الحقبةُ السوداء والنصُ المسرحيّ والشعر
تشرين- علي الرّاعي:
في فرنسا سمّوها «الحقبة السوداء»، وعندما سألت الكاتب المسرحي الفرنسي كريستوف بيلليه عن هذه الحقبة؛ أجاب: نعم هي حقبةٌ سوداء من سبعينيات القرن الماضي، فقد كانت حقبةً سوداء بالنسبة للنص المسرحي الذي وصل به الانحطاط لأن يكون أقلّ عناصر العرض المسرحي أهميةً، وذلك كان من تأثير السينما على المسرح الذي صار يتشبّه بها، حتى إن ثمة مخرجين دعوا للاستغناء عن النص المسرحي تماماً، ومن ثمّ كان على المسرح، ليس في فرنسا فقط، بل في الكثير من دول العالم العربي، انتظار الكثير من السنين، ليتخلصوا من تأثير صدمة السينما، وصدمة الصورة بشكلٍ عام على المسرح.
الشعر والخشبة
وبتقدير ذلك المسرحي الفرنسي – كما قال لي ذات حوارٍ معه – إنه يعوّل على الشعر.. والشعرية في النص المسرحي، وهي المتوفرة في النص الأدبي بشكلٍ عام، ذلك إن لم تكن المسرحية شعرية، فهي – في رأيه- سيناريو فحسب..! وعندما تصبحُ الصورةُ هي الأساس كما في السينما تضيعُ هذه الشعرية، وهذه – الشعرية- هي التي يجب الحرص عليها في الكتابة الثانية للنص المسرحي، أي عملية الإخراج مع كل ما يُرافقها من ديكور وسينوغرافيا و.. غير ذلك.
ورغم صيحات الكثيرين من أن النص المسرحي، كُتب ليجسّد على الخشبة، أي للفرجة، فإنّ الجواب عن ذلك «الاقتصار» فقط، هو السؤال: كيف بقي مسرح موليير وشكسبير، وسعد الله ونوس، وممدوح عدوان، لو لم يكتبوا نصوصهم كأدب، فما كتبه هؤلاء، كُتب ليُقرأ أولاً، وعندما لم تعد النصوص تُكتب لتُقرأ كان أن تراجع المسرح بشكلٍ عام، والحالة المُثلى كما يراها الكثير من المسرحيين، أن يكون الكتاب أولاً، ثم يأتي العرض المسرحي ثانياً، كما لابدّ من أن تُساهم الكتابةُ الجديدة بأدواتها في العرض المسرحي، العرض الذي سيكون كتابةً جديدةً، لكن شرط ألا تشوّه شعرية النص، بل أن تزيد هذه «الأدوات والعناصر» في العرض: ديكور، جسد، حركة، إضاءة، ملابس، موسيقا،.. في إعلاءٍ شأن هذه الشعرية، ففي النهاية لابدّ من تقديم فنٍ عالي الرفعة.
على الخشبة وفي كتاب
ومادامَ النصُ قد صار مكتوباً، أو مُسطراً في كتاب، فلسنا مع قداسته على الخشبة، – تماماً كما لسنا مع قداسة نصٍّ روائي عند تجسيده على الشاشة الكبيرة أو على الصغيرة- ومع ذلك لن يتطور العرض المسرحي من دون احترام اللغة الشعرية في النص، الأمر الذي يخدمُ العرضَ المسرحي ككل، والذي بدورهِ يُفيد المُتلقي المُشاهد، والمُتلقي القارئ معاً، ومن هنا، فإنَّ إشراك المخرج في الكتابة، وإشراك المؤلف في الإخراج، يبدو أمراً مُهماً اليوم، وذلك في المحاولات اليائسة لإعادة المتلقي المشاهد لحضور خشبة العرض المسرحي، وإعادة المتلقي القارئ لقراءة الصفحات المهجورة.
السينما هي فنُ الصورةِ – كما هو مُتعارفُ عليه – غير أنَّ المسرح هو فن الكلمة والنص أولاً – كما هو مُتعارفٌ عليه أيضاً – واليوم ومع كوارث تدفق الصورة، نحن بأمسِّ الحاجةِ لأن نرتاحَ قليلاً، والراحة هنا – ربما – قد تكونُ في المسرح، ونحنُ بصحبةِ آخرين نتلقى العرض المسرحي، ولسنا وحيدين في «براثن» قبضةِ تدفقِ الصور.. البعضُ يرى ذلك، إنه شيئ من قوةِ التطهير للمسرح تشبه قُدّاساً، أو طقساً مقدساً ربما..!
القصيدة ممسرحة
و.. من هنا، فإنّ «مسرحة» بعض القصائد لاقت حين عرضها على هيئة شكلِ عرضٍ مسرحي الكثير من الرضا للمسرح وللشعرِ أيضاَ، وأدونيس تمنى دائماً أن تُمسرح قصائده، وأن يتوفر لها المخرجون القادرون على تجسيدها على الخشبة، وكانت ثمة محاولات جميلة في هذا المجال على بعض مسارح دمشق في مسرحة قصائد أدونيس على الخشبة.
فالقصيدةُ التي تمرُ عبرَ صوتِ الممثل، والقصيدةُ هي صوتٌ أيضاً، والكتابةُ أياً يكن نوعها، أو جنسها هي شعرية أيضاً، وغير ذلك هي ليست إبداعاً.. فشيءٌ من المجاز، يُفرح القلب أحياناً، وربما دائماً..!