الأخطل الصغير.. بشارة الخوري وقصيدته (وردة من دمنا)
د. رحيم هادي الشمخي:
يدرك قارئ شعر الأخطل الصغير (بشارة الخوري) أن مشروعه الأساس يكمن في حلمه الدائم أن يبتني وطناً محكوماً بالحب، وأن يجسّد كياناً شعرياً يكون معادلاً لهذا الوطن الذي تسوده المحبة والإخاء والسماحة، ترفرف عليه أعلام الإخاء العروبي، ويتسع من حدود لبنان الذي يتغنى الشاعر بحريته وتقدمه، ليشمل مساحة الوطن العربي الكبير، ونبض الأمة العربية جميعاً:
أي بني العرب، كدت أخشى عليكم
خطل الرأي وانهيار العقيدة
قد ملأتم أذن الليالي غناءً
والليالي ينسجن كل مكيدة
من هنا تصبح قصيدته (وردة من دمنا) التي جاءت صدى لاهتزاز وجدان الشاعر بثورة فلسطين الأولى في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي (1935- 1936)، واندفاع الجماهير العربية في عديد من الأقطار العربية لمساعدة الثوار بالمال والسلاح، وجاء هذا الحدث القومي مفجراً لانتماء الشاعر الحقيقي العروبي، ولو بدوره الشعري الذي بلغ ذروته في ثلاثينيات القرن الماضي وأربعينياته، مضافاً إلى الوعي المبكر بالأبعاد التي لم تكن قد تكشفت بعد لقضية العرب الكبرى في القرن العشرين، صوت الشاعر في هذه القصيدة هو صوت الوطن والأمة والجماعة، صوت العرب جميعاً:
سائل العلياء عنا والزمانا
هل خفرنا ذمة مذ عرفانا
المروءات التي عاشت بنا
لم تزل تجري سعيراً في دمانا
ضجّت الصحراء تشكو عُريها
فكسوناها زئيراً ودخانا
مذ سقيناها العلا من دمنا
أيقنت أن معداً قد نمانا
ضحك المجد لنا لما رآنا
بدم الأبطال مصبوغ لوانا
شيء ما في هذه القصيدة يذكّرنا بالنفس التغلبي في معلقة (عمرو بن كلثوم) وهو يقذف أعداءه، وتذكرنا بالأمير الشاعر سيف الدولة الحمداني وشاعره المتنبي، بصدّ جيش الروم الكبير، سيفان يدافعان عن الكرامة العربية.. وهكذا كان شاعرنا الأخطل الصغير شرف موقف وحرية إبداع في أمته العربية.