ملف «تشرين».. المقاومة الشعبية السورية وحلفاؤها يغيرون قواعد اللعبة نحو معادلة « الرعب المضاد».. كيف يمكن للمحتل الأميركي أن يرد على مقاومة هي من يختار توقيت المواجهة ويتحكم بنتائجها ؟؟
تشرين – مها سلطان:
هدوء ما قبل الضربة التالية، وعلى الأكيد ستكون أكبر وأوجع، ولن يطول الوقت حتى تقع، مع فارق أنه في هذه الضربة التالية لن نسمع المحتل الأميركي يرفع صوته مهدداً متوعداً، ولن نراه يسارع إلى «الرد» لأن «الرد على الرد» سيكون أخطر وبما يُعمّق، بصورة مخزية ومهينة، خسائره المادية والمعنوية ليس في سورية فقط حيث يتواجد هذا المحتل في الشمال والشمال الشرقي منها، أو في العراق، بل في مجمل المنطقة.
هذه القاعدة التي أرستها المقاومة يومي الخميس والجمعة الماضيين «23 و24 من آذار الجاري» سيعلقها المحتل الأميركي حلقة في أذنه، تذكره دائماً بأن تواجده في سورية إلى زوال، وأن عملية الإزالة قد بدأت، ولا تراجع عنها، وفيما يسيطر الانتظار والترقب لما سيكون عليه المشهد الميداني في الأيام المقبلة، بات في حكم المؤكد أن المحتل الأميركي سيعد إلى المئة قبل أن يتخذ أي خطوة على الأرض، فلا بدّ له من إعادة الحسابات، على الأقل باتجاه إعادة انتشار لأوراقه الميدانية، لكنها لن تكون بالمهمة السهلة على الإطلاق، واحتمالات فشلها أكبر من احتمالات نجاحها، استناداً لمعادلات عربية – إقليمية جديدة، بدأت تفرض نفسها بقوة، فيما المحتل الأميركي لا يزال من دون إستراتيجية واضحة للتعامل مع هذه المعادلات ومنعكساتها على الأرض السورية، هذا من جهة.. ومن جهة ثانية لمواجهة مقاومة تستعد في الأيام المقبلة لتفجير الأرض من تحته والسماء من فوقه.
المحتل الأميركي مرتبك.. كيف يرد وكيف يمكن احتواء الرد على الرد إذا ما جاء أوسع جغرافياً وأشد قصفاً وأطول زمناً
متى المواجهة المقبلة؟
سؤال يسيطر ويستحضر معه القانون الدولي وما يقوله في مسألة التواجد الأميركي في الشمال والشمال الشرقي من سورية، والضربات التي يتلقاها من المقاومة.
ورغم أن القانون الدولي واضح:
.. لجهة أن أميركا قوة محتلة في سورية بقواتها وقواعدها العسكرية.
.. ولجهة أنها تستهدف دولة مستقلة عضواً في الأمم المتحدة وفي مؤسساتها ومنظماتها.
.. ولجهة أن هذه القوة المحتلة لا تخفي مخططاتها التدميرية ضد سورية دولة وشعباً.
.. ولجهة أنها تتآمر لتقسيم سورية ديمغرافياً وجغرافياً بهدف إضعافها وإسقاطها في براثن الطائفية والاقتتال الأهلي، وبما يسهل لهذه القوة المحتلة نهب خيرات سورية وثرواتها.
.. ولجهة أن أميركا، كقوة احتلال، تمارس الإرهاب في سورية ـ والاحتلال أعلى أشكال الإرهاب – لأنه متضمن لكل الممارسات ضد الإنسانية وخصوصاً جرائم الحرب والإبادة الجماعية حيث تشن الولايات المتحدة حربين في سورية؛ حرب عسكرية إرهابية، وحرب تفقير وتجويع عبر الحصار الظالم الجائر الذي تفرضه على الشعب السوري والذي لم يسلم منه حتى الأطفال، إذ إن الحصار الأميركي يستهدف بعقوباته القطاع الصحي في سورية بما فيه مشافي الأطفال ومنتجات الأدوية الخاصة بهم.
مع ذلك فإنّ أميركا تواصل احتلالها لمناطق في سورية من دون التفات للقانون الدولي، والاحتلال بالأساس تم بناء على قرار داخلي أميركي وليس على قرار أممي، أي ليس على إجماع، أما ما يُقال في مسألة التحالف الدولي الذي تم تشكيله في عام 2014 والذي تتزعمه الولايات المتحدة، بذريعة محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي، فلا يعدو إلّا كذبة أميركية أخرى، أميركا بلسان رئيسها السابق دونالد ترامب في عام 2019 أعلنت هزيمة نهائية لتنظيم «داعش» الإرهابي، تمهيداً للانسحاب من سورية وبجدول زمني محدد أعلنه ترامب نفسه.. لكن هذا الإعلان لم يتجاوز عمره 24 ساعة فقط ليتم التراجع عنه، وبالذريعة نفسها المتعلقة بتنظيم «داعش» الإرهابي وأنه لا يزال يشكل خطراً، على أميركا طبعاً، وليس علينا، باعتبار أنها تتواجد كقوة احتلال في سورية بحجة حماية الأمن القومي الأميركي.. أما في حقيقة الأمر فهي أن أميركا أعادت إنتاج «داعش» بنسخة أخرى من الأبناء هذه المرة، ليحلوا محل الآباء الذين قضوا في أغلبهم على يد الجيش العربي السوري.
ولأن القانون الدولي لا يقول كلمته في كل ما سبق.. ولأن المواجهة العسكرية المباشرة غير متاحة لأسباب معلومة للجميع، كان لا بدّ من المواجهة على طريقة الشعوب الحرة مسنودة بأصدقاء موثوقين يرفعون معها الراية نفسها ويعملون للهدف نفسه، وهو التحرر من المستعمر بجميع نسخه التي يأتينا بها، وصولاً إلى منطقة مستقرة بدولها، آمنة بشعوبها.
وتالياً لا يحق لأميركا الاعتراض على ما تتلقاه من ضربات المقاومة، ولا يحق لها التهديد، وهي التي تتواجد في سورية كقوة احتلال وإرهاب، وعليها أن تدرك أكثر من أي وقت مضى أن لا شيء سيغير قدراً محتوماً بالهزيمة على يد المقاومة الشعبية السورية وحلفائها.. وأن الوقت لن يكون طويلاً قبل أن نشهد هذه الهزيمة.. رياح العرب والإقليم تجري اليوم بما تشتهي سورية وأكثر.
أميركا أعادت إنتاج «داعش» بنسخة أخرى من الأبناء ليحلوا محل الآباء
الذين قضوا في أغلبهم على يد الجيش العربي السوري
لم تكن الضربات التي وجهتها المقاومة الشعبية السورية وحلفاؤها يومي 23 و 24 الشهر الجاري ضد القواعد الأميركية غير الشرعية في سورية.. لم تكن الأولى، فهي تأتي في سياق ضربات وعمليات أطلقتها المقاومة منذ حزيران 2021 لتسجل 77 استهدافاً في سياق تصاعدي وصولاً إلى الاستهداف الأخيرالـ 78 والذي كان من القوة والتأثير، ومن التكاتف والتنسيق، ومن التدبير والتخطيط، لدرجة ما زالت معها الولايات المتحدة في حالة صدمة وارتباك.. كيف يكون الرد، وكيف يمكن احتواء الرد على الرد إذا ما جاء أوسع جغرافياً وأشد قصفاً.. وأطول زمناً؟
لنوضح أكثر ونعرض جملة الأسئلة التي بات المحتل الأميركي يخشاها فعلاً ما بعد الضربات الأخيرة التي تلقاها.
أولاً، إذا ما صح أن الضربات كانت منسقة ومتزامنة من الأراضي السورية والعراقية، فهذا يعني أن المقاومة الشعبية السورية وحلفاءها يعملون على توحيد الساحات بمواجهة المحتل الأميركي، وهي بذلك تقلب المعادلة، إذ إن الاحتلال الأميركي هو من استغل منذ البداية التجاور السوري العراقي ليوحد الساحتين بهدف تعزيز تواجده عسكرياً ولوجستياً، والمقاومة اليوم تفعل الأمر نفسه.. فكيف يمكن للمحتل الأميركي أن يستمر في رهانه على أن تواجده في هذه المناطق بالذات، كحد فاصل بين سورية والعراق، يمكن أن يحقق هدف الفصل بين الدولتين سورية والعراق، جغرافياً وشعبياً، وبالتالي منع قيام مقاومة موحدة ضده في كلتيهما.
ثانياً، إذا كانت المقاومة الشعبية السورية وحلفاؤها استطاعوا دك قلب القواعد الأميركية، وليس أطرافها، أو على مقربة منها، كما كان الحال سابقاً، وصولاً إلى إيقاع قتلى ومصابين بين المحتلين الأميركيين، فهذا يعني أن هذه المقاومة باتت أقوى تسليحاً وأكثر حضوراً على الأرض.. والأهم هو وفق إجماع المراقبين والمحللين أن هناك قراراً مُتخذاً بطرد المحتل الأميركي من سورية «ومن كل المنطقة» وفق خطط مرسومة وأهداف موضوعة، وأن الضربات الأخيرة ليست سوى بداية لمسار تصاعدي من الضربات التي ستكون نوعية في قوتها وامتدادها، وشدة تأثيرها.. وعليه كيف يمكن للمحتل الأميركي أن يرد على مقاومة هي من يختار توقيت المواجهة ويديرها ويتحكم بنتائجها، وهي من يهدد ويتوعد بالأقسى والأشد.
المحتل الأميركي بات أمام موازنة حساسة جداً لناحية تغليب الأهمية الإستراتيجية
لتواجده في سورية مقابل تجاهل الخسائر البشرية الباهظة
ثالثاً، لأول مرة منذ بدء ضربات المقاومة قبل عامين، يتسع إطار المواجهة خارج الحدود.. وإذا كان المحتل الأميركي يهدد إيران – على سبيل المثال- باستهداف أماكن تواجدها في سورية «وهو تواجد شرعي وبطلب من الدولة السورية» في رده على الضربات الأخيرة ويقول إنها هي من يدعم المقاومة ويسلحها.. فهذا يعني أنه أدخل نفسه في مقامرة غير محسوبة، وها هي إيران لا تنتظر لترد على المحتل الأميركي وتؤكد أن «أي هجمات على قواعد أقيمت بطلب من سورية ستقابل برد فعل فوري»..وإذا كان التهديد الإيراني دفع المحتل الأميركي للتخفيف من مستوى تهديداته فهذا يعني أنه دخل في حالة عدم يقين.. وعليه كيف يمكن أن يرد المحتل الأميركي إذا ما استمر في حالة عدم اليقين، وهل بإمكانه ألّا يرد، وهو يرى الصواريخ تدك قواعده وتفتك بجنوده؟ هذه هي المعادلة الأهم التي حشرت فيها المقاومة المحتل الأميركي، فهو خاسر في الحالتين، في حالة الرد.. وفي حالة عدم الرد.
رابعاً، إذا كانت القاعدة الأساسية تقول إنّ المحتل الأميركي لن يرحل من دون خسائر بشرية مكلفة، فهذه قاعدة باتت سهلة التنفيذ على المقاومة الشعبية السورية وحلفائها، يكفي أن تشن سلسلة ضربات من نوعية الضربات الأخيرة، على أن تكون متقاربة في الزمن، ومكثفة في قوتها النارية، ومتسعة في امتدادها الميداني، لتوقع أكبر خسائر ممكنة بشرياً ومادياً ومعنوياً.. عندها لن يجد المحتل الأميركي بدّاً من الرحيل.
الآن.. في حال تحققت هذه الخسائر البشرية المكلفة، سيكون المحتل الأميركي أمام موازنة حساسة للغاية لناحية الأولويات: تغليب الأهمية الاستراتيجية للتواجد في هذه المنطقة الحيوية ما بين سورية والعراق، مهما كانت التكلفة البشرية.. أم تغليب العامل البشري/المادي على حساب خسارة أميركا في سورية ومجمل المنطقة.
في أميركا من يمتلك قرار تغليب هذا أو ذلك؟
تاريخ الحروب والهزائم الأميركية من فيتنام إلى أفغانستان، دائماً ما كان يأتي لمصلحة العامل البشري على حساب الخسائر الإستراتيجية، وهذا بفعل الضغوط الشعبية وليس بفعل السياسات والسياسيين الذين يحسبونها بمقاييس المال والأعمال، والتمدد الإستراتيجي باعتباره إحدى القواعد الرئيسة التي يقوم عليها التفرد الأميركي بالزعامة العالمية، وتالياً في سورية سيتم حسابها كذلك وسيرضخ السياسيون لضغوط الرأي العام الأميركي في حال كانت هناك تكلفة بشرية باهظة.
معادلات عربية- إقليمية تفرض نفسها والمحتل الأميركي لا يزال من دون إستراتيجية واضحة للتعامل معها
كل ما سبق وغيره، هو تماماً في قلب الحسابات الأميركية، فهل من مهرب للمحتل الأميركي؟
لا شك في أن المحتل الأميركي منخرط حالياً في البحث عن مخارج، وهي وإن كانت تبدو محدودة لكنها قد تخدم الهدف الأميركي ولو مؤقتاً.
– تركيا، شريكة مع الاحتلال الأميركي، قد تجد لها مصلحة، والنظام التركي وإن كان يفاوض حالياً الدولة السورية، لكنه في الوقت نفسه يماطل ويناور ميدانياً، هو لا يريد إنهاء احتلاله لمناطق في شمال سورية مثله مثل الأميركي..
– هناك اتفاقات أميركية أمنية مع دول في المنطقة لا تزال قائمة وسارية المفعول وهي أيضاً تخدم الهدف الأميركي..
على المحتل الأميركي أن يدرك بأن لا شيء سيغير قدراً محتوماً بالهزيمة على يد المقاومة الشعبية السورية وحلفائها
.. هذا إلى جانب الميدان السوري نفسه حيث يتواجد المحتل الأميركي، لا تزال ميليشيا قسد ومعها «داعش» الإرهابي في الخدمة، بقاؤها مرتبط بالأميركي ومشروعه التقسيمي لسورية.
– وهناك أيضاً الهروب باتجاه عدوان واسع النطاق ينفذه كيان الاحتلال الإسرائيلي.
لكن الوقت يدهم الأميركي، المواجهة المقبلة إذا ما كانت قريبة، سترسم خطوطاً سوداء جديدة متعاكسة على صورة التواجد الأميركي في سورية، المواجهة المقبلة قد تكون بلا رد أميركي، وإذا كانت كذلك فهذا يعني بداية النهاية للمحتل الأميركي في سورية.
اقرأ أيضاً: