتجارية في الدول العربية، حيث نمت التجارة البينية العربية، غير النفطية، بنسبة سنوية قدرت وسطية ٠،٥% سنوياً. وكان لسورية دور مهم في هذه التجارة، حيث ارتفعت صادراتها بنسبة ٧،٧% في حين انخفضت مستورداتها ٣،١%، ويعود ذلك إلى النمو والتطورات الزراعية والصناعية التي شهدتها سورية خلال الفترة ١٩٩٥ – ٢٠١٠.
ولا تزال تأثيرات هذه المنطقة قائمة إلى يومنا هذا فيما يتعلق بإلغاء الرسوم الجمركية على الصادرات الزراعية والصناعية الوطنية بين الدول العربية، وكذلك تطبيق الروزنامة الزراعية وحسب الشروط المحددة في أسس إحداث المنطقة، وكذلك ما يتعلق بتحديد القيمة المضافة بنسبة ٤٠% على السلع ذات المنشأ الوطني وفقاً لأيوب.
ويوضح أيوب أن الاتفاقية واجهت خلال تطبيقها لتنمية وتحرير التجارة العربية البينية عدداً من المعوقات والصعوبات وذلك لتشابه هياكل الإنتاج العربي واعتمادها على إنتاج وتصدير المواد الأولية واحتياجها لاستيراد الآلات والمعدات والسلع المصنعة، ومن أبرز هذه المعوقات:
– معوقات سياسية
– معوقات اقتصادية والإجراءات المرتبطة بها.
– معوقات التبادل التجاري الزراعي البيني.
– القيود غير الجمركية المعتمدة في الدول العربية والتي يصعب إزالتها.
– تفاوت معدلات التعرفة الجمركية المطبقة في الدول العربية.
والحديث عن هذه المعوقات خاصة فيما يتعلق بما يواجه المنتجات السورية كبير جداً.
ويشرح أيوب أنه يعمل في مجال تطبيق اتفاقية المنطقة عدد من المنظمات والمؤسسات والهيئات الإنمائية والتحويلية في مجالات التنمية الزراعية والأمن الغذائي العربيين، وهي تهدف إلى تدعيم الجهود الغربية لتحقيق غايات الأمن الغذائي وغايات وأهداف التكامل العربي في المجال التجاري وأهم هذه المنظمات:
– المنظمة العربية للتنمية الزراعية.
– المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين.
– صندوق النقد العربي وبرنامج تمويل التجارة العربية.
– المنظمة العربية للأراضي الجافة والمناطق القاحلة (ايكاردا(.
– الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية.

تحفيز للتطوير
من جهته، الباحث الزراعي الدكتور مجد درويش وجد أن عودة تفعيل المنطقة الحرة العربية سيساعد في تحقيق تكامل عربي مشترك على مختلف الصعد ولاسيما منها الزراعي والصناعي كخطوة في سبيل الوصول إلى التضامن العربي من خلال زيادة تبادل الصادرات والسلع الزراعية والصناعية وعبر تفعيل أسس وبنود الاتفاقيات التجارية الحرة المبرمة قبل عام ٢٠١١ ذات الصلة.
تعد هذه البادرة محفزاً لتطوير الواقع الحالي لكثير من الدول العربية وذات أهمية في تبادل المعارف العلمية على مستوى القطاع الزراعي ولتشجيع استخدام الطاقات المتجددة والاستفادة من تجارب بعض الدول العربية التي قطعت شوطاً لا بأس فيه في هذا المجال ولضرورة الوصول إلى زراعة نظيفة ومنتج زراعي غذائي صحي لجميع الأطراف.
كما يبرز دورها على مستوى القطاع الصناعي في زيادة كفاءة الإنتاج الصناعي وفي تطوير وتحسين جودة المنتج الصناعي وتقنيات إنتاجه، كما أن هذه العمليات التجارية ستصب عاجلاً أم آجلاً في تحسين مستوى الدخل، وستحقق تنمية اجتماعية ملموسة لمواطني البلدان الداخلة في نطاق عمل المناطق الحرة ما يساهم في رفع مستوى معيشتهم.

كواية: الصناعات السورية مطلوبة في كل الدول العربية

كما أن وجود مثل هذه المناطق وتفعيل عملها سيساعد وبشكل مباشر في تحقيق تنمية عربية مستدامة تعدّ رافداً لاقتصاديات البلدان المشاركة بها، وذلك في وقت نحن بأمس الحاجة لتفعيل مضامين التعاون العربي المشترك، وصولاً إلى اقتصاديات السوق المشتركة، ولتحديد إسترتيجية زراعية وصناعية وتجارية موحدة تشارك في رسمها أغلبية الدول العربية التي تتمتع بإمكانات واقتصادات متنوعة.

زيادة بتشغيل المعامل
بدوره، رحب الصناعي مصطفى كواية بالانفتاح العربي قائلاً: إذا عدنا إلى قبل العام 2011 نستطيع أن نصدر إلى كل الدول العربية مثل دول الخليج العربي والمغرب العربي وغيرها، ما يعد أمراً ممتازاً جداً على مستوى تسويق المنتجات، ويشكل أي انفتاح على الدول العربية أو الغربية أمراً مهماً لصناعتنا ومشغلاً لمعاملنا،

تنبكجي: الحرفيون السوريون يستطيعون أن يلعبوا دوراً مهماً من خلال تصدير منتجاتهم

مضيفاً: نعتمد على مهاراتنا وسمعتنا، فنحن نمتلك أسس الصناعة ونحقق منتجاً مصنعاً بشكل صحيح وأي انفتاح يساعد على تطوير الصناعة، وخاصة أن الصناعات السورية مطلوبة في كل الدول العربية ولاسيما الصناعات النسيجية والأدوية وكذلك الصناعات البلاستيكية .

الحرفيون مستعدون أيضاً
أمين سر حاضنة دمر المركزية للفنون الحرفية عدنان تنبكجي وجد أن الحرفيين السوريين بإبداعاتهم يستطيعون أن يلعبوا دوراً مهماً من خلال تصدير منتجاتهم الحرفية للتحف البديعة إلى الأسواق العربية، حيث ثبت أن المنتج اليدوي زاد الإقبال عليه في ظل تطور المكنات والأتمتة والعصرنة، وأخص بالذكر النحاسيات وتنزيل الصدف على الخشب والموزاييك والقاشاني ونفخ الزجاج.
ويبرز الدور الحرفي في دعم الاقتصاد الوطني عبر ولوجه أكثر إلى الأسواق العربية التي تعد منفذاً أساسياً لتسويق هذه الحرف البديعة.

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. أفق جديد للشراكات الاقتصادية السورية مع المضمار العربي.. ملفّات كثيرة تنتظر التصويب والحسم بعد إنجاز الخطة الأولى

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار