القائد الصغير وثقافة الذَّكاء الإبداعي في مناظرة اجتماعية.. قوامها الأسرة ومحرِّكها العقل
تشرين- بارعة جمعة:
حالة من التأمل واتساع للمدارك الحسية، حملت معها قدرات على التحليل وأخذ الأمور من نقطة التفكير والملاحظة الدقيقة في تفاصيل الأمور، هي محور اهتمام أي طفل فيما لو تم الأخذ به ضمن قواعد تنمية حبه للإبداع والتميز المترافق مع أسس الذكاء بكل أنواعه الحسي والسمعي والإبداعي والاجتماعي.
نقطة البدء
تدور حلقات هذه السلسلة حول طيفٍ متعدد الاتجاهات، كانت ومازالت الأسرة هي اللَّبِنة الأولى لانطلاقها، فيما لو اقترنت ببذل الجهد في إخراج كل ما يحويه الطفل من طاقاتٍ إبداعية، تتمثل في قدرته على تناول الأمور بزواياها الصحيحة ومعانيها الحقيقية، التي أثبتت صحة الكثير من نظريات علم نفس الطفل، القائم بالدرجة الأولى على الذكاء البعيد كل البعد عن واقع التقييم المدرسي الذي وصفه “جاردنر” بالذكاء الكاذب، لعدم اعتماده في تقييم الطفل على قدرته على التواصل الفعَّال ضمن محيطه وأسرته، حسب تأكيدات الخبير في الصحة النفسية والعلاج النفسي الدكتور “عبد الفتاح الحميدي”.
فما يحيط بالطفل اليوم ما بات أشبه بدائرة النار وسط تطور التكنولوجيا الحديثة، المبنية بطبيعتها على تقديم قوالب جاهزة له، ومن ثم جعله ضمنها كأحد المتلقين البعيدين كل البعد عن حقيقة الأمور في رأي الحميدي، لنجد في الوقت ذاته أن الأسرة لا تزال المسؤول الأول في إبعاد هذه التأثيرات التي باتت تعكس أساليب بعيدة أيضاً عن مبدأ التواصل نفسه، آخذةً بالطفل لما يسمى مصطلح “القولبة” ضمن نماذج وأفكار مهيَّأة مسبقاً، ليبقى بناء الذكاء الاجتماعي للطفل هو الوسيلة الأكثر نجاعة لبناء علاقات سويّة وآمنة له في مرحلة الطفولة.
الاستكشاف البيئي
هنا فقط لابدّ من الانتباه لما يصاحب هذه المرحلة، التي تحمل في طيَّاتها العديد من التداخلات في بيئة الطفل، ابتداءً من المدرسة والأسرة والإعلام المتناقل، وصولاً لعالمه الذاتي، الذي يجب وحسب توصيات الحميدي العمل على اكتشاف مرونة الطفل ضمن هذه المرحلة بالذات، ومن ثم قياس قدرته على التفاعل مع محيطه، والتي أكدها علم النفس، من خلال وضع عدّة احتمالات لحالات تم رصدها فعلاً ضمن هذه المرحلة، عُرفت بالتوحد والميل للعنف أو الخجل أو الخوف.
وإذا ما تم الأخذ بالحسبان أهمية هذه المرحلة لجهة تحديد شخصية الطفل، لابُدّ من التأكيد أيضاً حسب رؤية الحميدي على ضرورة النظر لأهمية تنمية الذكاء العاطفي في شخصية الطفل أولاً، للحصول على طفل قائد في مجتمعه، ومن ثم راشد قادر على تكوين وقيادة فريق عمل مستقبلاً، والتي تؤكدها نظرية “فرويد” أيضاً.
كيف نطور الذكاء الإبداعي؟
لا يمكن فصل الطفل عن بيئته، كما أنه ليس في الإمكان إهمال الأثر السلبي لما يُعرض عليه من مفاهيم مغلوطة وقوالب جاهزة، إلّا أنه وبالرغم من هذه القيود الحديثة، يمكننا الوصول إليه عبر تفعيل حواسه الخمس، بحيث نُبعده عن فكرة المتلقّي السّلبي، عبر تطبيق منظومة التعليم التفاعلي في رأي الحميدي، القائم على الأنشطة، وذلك باستخدام وسائل عدة كالمؤثرات البصرية لتطوير البصر، أو اللجوء لتنمية ما يسمى الذكاء اللمسي والحسي، عن طريق لمس الشيء وإدراك تفاصيله الحقيقية.
كما تناولت العديد من مدارس التحليل النفسي ممثلة بمدرسة “فرويد” التركيز على المراحل الأولى لحياة الطفل حسب قراءة الدكتور عبد الفتاح الحميدي لهذا العلم، بما معناه.. أنه وفي حال سلمت هذه المراحل سنحصل على سلوك سوي، فيما العكس صحيح، لتبرز هنا أهمية ودور التربية، التي إن غابت ستأخذ بالطفل إلى سلوكيات سلبية كصعوبة التواصل وفقدان مهاراته التنسيقية مع الذات ومع الخارج، ما يفسر وجود حالات انتحار فيما بعد.
ويعود الحميدي ليؤكد مجدداً أهمية دور الأهل في توعية المقبلين على الزواج، لضرورة أخذ الدور التربوي في صنع الطفل على محمل الجد، داعياً الجميع لإيلاء الاهتمام كما في دول الغرب، ممن أعطوا أهمية لزيارة مختص نفسي قبل الزواج، لدراسة مدى قدرتهم على الإقدام على مثل هذه الخطوة.
تعويض النقص
ولعلّ أكثر ما يمكن التحذير منه وسط هذه التخبطات في تنشئة الطفل، هو لجوء البعض لتعويض الحرمان باللجوء لأطراف خارجية، قد تقودهم لأفعال سلبية كالمخدرات، والتي فسرها الحميدي بفقدان الجهة التربوية والناصحة المتمثلة في الأهل، ممن جنحوا في مواجهة أزماتهم لسلوكيات خاطئة، تمثلت معظمها بإعطاء أبنائهم الهواتف الذكية في عمرٍ مبكر، الأمر الذي عكس ضعفاً في الإدراك لديهم، وقلة اهتمام في استكشاف المحيط والبحث في التفاصيل، لكونه بات أسير ما يُعرض عليه ضمن قوقعة التكنولوجيا الحديثة.
فالأمر ليس بالسهل كما يظنه البعض، واليوم بتنا الأحوج لتطوير أطفالنا بعيداً عن عبثية التكنولوجيا حسب توصيات الدكتور في الصحة النفسية والعلاج النفسي عبد الفتاح الحميدي، والذي سيحمل معه الكثير من القدرات لبناء الفرد والاهتمام بالصحة النفسية وتطوير الذكاء الإبداعي والصناعي لمجتمعات ما بعد الحرب.