ثلث سكان مدينة الحسكة ظلموا مرتين خلال توزيع المازوت

تشرين – خليل اقطيني: 

مما لاشك فيه أن الجهات المعنية في الحسكة، بذلت جهوداً كبيرة من أجل تأمين حاجة سكان مدينة الحسكة والريف الشرقي المحيط بالمدينة، من مازوت التدفئة.

وكل من ينكر هذه الجهود يجافي الحقيقة، وذلك لأن تأمين هذه المادة في محافظة الحسكة بالذات، ودون غيرها من المحافظات،  ليس بالأمر السهل، لوقوع المازوت وكل المنتجات النفطية تحت سيطرة ميليشيا ق*س*د، وتالياً تحت سيطرة قوات الاحتلال الأميركي، بحكم التبعية والولاء.

2300 أسرة في المدينة تتحمل وزر “تجاوزات” لجان التوزيع 

ما يعني أن الحصول على أي كمية من أي نوع من المشتقات النفطية للمناطق الواقعة تحت سيطرة الدولة السورية، يحتاج إلى جهود استثنائية.

ما أنجزه الكبار أضاعه الصغار 

في الوقت الذي لا ننكر فيه الجهود التي بذلتها الجهات المعنية في المحافظة، لتأمين حاجة سكان مدينة الحسكة والريف الواقع تحت سيطرة الجيش العربي السوري، من المازوت، وخاصة الجهود التي بذلها محافظ الحسكة الدكتور لؤي صيّوح. فإننا نقول: إن وضع الكميات التي تم “انتزاعها بشق الأنفس” كمن يخوض معركة، من فم الاحتلال الأميركي ومرتزقته، بأيدي أشخاص لا يتمتعون بالمستوى اللازم من “الكفاءة”، حتى لا نقول شيئاً آخر، مابَدّد تلك الجهود وأفقدها أهميتها. والنتيجة أن كل الكمية التي تم الاتفاق عليها مع مورّد المادة، لتلبية حاجة جميع سكان مدينة الحسكة، تم توزيعها على ثلثي سكان المدينة فقط، فبلغت الكمية التي تم توزيعها مليوناً و 900 ألف ليتر، على نحو 6000 أسرة فقط، بمقدار 300 ليتر “لكل دفتر عائلة” بسعر 225 ليرة لليتر، حسب تصريح رئيس لجنة التوزيع عبد الصويلح.

مورّد المادة: قدمنا كميات تكفي كل الأسر .. فأين ذهبت مخصصات الأسر التي لم تحصل على المازوت؟

في حين أن كمية المازوت التي تم توزيعها في الشتاء الماضي بالكامل بلغت مليوناً و 707 آلاف ليتر، على 8300 أسرة في أحياء وسط مدينة الحسكة. ما يعني أن 2300 أسرة بقيت هذه السنة بلا مازوت، رغم أن الكمية التي تم توزيعها أكثر من الكمية التي تم توزيعها السنة الماضية بمقدار 200 ألف ليتر، ما يدفع للتساؤل: أين ذهبت هذه الكمية وكيف تم توزيعها وعلى أي أساس وعلى من؟

على ناس وناس 

توزيع كمية أكبر هذا العام، على عدد أسر أقل من العام الماضي، يعود – أغلب الظن – إلى أن لجنة التوزيع في العام الحالي  “انتخت” ومارست الكرم والسخاء مع “بعض” السكان الذين حظوا بالتوزيع، ففردت يدها معهم ومنحت بعضهم 3 حصص من المازوت أي 900 ليتر، وللبعض الآخر حصتان أي 600 ليتر، تحت ذرائع واهية، وذلك لأن حصة كل أسرة هي 300 ليتر ، بموجب البطاقة العائلية. وهذه النقطة مثبتة لدينا لأننا حصلنا على أسماء بعض أولئك الذين شملتهم لجنة التوزيع بحنانها، أما التجاوزات الأخرى التي سمعنا عنها مجرد سماع من الشارع، فإنها تظل مجرد “شائعات” حتى يثبت العكس، بناء على تحقيق من لجنة مهنية وشفافة، يثير عدم تشكيلها حتى الآن الاستغراب، ويؤكد – ربما – السؤال الذي هَمَسَه في آذاننا أحد الزملاء الإعلاميين وهو: هل كانت لجنة توزيع المازوت “سخية” مع البعض من تلقاء نفسها؟ أم كان هذا “السخاء” نتاج تدخلات من هذا الطرف أو ذاك؟ وكانت لجنة التوزيع هي كبش الفداء لأنها في “بوز” المدفع؟

الرئيس الحالي للجنة التوزيع يطلب طلبات “تعجيزية” وقراراته مبنية على “الوشايات”

وذلك لأن رئيس اللجنة عبد الصويلح كشف أنه “تقدم بطلب إعفائه من الإشراف على لجنة توزيع المازوت المؤلفة من سبعة أشخاص، نتيجة كثرة الشكاوى والتدخل في عمل اللجنة”.

كلامنا هذا ليس دفاعاً عن لجنة توزيع المازوت السابقة، وذلك لأن  تبرئة اللجنة أو إدانتها هو من اختصاص لجنة تحقيق رصينة وشفافة لم نسمع أنها شُكِّلَت بعد.

ربما تبخرت 

ونتيجة لذلك بقي ثلث سكان مدينة الحسكة، أي 2300 أسرة تقطن في 7 أحياء ومناطق من المدينة، هي: حي مساكن المعلمين – محيط جامع الفاروق – محيط مقر فرع حزب البعث العربي الاشتراكي – مساكن الصالة الرياضية – مساكن عمال محطة القطار – محيط مدرسة إدوار إيواس – إضافة إلى مركز المدينة، بلا مازوت، يئنون تحت وطأة البرد القارس من جهة، وارتفاع أسعار المازوت في السوق السوداء من جهة ثانية.

فقد اشتكى إلينا العديد من السكان أنهم يشترون ليتر المازوت الواحد المكرر محلياً من تجار السوق السوداء بـ 1400 ليرة، أي أنهم  يضطرون لدفع 7000 ليرة ثمناً لكل خمس ليترات. وهي الكمية الوسطية للاستهلاك اليومي في هذه الأجواء الباردة. أي إن كل أسرة بحاجة إلى 210 آلاف ليرة في الشهر الواحد ثمناً لمازوت التدفئة  فقط. الأمر الذي وضع الجهات المعنية في المحافظة في وضع لا تحسد عليه.

وقد لمسنا مدى الإحراج الذي وقعت فيه الجهات المعنية في المحافظة، أثناء زيارتنا لمحافظ الحسكة الدكتور لؤي صيّوح في مكتبه، لمناقشته بشكوى المواطنين من تأخر وصول المازوت إليهم. حيث وضَعْنا كل ما وصَلَنا حول هذا الموضوع بين يدي المحافظ بكل أمانة لمعالجته.

وما فهمناه من الدكتور صيّوح أن البحث عن طريقة لحل المشكلة التي خلقتها لجنة التوزيع، وتجاوز المأزق الذي وضعت – هذه اللجنة – الجهات المعنية فيه يحتل الأولوية لديه. لأنه “من غير المسموح ترك 2300 أسرة بلا مازوت التدفئة، لأن هذه المادة يجب أن توزع على جميع الأسر بلا استثناء وعلى قدم المساواة” حسب المحافظ، ومن ثم لكل حادث حديث.

ومن أجل ذلك دعا المحافظ في حضور “تشرين” مورّد المادة، وعضو المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة مسؤول قطاع التجارة الداخلية وحماية المستهلك أحمد شيخ أمين، وبدأ يبحث معهما إمكانية توريد كميات إضافية من المازوت لتوزيعها على ما تبقى من الأسر في مدينة الحسكة.

وتساءل مورّد المادة: كيف يتم توزيع الكمية المخصصة لثمانية آلاف أسرة ونَيّف على 6000 أسرة فقط؟ وأين ذهبت مخصصات الألفي أسرة التي بقيت بدون مازوت؟

ظلم مزدوج

وكانت النتيجة أن تكللت جهود المحافظ بالنجاح، وتم الحصول على كمية إضافية، وتمت المباشرة بتوزيعها. فكيف استقبلت الأسر التي يشلمها التوزيع من الكمية الإضافية ذلك؟

من خلال مرافقتنا للجنة التوزيع الحالية في بعض الشوارع، لاحظنا أن السكان صُدِموا عندما علموا أن ما سيوزع على كل أسرة هو 200 ليتر فقط. وليس 300 ليتر كما حصل مع الأسر التي شملها التوزيع السابق، ما يعني أن الأسر المستهدفة بالتوزيع الحالي ظلمتها الجهات المعنية في المحافظة مرتين.

المرة الأولى عندما تأخر عليها توزيع المازوت، واضطرت لشرائه من السوق السوداء بزيادة 1175 ليرة لكل ليتر.

بين “الصالح” و “الصويلح”

ناهيك عن أن الرئيس الحالي للجنة التوزيع المهندس بشير الصالح أبلغ الأهالي، أن المئتي ليتر هي لكل بيت وليس لكل عائلة، مهما كان عدد العوائل الساكنة في البيت، عكس ما فعله الرئيس السابق للجنة التوزيع وهو توزيع 300 ليتر لكل أسرة بموجب البطاقة العائلية. وقد أدى هذا الاختلاف بالتعاطي مع الأهالي بين “الصالح” و “الصويلح” إلى الكثير من الأخذ والرد.

فمثلاً مساكن المعلمين مبنية على شكل فيلات مكونة من طابقين. ونظراً للظروف المعيشية الصعبة، قامت بعض الأسر بتقسيم تلك الأبنية إلى بيتين، في كل طابق تسكن أسرة مستقلة بذاتها.

ونتيجة لهذا التصرف الجائر من “الصالح” حُرِمَت أسرة من الأسرتين اللتين تسكنان في ذلك البناء من مازوت التدفئة، وربما غيرها من الأسر، التي ستبقى تشتريه من السوق السوداء بستة أضعاف سعره الحقيقي. والسؤال: أليست الأسر التي تسكن في مثل هذه البيوت التي من الواضح للعيان أنها مكونة من طابقين، أحق من تلك التي حصلت على 3 حصص وحصتين رغم أنها تسكن في شقة؟

كما وجه “الصالح” بتعبئة كمية إضافية لأسرة لديها طفلة معاقة، ولم يوافق لأسر أخرى لديها أكثر من معاق، ولا ندري موقف المحافظ إزاء هكذا تصرفات جائرة ومتناقضة.

توزيع عشوائي

ولدى مناقشة عضو المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة، مسؤول قطاع التجارة الداخلية وحماية المستهلك أحمد شيخ أمين بما شهدناه قال: “وضعنا فيما يخص توزيع مازوت التدفئة صعب جداً. نتيجة “العشوائية” بتوزيع الكمية السابقة، ما أدى إلى توزيع كامل الكمية المخصصة لجميع الأسر على نحو 6000 أسرة فقط من أصل نحو 8300 أسرة. الأمر الذي اضطرنا للطلب من المورّد (إسعافنا) بكمية إضافية حتى ولو (بالدين) من مخصصات الشتاء القادم”.

مضيفاً إن القرار كان في البداية توزيع 150 ليتراً على كل أسرة في التوزيع الحالي، لكن بعد ذلك تمت زيادة الكمية إلى 200 ليتر.

واستناداً إلى ذلك يقول شيخ أمين إنهم “سلّموا لجنة التوزيع الحالية العمل، وزودوها بالتعليمات اللازمة. وهي صاحبة القرار بالتوزيع”.

من “العشوائية” إلى “المزاجية” 

حسب الشيخ أمين كانت الأسر المستهدفة بالتوزيع الحالي ستحصل على 150 ليتراً فقط من المازوت، في مقابل 300 ليتر حصلت عليها الأسر في التوزيع السابق. أي إن الجهات المعنية حمّلت الأسر المستهدفة حالياً بتوزيع المازوت تبعات  “العشوائية” التي تحدث عنها الشيخ أمين بتوزيع الكمية السابقة من مازوت التدفئة، وما نتج عن ذلك من تداعيات.

وإذا كانت “العشوائية” هي التي سيطرت على التوزيع الماضي للمادة، ونتج عن ذلك ما نتج من تداعيات، فما هو موقف الجهات المعنية في المحافظة من “المزاجية” و “التناقضات” التي تحكم التوزيع الحالي؟ قبل أن تنتج عن ذلك تداعيات أخرى تضع هذه الجهات في مأزق جديد.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار