قطاع الري يتأرجح بين بطء التأهيل وتراجع المصادر.. والزراعة الخاسر الأكبر

تشرين – وليد الزعبي:

تبقى مياه الري أحد أهم عوامل إنجاح الزراعة لمختلف المحاصيل، وبالنظر إلى واقعها في محافظة درعا يلاحظ أنه لم يعد بالمستوى المطلوب، حيث تضررت خلال سنوات الحرب على سورية مختلف مكونات مشاريع الري العامة إلى حدّ خفض من أدائها في تغطية المساحات المخططة عليها، كما ظهرت نقاط ضعف أخرى تتمثل في قلة الهطولات المطرية ما أدى لتراجع كميات المياه المخزنة في السدود وجفاف العديد من الينابيع الحيوية، وغدت الأعباء على الفلاحين من جراء ذلك باهظة لاعتمادهم بشكل كبير في الري على الآبار الزراعية التي تحتاج تكاليف باهظة لقاء أثمان مادة المازوت اللازمة لتشغيلها في ظل عدم الانتفاع من الاشتراكات بالكهرباء لانقطاعها الطويل في ظل برنامج التقنين القاسي، حتى إذا أراد الفلاحون التحول بالتشغيل إلى الطاقة الشمسية فالتكاليف أكبر من قدرة الكثيرين منهم على التحمل.

دعم الإنتاج الزراعي يستدعي الإسراع في تأهيل مشاريع الري

مطالب بتسريع التأهيل

أمام تكاليف الري الباهظة كما أسلفنا، فإن مطالب الفلاحين تتركز على ضرورة الإسراع في تأهيل جميع مشاريع الري الحكومية ذات أولوية الجدوى، وذلك لتأمين مياه تسهم في تغطية جزء معقول من احتياجات محاصيلهم إلى الريات المطلوبة، وفي مقدمتها القمح ومن ثم بقية المحاصيل الرئيسة التي تتشكل منها سلة غذائنا، لافتين إلى ملاحظة وجود تحرك لجهة إعادة تأهيل مشاريع الري العامة لكن وتيرة ذلك لا تزال بطيئة ولم تبلغ الزخم المطلوب، علماً أنه يفترض عدّها أولوية لجهة رصد الاعتمادات اللازمة، لكون ذلك يساهم في إنجاح تنفيذ الخطة الإنتاجية الزراعية ويخفف من التكاليف على المزارعين ويزيد من الإنتاج، ما ينعكس بالمحصلة إيجاباً على المستهلك من خلال انخفاض قيمة المنتجات الزراعية التي يتسوقها.

أضرار كبيرة

عن واقع مشاريع الري؛ ذكر المهندس أحمد محسن مدير الموارد المائية في درعا، أنه نظراً لتميز المحافظة بالزراعة فقد أنشأت عدداً من السدود واستثمارها بحجز مياه الأمطار شتاءً من خلال المسيلات والأودية، بالإضافة لاحتوائها على عدد من السدات الصغيرة المنتشرة بأرجاء مختلفة من المحافظة، وكذلك وجود عدد من محطات الضخ للري التكميلي الشتوي والصيفي لمساحات كبيرة من أراضي المحافظة التي تنتج الحبوب والخضراوات وغيرها.

مصادرة ١٤ حفارة وردم العديد من الآبار حديثة الحفر

وأشار إلى أن الحرب الظالمة كان لها تأثيرها السلبي الكبير على المصادر المائية والمنشآت المائية والمباني والمعدات والكوادر الفنية، حيث لحقت أضرار فادحة ببعض السدود من جراء العبث بتجهيزاتها وسرقتها، كما تعرضت المضخات للتعديات بسرقة تجهيزاتها ما أدى لخروجها عن العمل بالكامل وتسبب بعدم الاستفادة من المياه المتاحة وهروبها إلى خارج الحدود بشكل خلّف نقصاً شديداً في الموارد المائية، وبالتالي حرمان مساحات واسعة من الأراضي الزراعية من المياه طوال فترة الحرب وتوقف النشاط الزراعي فيها إضافةً ليباس أعداد كبيرة من الأشجار المثمرة، أيضاً تعرضت شبكات الري المكشوفة والأنبوبية لأضرار كبيرة نتيجة التعديات بغرض سرقة أنابيبها وتجهيزاتها الأخرى، وخرجت من جراء ذلك عدة شبكات من الخدمة بشكل كامل، مثل شبكة ري سد درعا الشرقي وشبكة ري مشروع اليرموك الأعلى (ري شتوي)، وأجزاء من الشبكات الأخرى وخاصة شبكات ري المزيريب القديم وسد عابدين، ما تسبب في خروج مساحات كبيرة من الري.

استنزاف جائر

وتطرق محسن إلى المشكلة الكبيرة المتمثلة في حدوث استنزاف جائر للمياه الجوفية من الآبار الزراعية لسد احتياجات مساحات الأراضي الزراعية، ما انعكس سلباً على غزارة الينابيع لدرجة أن قسماً منها أصبح جافاً تماماً، علماً أنه تمت خلال العام الفائت مصادرة ١٤ حفارة مخالفة من مدن وبلدات الصنمين وكريم الجنوبي وخربة غزالة وقرب مجمع الغزالي على أوتوستراد دمشق درعا وفي إزرع ومحجة والشيخ مسكين وداعل وإدخالها لمرآب المديرية، توازياً مع ردم عدد من الآبار قيد الحفر الجديد.

المعالجة قائمة

وعلى صعيد تلافي الأضرار كشف مدير الموارد أنه تم بالتنسيق مع كل الجهات المعنية وبإشراف مباشر من الهيئة العامة للموارد المائية، إعداد خطط عاجلة وإسعافية، لتقييم واقع المشاريع المتضررة والسبل الممكنة لإعادتها لوضعها الطبيعي كما كانت قبل الحرب على سورية، وكذلك وضع خطط بعيدة المدى لتطوير هذه المشاريع عموماً، وقد تم حتى الآن الانتهاء من تنفيذ صيانات لسكورة سدود عابدين وغربي طفس وإبطع الكبير وتسيل والشهيد باسل الأسد والشيخ مسكين، وتركيب شباك حماية لبئر الدخول في سد الشهيد باسل الأسد وغربي طفس وتعزيل قمم سدود تسيل والشهيد باسل الأسد وتركيب بوابات لغرف سكورة سد غدير البستان وعابدين، واستبدال أجزاء من أنابيب الخط الخامس في شبكة ري سد غدير البستان (مرحلة أولى) بطول إجمالي ٧٦٠ متراً طولياً مع المآخذ المائية

والسكورة اللازمة، بالإضافة لاستبدال أنابيب الخط الثالث والسادس في الشبكة المذكورة وتأهيل أجزاء من القناة الرئيسة البيتونية المغذية للشبكة وسد الشيخ مسكين، وتمت إعادة تأهيل محطات ضخ الهرير الأولى وزيزون والأشعري وهي مستثمرة الآن.

قيد التنفيذ

ولفت مدير الموارد إلى أن هناك مشاريع متوقفة منذ سنوات الحرب الأولى، ولاسيما أعمال إعادة تأهيل سد غدير البستان وتنفيذ شبكة ري الهرير، ولم تتخذ الشركة العامة للمشاريع المائية كجهة منفذة أي إجراء لاستئناف العمل بها، وتم مؤخراً تقييم الحالة الراهنة للسد المذكور وتقدير تكاليف استكمال الأعمال المتبقية بشكل أولي لمناقشتها، أما نسبة مشروع تقييم سد العلان فوصلت إلى  ٩٥٪ من قبل الشركة العامة للدراسات والاستشارات الهندسية – فرع الدراسات المائية، وبلغت نسبة تنفيذ مشروع تقييم سد الشيخ مسكين من الجهة نفسها 86%، ونسبة إعادة تأهيل مفرغ سد تسيل وصلت إلى 45%، ويعود سبب تأخير الأعمال لعدم إمكانية توقيف المياه عن المزارعين طوال الموسم الزراعي الصيفي الماضي، أما مشروع إعادة تأهيل محطة ضخ الهرير الثانية فبوشر بأعمال التنفيذ مؤخراً ومن الممكن وضعه في الخدمة في موسم الري الصيفي القادم، والتنسيق قائم لإعادة تأهيل محطتي ضخ عيون العبد والأشعري وشبكة ري سد الشيخ مسكين حيث يتم إعداد الدراسة اللازمة لها حالياً.

كما ذكر مدير الموارد المائية، أن هناك عدة مشاريع من الضرورة إعادة تأهيلها وقد جرى وضعها في الخطط المستقبلية، وهي تتركز على إعادة تأهيل عدد من السدود ومحطات الضخ وشبكات الري وأبراج مراقبة السدود حسب الأولويات والإمكانات المتاحة.

معوقات عديدة

حسب مصادر المديرية فإن أهم الصعوبات التي تعوق عمل المديرية، تتمثل في عدم توفر الآليات الثقيلة في المديرية لإنجاز الأعمال الكبيرة المطلوبة في المنشآت المائية، وخاصة لتعزيل مجاري الأودية والمسيلات والأقنية الرومانية، وقدم شبكات الري المكشوفة وحاجتها للتطوير لشبكات أنبوبية، والتعديات على المنشآت المائية وخاصة شبكات الكهرباء المغذية لها وعدم انتظام وصول التيار الكهربائي إليها والفصل المستمر والمتكرر للتيار الكهربائي وتسببه بأعطال كبيرة في التجهيزات بسبب الفصل المفاجئ والمتكرر، وقلة الكوادر الفنية لتسرب أعداد كبيرة منهم في الفترة السابقة، ونقص الآليات وقلة الخطط الشهرية للعامل منها وقلة الاعتمادات السنوية المخصصة للإصلاح وخاصةً أن تلك الآليات قديمة وبحالة فنية سيئة، وعدم توفر القطع التبديلية لمحطات الضخ في السوق المحلية، ومحدودية الاعتمادات والموارد المالية لإعادة تأهيل المنشآت المائية المتضررة خلال الأحداث.

أولوية

في ظل الحصار الجائر والعقوبات الظالمة على بلادنا، فإن الإنتاج الزراعي يشكل الدعامة الأساسية لاقتصادنا الوطني وهو الضامن لاستمرار توفر لقمة عيشنا، ولهذا لا بدّ من دعم تأهيل مشاريع الري العامة بالتمويل اللازم كأولوية تتقدم على أي شيء آخر، لكون ذلك يعني دعماً مباشراً للقطاع الزراعي وزيادة الإنتاج وخفض تكاليفه على الفلاحين والمستهلكين في آنٍ معاً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار