ملف «تشرين».. أفق جديد للشراكات الاقتصادية السورية مع المضمار العربي.. ملفّات كثيرة تنتظر التصويب والحسم بعد إنجاز الخطة الأولى

تشرين- بارعة جمعة:

عودة العرب إلى سورية، ربما هي التعبير الأكثر دقّة لما تم العمل به مؤخراً من اتخاذ قرار بعودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية، فلا معنى للعروبة من دون وجود سورية، ولا قيمة لأي عمل بغيابها، سورية الغائبة الحاضرة في ميدان العمل المشترك، تُعيد حساباتها اليوم وفق اعتبارات حملت معاني العودة وتصحيح أخطاء الآخرين، لتثمر فيما بعد نهجاً عربياً مشتركاً، يخط معاني الانتصار السياسي والاقتصادي للبلاد، فما الذي ينتظر الاقتصاد السوري بعد استعادة مقعدها في الجامعة العربية؟ وهل العودة لاتفاقيات المنطقة الحرة العربية الكبرى تحتاج وقتاً.. أم هي عودة مباشرة؟!

تصحيح الخطأ
لا يختلف اثنان بأن ما تم اتخاذه من قرار بتجميد عضوية سورية في الجامعة العربية هو قرار غير شرعي، كما أنه يمكننا القول إن العودة اليوم ليست لإثبات الحق بها، بل هي تكريس لمفهوم عدم فاعلية الجامعة بغياب سورية، بسبب غياب العمود الفقري للجامعة وحجر الرحى للعالم العربي ككل، وفق توصيف الأستاذ في القانون الدولي في جامعة دمشق الدكتور أوس درويش، لذا علينا القول والتأكيد أن لا معنى للعروبة من دون سورية، كما أن العودة بادرة جيدة تحمل تفاؤلاً كبيراً، لما لها من تأكيد على بدء الدول العربية بأخذ أدوارها بعيداً عن أمريكا.

عودة سورية ستعيد دور الجامعة العربية في حلّ الكثير من الأزمات كما كانت سابقاً

«العودة ليست لصالحنا»، هي فحوى تصريحات صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، وتأكيد آخر على أهمية هذه الخطوة في قلب الموازين السياسية العربية والعالمية برأي درويش، فيما للاقتصاد حسابات أخرى، الذي قد يأخذ وقته للتحسن ولعودة تفعيل الاتفاقيات القديمة برأيه، التي ستحدث لكن على المدى المتوسط أو البعيد.
من الطبيعي ترميم الخلافات أولاً، ومن ثم الانطلاق لأعمال مشتركة، ولاسيّما أنه خلال الاثني عشر عاماً التي مضت من عمر الحرب، نشأت تعقيدات وجروح ستأخذ وقتها، ولن تكون العودة بسيطة للاتفاقيات أو بين ليلة وضحاها وفق الدكتور درويش، كما أنها معرضة للضغط الأمريكي، الذي لن يناسبه حدوث هذا الأمر.

الدكتور درويش: حرب الاثني عشر عاماً ولّدت جروحاً يجب ترميمها أولاً وعودة الاتفاقيات العربية لن تتم بين ليلة وضحاها

ستعود سورية لأخذ دورها كما كانت سابقاً، التي عجزت من دونها الجامعة عن اتخاذ موقف من ممارسات الاحتلال تجاه الفلسطينيين ولو بموقف إدانة تجاهها، بينما سورية التي حضرت سابقاً في حل أزمات كثيرة كالحرب الأهلية في لبنان تعود لتفعيل دور الجامعة بمبادرة وصفها درويش بالطيبة.

مواجهة ثنائية
لا يمكن الفصل بين لعبة السياسة والاقتصاد، حقيقة أجمع عليها الكثير من الخبراء ممن عايشوا الأزمات والحروب، يؤكدها ميدان النزاع السوري الذي حمل أوجهاً عدة، جعلت من التحسن الاقتصادي رهن الورقة السياسية بأبعادها المختلفة، وكما في كل مرحلة لابد من دراسة واقع الأمور بعد التوجه الأخير للعرب باحتضان دمشق مجدداً، وقراءة أبعاد هذا التحوّل اقتصادياً بالدرجة الأولى، برأي الصناعي عاطف طيفور، لما له من عظيم الأثر في رسم ملامح المرحلة المقبلة، التي ستشهد تفعيل الاقتصاد بشكل مباشر عبر لجان فرعية ووزارية، لمتابعة الأمور الاقتصادية، التي وفقها سيتم تفعيل الاتفاقيات السابقة بشكل تلقائي.

الصناعي طيفور: بعد العودة هناك ملفات كثيرة تنتظر الحسم منها

إعادة الإعمار وعودة اللاجئين وهما من أضخم الملفات اليوم

ملفات كبيرة تنتظر الحسم والعمل بها، أولها وأهمها ملف إعادة الإعمار وملف عودة اللاجئين كمرحلة أولى وفق طيفور، وتعد ملفات ضخمة وتعادل بأهميتها الملفات القديمة كالجمارك والنقل والشحن والتبادل التجاري، لتبقى الآمال مُعلّقةً بمدى القدرة على التماشي مع التغييرات العالمية التي لحقت الاقتصاد العالمي والتوجه العام، بما في ذلك تعدد الأقطاب والاتفاقيات والتحالفات، وهو الأمر الذي لو تم العمل ضمن منهجيته الجديدة واعتماد التبادل التجاري بالعملات المحلية والمقايضة، سيكون من أهم الاتفاقيات التي ستجاري أفق التعامل الواسع كما هي حال الاتحاد الأوروبي ودول البريكس، التي إن حصل ووصلنا إليها سنكون قطعنا أشواطاً كبيرة برأيه.
دراسات وقائية
الحديث عن ملف إعادة الإعمار يعني الاعتماد على المقاولات، التي ستؤمن العمل لما يقارب 99 مهنة، ما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد السوري والاستهلاك، وفق رؤية الصناعي عاطف طيفور، فيما لعودة اللاجئين دور في رفع نسبة الاستهلاك والتوريدات أيضاً، لذا لابد من الأخذ بالحسبان القيام بإجراءات احترازية اقتصادية وقائية لنسبة التداول، تفادياً للوقوع في مأزق التضخم أو ارتفاع الأسعار، الأمر الذي يتطلب القيام بإجراءات استباقية.

الدكتور فضلية: نحن متفائلون بالأفضل تحليلاً ومنطقياً ولا نؤمن بأي رأي يُخالف هذا الموضوع

كما أن العودة اليوم ستحمل معها علاجاً لأي عرقلة للعمل قد يفكر بها البعض، برأي طيفور، لأنه من الطبيعي أن يحدد اجتماع القمة عودة سورية تلقائياً وبشكل فوري للاتفاقيات السابقة القديمة، إضافة لطروحات جديدة تتعلق بالاتفاقيات الجديدة، فالعالم تغير وتغيرت معه العقلية القديمة في عملية التبادل الثنائي بين الدول بالمقايضة والتبادل، وسيفتح هذا أفقاً واسعاً بينها، كما أن الاتفاقيات في المنطقة الحرة تواجه معادلات جديدة على الساحة العالمية، والنظريات أثبتت نجاحها بالنسبة للجميع، سورية والعرب.

وجهة واحدة
الحديث عن أي تحرك سياسي، يقابله بُعدٌ اقتصادي، يعود بالنفع على الأطراف كلها، كما أن الأزمة في سورية أثبتت هذه المعادلة بطرفيها السياسة والاقتصاد، آخذةً الجميع لمسار التفاهمات السياسية أولاً، الذي منح البعض تفاؤلاً بتحسن الواقع الاقتصادي بشكل سريع، وإن لم يكن غير معلن، الأمر الذي وصفه الدكتور في علم الاقتصاد في جامعة دمشق عابد فضلية بالوجهين لعملة واحدة، لتلازم المسارين من حيث الضرر والفائدة، متسائلاً في الوقت ذاته: ما إيجابيات المقاطعة العربية إذاً؟ فقد خسر العرب ميزات التعاون الاقتصادي معنا.
عشر سنوات كانت كفيلة بمقاطعة ثلاثة أرباع العالم لنا، منها دول مُجبرة ومنها مُحرجة، كان السبب فيها سياسياً «ظالمة أمريكية – غربية وحيدة الجانب»، فرضتها دول الهيمنة، ليأتي بعدها الحراك السياسي الإيجابي بين سورية ودول صديقة عدة كالصين وروسيا وإيران والإمارات العربية المتحدة ومؤخراً السعودية ومصر والأردن، والذي هو حراك اقتصادي سواء كان مُعلناً أم غير مُعلنٍ، لذا التشاؤم اليوم لن يغير من حقيقة الأمر التي ستحمل تطوراً وتحرراً منطقياً للاقتصاد السوري وليس تراجعاً، والنتيجة هنا هي “تحصيل حاصل” وفق توصيف الدكتور عابد فضلية، لذا نحن متفائلون بالأفضل «تحليلاً ومنطقياً»، ولا نؤمن بأي رأي يُخالف هذا الموضوع.

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. أبعاد اقتصادية مشروطة بكسر العقوبات الغربية.. خبراء يستشرفون أفق ما بعد عودة سورية إلى جامعة الدول العربية.. 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار