مراجعة الفكر المؤسس لأي مجتمع، أحد أهم أسرار رقي الشعوب، أما الانسياق للأفكار الأخرى، فهو وصفة الاستتباع المعوِّق للتقدم، الحل في الاستفادة من تجارب الفكر العالمي من دون نسيان الجذور الفكرية الأساسية، في هذا الإطار يروي المفكر العربي المصري المثير للجدل يوسف زيدان تجربته في مجال الفكر بين الفلسفة الغربية، والفكر العربي والإسلامي، يقول إنه كان يتردد على دار الكتب الوطنية في الإسكندرية، وفي إحدى المرات لاحظ حافلة سياحية تقل إسرائيليين دخلوا إلى الدار واشتروا كتباً كثيرة، وعندما سأل الموظف المسؤول عما اشتراه الإسرائيليون من كتب، وبالعودة للفواتير وجد أنهم اشتروا كتبنا من التراث العربي والإسلامي، لابن سينا وابن رشد الغزالي والبيروني وو إلخ، وهذا ما جعله يعيد التفكير..
في لقاء تلفزيوني كرر الكاتب والمفكر يوسف زيدان هذه القصة، وكان يرى أنه بينما كان مستغرقاً في دراسة سقراط وأفلاطون ونيتشه وهيدغر وهيغل وديكارت وشوبينهاور وو إلخ من فلاسفة الغرب، كان الإسرائيليون يتجهون لشراء كتب الفلسفة والفكر العربي والإسلامي، وهذا ما جعله يرجع إلى هذه الكتب التراثية، فوجد فيها كنوزاً من الأفكار، ولمس فيها أنساقاً فكرية مذهلة، كما وقع في ثناياها على مواضيع تثير الفكر والجدل، والأهم أن كل ما في هذه الكتب التراثية يشكل جذورنا الفكرية، ويفتح أمامنا سبل مناقشة هذه الجذور الفكرية وما علق عليها وما شابها من آفات، ويتيح لنا فهم شخصيتنا الحضارية، ويشرع أمامنا الأبواب لولوج كل ما ينمي ويطور هويتنا الحضارية.
مثلما معرفة الذات عند الفرد أساس تمكنه من معرفة طريقه في النضوج والتقدم، فإن معرفة الجذور الفكرية لأي مجتمع تشكل المنطلق اللازم للارتقاء والتجاوز والتقدم، فهل نستعيد النقاش حول جذورنا الفكرية؟ وهل نشعل السجالات الثقافية اللازمة لاستمرار تقدمنا وارتقائنا؟ بالفعل لابدّ من مراجعة الجذور لفهم الذات ولتنقيتها من الشوائب..