فن القصة من الملحمة إلى الومضة الدكتور زهير سعود: النقد كرقيب صارم أسهم في تحسين مستوى النتاج الأدبي
تشرين- ثناء عليان
“فن القصة من الملحمة إلى الومضة”عنوان المحاضرة التي ألقاها الدكتور زهير سعود بدعوة من الجمعية العلمية التاريخية بجبلة.. تحدث فيها عن تاريخ القصّة وتشكيلها الفنّي وعوامل نشأتها، والنقد الأدبي وأثره في الكتابة، وتعرّض لإشكاليات القصة القصيرة جداً في الممارسة العربية، مقدماً شروحات في ماهية هذا الإبداع، ومدخلاً نظرياً لفهمها.
كما تطرق إلى الفنون والأجناس الأدبية التي برع فيها العرب كالشعر والخطابة والأمثال القديمة، مشيراً إلى أن بقية الأجناس الأدبية كالقصة والرواية والمسرحية قد تأخرت إلى العصر الحديث عبر المثاقفة والاحتكاك مع الغرب.. وتحدث سعود خلال المحاضرة عن كتابه النقدي الذي حمل عنوان المحاضرة نفسه “فن القصة من الملحمة إلى الومضة” قائلاً: لم أجد ما اقتضى بحثاً عميقاً ومطوّلاً في الأساليب السردية للنصوص الكتابية كما هو عليه الأمر في فن القصّة القصيرة جداً، محذراً من مغبّة الاستخفاف بهذا الفن والنظر إليه من زاوية الحجم السردي لا أكثر، مؤكداً أن هذا الفن هو ثمرة تبدلات عميقة شغلت البنى الاجتماعية والثقافية والنفسية للإنسان، في سياق تطور حتمي لوعي الفرد وعولمته، مشيراً إلى جملة التبدلات الحاصلة لدى البشرية منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى الآن.
وبيّن سعود أن كتابه قدّم دراسة تفصيلية في مفهوم القصّة وعناصرها التشكيلية، إذ لم تكن غايته شرح آليات تشكيل الفن وفروقات تنويعاته فحسب، بل هي مقدمات ضرورية لبلوغ آخر الصيغ الكتابية للقصّة، واستعان بالدور الريادي الذي لعبه النقد الأدبي منذ ظهوره بالخيمة الذبيانية وحتى وقوفه على مدرسة تل كيل الفرنسية وتفكيكية جاك دريدا مروراً بالنقد العربي الحديث ونزعات المدرسة البنيوية والتأويلية لرولان بارت.
وقدّم سعود شروحاً تفصيلية بتلك المدارس وأثرها في إعادة صياغة الفن ونجاح قراءته وفهمه، مؤكداً أن الهدف من هذه الشروح إيصال رسالة مهمة وهي عدم الوقوع بمطبّ الاستسهال والاستخفاف بقيمة الأدب ما بعد الحداثي، مستعيناً على فكرته بمعظم المدارس النقدية العربية منها والغربية، معتمداً على ترتيب موضوعاته بالانطلاق من القديم إلى الحديث ومن العام للخاص، ومؤكداً أن ما يهمّ في الومضة هو مكونات القصة من حدث وبيئة وشخصية، بغض النظر عن خطاب الحكاية الذي تتلاشى مكوناته السردية في بنية التكثيف.
ويميّز سعود بين القصة والحكاية، فيؤكد الطبيعة الموضوعية للقصة من خلال عناصرها الأساسية وهي الحدث والبيئة والشخصية، في حين يرى استقلالية الحكاية وطبيعتها الذاتية بطريقة الأداء الفني لرواية القصّة، فقد ابتدأت تاريخياً بالرواية الشعرية عن طريق الملاحم وكان أولها ملحمة جلجامش السورية المكتوبة على الألواح الطينية. ثم انتقل الخطاب للسرد مع الرواية التي خرجت من رحم الملحمة، رافضاً التعصّب الأوروبي باعتبار أول رواية صدرت هي لسرفانتس دون كيخوت، حيث سبقتها بعدة قرون رواية أبولوس الأمازيغي الحمار الذهبي، ومؤكداً أن أول رواية عربية هي سورية المنشأ.
وتحدث عن ظهور النقد وقيمته التاريخية منذ خيمة الذبياني وحتى مدارس النقد الحديثة، مقدماً تعريفات تفصيلية بمعنى النصّ الأدبي وشرطه، ومعنى الجنس وعوامل نشأته والعناصر الجامعة فيه، شارحاً فروقات التعريف بالمصطلحات بين هذا الناقد وذاك، ومؤكداً أن وظيفة النقد لا تقف على إخراج الغثّ من الفنون لرميها بالرفض، بل إن له وظيفة مهمة في شرح الأساليب وإظهارها وإبراز قيمها وخلاصة معانيها، ولا سيّما مع ظهور الأدب الرمزي والتأويلي، واشتراك المتلقي في عملية إنتاج الأدب، ولهذا لم تقف مهام النقد على قراءة الأدب قراءة تفصيلية فحسب، بل لقد أسهم إسهاماً بليغاً في تحسين مستوى النتاج الأدبي، لما يؤديه من رقابة صارمة على الفنون.
وبيّن سعود أن الخيال الإبداعي ثمرة مخزون العقل الباطني الذي شبّهه بالعضلة إذ تقوى بالتمرين وفعل القراءة، مؤكداً قيمة الرمز كوسيلة تواصلية متنوعة تبعاً لنوع الفن وتصانيفه، ويشغل الرمز مختلف عمليات الإنتاج، بدءاً بالمعجم اللغوي وحروفه الرمزية، كحروف الهجاء المختصّة بالكتابة في معاجم الأقوام، والحروف الموسيقية والسلم الموسيقي المتخصص بالإنتاج الموسيقي، والخطوط والألوان لإنتاج الرسم.
ويختتم سعود مؤكداً أن كتابه ” فن القصة من الملحمة الى الومضة” يقدّم تعريفاً شاملاً بهذا الجنس الأدبي، كما يقدم دراسة تفصيلية حول نصّانية الجنس وأدبيته وإثبات عناصر القصة فيه، ويتناول شعرية الفن بخصائصه وأركانه وتقنياته.