ملف «تشرين».. انفتاح اقتصادي واسع الطيف وبنية تشريعية وطنية تحقق مقومات بيئة الأعمال الناجحة.. أفق واعد في العلاقات السورية- الروسية

تشرين – رشا عيسى:
تفتتح زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى روسيا الاتحادية ولقاء القمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين مسارات جديدة في العلاقات بين البلدين الحليفين والصديقين، وكذلك في الاتفاقات المرتبطة بالمجالات السياسية والدفاعية والاقتصادية.
يتطور التعاون الاقتصادي السوري- الروسي، بشكل ملحوظ خلال السنوات السابقة، ليشكل طريقاً مفتوحاً بين دمشق وموسكو، أملاً في تعزيز هذا التعاون واستعجاله ليصل إلى مستوى العلاقات السياسية التاريخية بين البلدين الصديقين .
وخلال التطور التدريجي في التعاون بين الجانبين، أصبحت روسيا هي الشريك الدولي الأول في الجانب الاستثماري لسورية التي تمتلك فرصاً استثمارية كبيرة وواعدة جداً في قطاعات متنوعة سواء على مستوى الطاقة أو على مستوى الموارد في القطاعات المتنوعة.

الجاموس: الاستفادة من الشركات الروسية الصديقة في التنقيب عن النفط بحقول جديدة وكذلك بالنسبة للغاز والفوسفات أمر مهم

وتشهد الشراكة الاقتصادية بصيغها الاستثمارية والتجارية زيادة واضحة مدفوعة باستقطاب الاستثمارات مع وجود بيئة وطنية قانونية وتشريعية مناسبة وجاذبة لتحفيز واستقطاب الاستثمار متجسدة في قانون الاستثمار رقم 18 للعام 2021 الذي يقدم ضمانات كبيرة للمستثمرين على المستوى التشريعي وعلى مستوى استقرار الإجراءات، مع مروحة واسعة من الحوافز والمزايا والإعفاءات المقدمة التي يوفرها القانون والتي تعد الأكبر في تاريخ سورية ومن الأفضل على مستوى المنطقة، ما يرسو المزيد من الاستقرار لصيغة التعاون الاقتصادي بين الطرفين، ويحقق المقومات اللازمة لبيئة أعمال ناجحة.
وتمثل المرحلة المقبلة واحدة من أهم عناصر العمل لإنجاز هذه الاتفاقيات على الأرض، وسيكون العمل لدفع هذه العلاقات نحو المزيد من التقدم عنواناً بارزاً للأيام المقبلة.

الطاقة والإسكان ميادين واسعة للاستثمار

الباحث الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس يرى أن الوقت قد حان لإعادة بناء وإحياء البنية التحتية الاستثمارية الضرورية للاقتصاد الوطني وأساسها الطاقة التي تشكل فرصاً مهمة لاستخراجها واستثمارها، وتعد الشركات الروسية العاملة في هذا الحقل رائدة جداً في هذا المجال، حيث تعد روسيا ثاني منتج ومصدّر للنفط عالمياً.
ويجد الجاموس أن أساس الطاقة هي النفط والغاز والمياه والتي تعد مجتمعة عاملاً ضرورياً لبناء الاقتصاد الوطني، وبالتالي الاستفادة من الشركات الروسية الصديقة في التنقيب عن النفط بحقول جديدة وكذلك بالنسبة للغاز والفوسفات ما يعد أمراً مهماً للطرفين.
ويرى جاموس أن تشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي أساسي في هذه المرحلة، وخاصة أن دول الجوار بحالة اقتصادية غير جيدة، وهنا يجب البدء بالاعتماد على الذات والأصدقاء والاستفادة من خبراتهم والتشاركية معهم لإيجاد فرص تنقيبية جديدة والاستفادة من خبراتنا المحلية.
ويوضح الجاموس أن البدء بتحسن أوجه الطاقة يعطي إشارة البدء لبناء البنية التحتية الضرورية من سكك حديدية وتحسين وسائل النقل.

فيوض: الاستثمار في البنى التحتية الاقتصادية من المنافذ البحرية والجوية وتطوير شبكات النقل البرية والاستفادة من موقع سورية وإطلالتها على البحر الأبيض المتوسط

القطاع العقاري أيضاً يشكل فرصاً استثمارية مهمة، حيث يحتاج إلى إعادة تأمين بسبب ما خلفته الحرب الإرهابية من دمار كبير في هذا القطاع ما يتطلب شركات عقارية كبيرة متعاونة وقادرة على إيجاد حل جذري في القطاع العقاري .
جوانب واسعة

الباحثة في شؤون الاتصالات والمعلومات المهندسة مريم جودت فيوض تشير إلى أن الجوانب عديدة في التعاون والتشبيك الاقتصادي بين دمشق وموسكو وتبدأ بالاستثمار في البنى التحتية الاقتصادية من المنافذ البحرية والجوية وتطوير شبكات النقل البرية والاستفادة من موقع سورية وإطلالتها على البحر الأبيض المتوسط، إضافة لوضع سورية كعقدة برية مهمة بالوصل ما بين الشرق والغرب ما يشكل نافذة مهمة للاستثمارات الاقتصادية لكبرى الشركات الروسية في مجال توسيع عملها وفتح أسواق جديدة لها، وهذا ينطبق على الشركات السورية باتجاه فتح آفاق جديدة لها ولا نستطيع إغفال الجانب الزراعي ونقل وتوطين الخبرة الروسية المميزة في هذا المجال باتجاه استثمار الإمكانات الكبيرة للأراضي الزراعية في سورية وآليات الاستفادة القصوى من الوارد المائي وفي هذا الجانب بدأنا نرى بوادر التعاون بمشروع استجرار مياه سد ١٦ تشرين في اللاذقية والاستفادة منه في إرواء الأراضي الزراعية والتعاون في المجال الأكاديمي التعليمي المدني والعسكري كبير ومتطور ويزداد نموه بنمو هذا القطاع في سورية ما يزيد فرص التشبيك ما بين البلدين.
وترجع فيوض هذه المتانة بالعلاقات والثقة بين الطرفين إلى تاريخ طويل من العلاقة بين روسيا الاتحادية وسورية، أوجد أساسها الراسخ والمتين القائد المؤسس حافظ الأسد مع القيادة السوفييتية في ذلك الوقت، وأن ما نشهده اليوم هو إعادة إحياء والتأسيس لتطويرها من بعد تعافي سورية من حربها ضد الإرهاب، والانطلاق نحو إعادة الإعمار والتخلص من ذيول الحرب على الجانب الاقتصادي، وهذا ما نشاهده من خلال مرافقة الوفد الوزاري الواسع والمتنوع الجوانب المرافق للسيد الرئيس في زيارته لروسيا الاتحادية.
إنّ التعاون الكبير والواسع الطيف ما بين البلدين يعكس استجابة لرغبة الشعبين والعلاقة القديمة الجديدة ما ينعكس إيجاباً على الطرفين.
المياه ضمن القائمة
الباحث البيئي الدكتور موسى السمارة يرى أن المرحلة القادمة تتضمن جملة من المعطيات المبشرة بالمزيد من فرص التعاون على الصعد كافة بعد لقاء القمة بين الرئيسين الأسد وبوتين.

السمارة: الأفق مفتوح للتعاون في جميع المجالات الاقتصادية

ويرى السمارة أن يدخل التعاون مع الصديق الروسي بخصوص المياه سواء كانت بعملية جرها أو معالجتها وتنقيتها باستخدام تقنية النانو- تكنولوجي والذي يسرّع عملية التنقية ومحطات المعالجة بطريقة أنقى .
وأيضاً أن تكون الاستثمارات في مجال إنتاج الطاقة والقطاع الزراعي.
ويقول السمارة: إنّ أهم نقطة أن يتم تزودينا حالياً بالطاقة الأحفورية اللازمة والضرورية للحياة اليومية والصناعة، وأنه عندما يتوفر الفيول تعمل محطات توليد الطاقة الكهربائية وتؤمن المستلزمات المنزلية والصناعية.
ويؤكد أن الأفق مفتوح للتعاون في مجالات الطاقة، والكهرباء، والنفط والنقل في مجال الإسكان، إضافة إلى المجالات الصناعية.

استكمال الاستكشاف
الباحثة الاقتصادية الدكتورة ريما أحمد تجد ضرورة تشجيع القطاع الخاص على التعاون الاستثماري مع الجانب الروسي من خلال مشروعات مشتركة تعود بالفائدة على الطرفين كنقطة مهمة.
وتركز أحمد على نقطة أخرى تتعلق بضرورة استكمال استكشاف الأرض السورية التي تكتنز في داخلها مناطق مبشرة بالنفط والغاز، لكن الإجراءات القسرية الأحادية الجانب المفروضة على بلدنا جعلت من توسيع الاكتشاف أمراً صعباً نظراً للحاجة إلى تقنيات متطورة لإنجاز عمليات الاستكشاف والتنقيب سواء في البر أو في البحر، وللاستثمار الخارجي في سورية جاذب إضافي وفقاً لأحمد لأن الموقع الجغرافي لسورية يجعل منها ممراً إلزامياً لإمدادات الغاز إلى أوروبا، في حين أن البدائل الأخرى باهظة الثمن تتطلب اجتياز بحار بأعماق ساحقة وكذلك تجاوز تضاريس صعبة للغاية.
علاقات مزدهرة
الدكتور حسام الدين خلاصي رئيس ومؤسس الأمانة العامة للثوابت الوطنية يقول: إنّ تاريخاً عميقاً ومكثفاً من ازدهار العلاقات التي تتزايد باطراد بين سورية وروسيا منذ عهد القائد المؤسس الراحل حافظ الأسد، ومن سمات هذه العلاقات وضوح وثبات الرؤية المتبادلة بين البلدين رغم كل المتغيرات السياسية الدولية والمحلية التي ألمت بالبلدين الصديقين، وانعكست هذه الثقة على شعبي البلدين وعدّ الشعب السوري دائماً أن روسيا حليف نزيه يحترم سيادة وطنه ويدعم مواقفها في المحافل الدولية.
و في عام 2015 حصلت العلامة الفارقة والمميزة في هذه العلاقات إذ سارعت روسيا بناء على طلب القيادة في سورية من أجل المؤازرة في محاربة الإرهاب الدولي الذي دهم الدولة السورية، وتوضح للجميع أن روسيا بوفائها لحلفائها تفهمت خطورة ما يجري في سورية، ما تطلب الاستجابة السريعة للمواثيق المبرمة بين البلدين وتحسباً لتضخم هذا العدوان .
واستمرت روسيا بلا توقف في الوقوف لجانب سورية وكانت كالمغناطيس الجاذب لبقية الحلفاء لدعم السيادة السورية من موقعها كدولة عظمى واثقة من انتصار الدولة السورية على أعدائها.

خلاصي: ما قبل 15 آذار 2023 لن يكون كما بعده والتغيرات الإيجابية ستبدأ بالظهور تباعاً

وسورية من موقعها ومكانتها ارتبطت بمواقف ثابتة إزاء السياسة العالمية الروسية، واعتماد سورية رؤيتها بتحقيق الأمن الجماعي والدولي بعيداً عن سياسة القطب الأوحد أو ثنائية القطب العالمي واعتماد الدعوة لعالم متوازن متعدد الأقطاب تدعو إليه مع حلفائها من روسيا إلى الصين إلى إيران وغيرها.
هناك قواسم ثقافية وأخلاقية كثيرة تجمع الشعبين الروسي والسوري ما سهل عمل القيادتين في توطيد العلاقة أكثر بين البلدين.
سورية وروسيا مسار واحد ومصير مشترك وهذا ما دفع التسابق بين البلدين لإعلاء المصالح المشتركة دائماً وكانت سورية أول الدول التي اعترفت بالخطوات الروسية في شبه جزيرة القرم وفي العملية العسكرية في أوكرانيا وما نتج عنها.
وارتبطت رؤى البلدين وثيقاً فيما يتعلق بالحل السياسي في سورية انطلاقاً من احترام سيادتها ووحدة أراضيها وبالتالي طوعت روسيا الخصوم أمام الإرادة السورية بصورة فائقة والتزمت بالقرار السوري في كل مسارات التفاوض في أستانا وسوتشي وجنيف وموسكو .
وفي آخر مطاف العلاقة الوقوف الإنساني إلى جانب الشعب السوري في موضوع كارثة الزلزال وهذا ليس بغريب عن الثقافة الروسية وإخلاصها لحلفائها، وكذلك التفهم الروسي العميق للانفتاح العربي تجاه سورية لأن ذلك يسرع ببروز الحل .
في ظل كل هذه الأجواء أتت زيارة السيد الرئيس الرسمية لروسيا مع وفد مختص لتفتح أفقاً جديدة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً في ظل تفاهم وتفهم كامل من كلا الطرفين لهذا النوع من التقارب في ظل أجواء دولية جديدة المنتصر حتى الآن فيها هو محور محاربة الإرهاب والساعي لنظام عالمي جديد يقوم على الأمن للجميع .
ولذلك نقول في سورية ما قبل 15 آذار 2023 لن يكون كما بعده والتغيّرات الإيجابية ستبدأ تباعاً بالظهور في الشارع السوري وتحسن العلاقات مع روسيا في تقدم مستمر .

 

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. الحليف الروسي يعمّق انتصاراته العسكرية ببعد اقتصادي جديد.. وخبراء يؤكدون أهمية الشراكة الاستراتيجية لدعم الزراعة السورية لمصلحة البلدين

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار