الميزياء والبينياء.. هل هي مصطلحات غرائبية؟

د.رحيم هادي الشمخي:

الميزياء فلسفة الميزة، فهي تدرس ميزات الأشياء وتعدّ أن للأشياء مميزات بدلاً من ماهيات، فالميزة متغيرة ومتطوّرة، بينما الماهية ثابتة وغير قابلة للتطور، فمثلاً كانت ميزة العقل كامنة في الحفاظ على الجنس البشري من خلال تجنّب الضرر والإقبال على المفيد، ومن ثم تغيّرت ميزة الفعل وتطوّرت وأصبحت كامنة في إنتاج المعرفة وإن كانت غير مفيدة عملياً لنا كـ(الرياضيات المجردة)، من هنا تعدّ (الميزياء) أن لكل شيء ميزة أو ميزات على ضوئها يتشكل ويكوّن.

أما البينياء فتدرس ما بين الأشياء، لأن ما بين الأشياء يبين الأشياء، فمثلاً الدماغ يتكوّن من نيورونات وعلاقتها، وكلما كثرت العلاقات والاتصالات بين (نيورونات العقل) زادت القدرات العقلية وعمليات التفكير، من هنا يتكون العقل مما يوجد بين أجزائه من علاقات واتصال،اً هذه المصطلحات ليست غرائبية لأن لها معاني ومدلولات، فالفلسفة والعلوم تسعى إلى تحليل المفاهيم وتفسير الظواهر وحل المشكلات الفكرية وخلق لغات ومصطلحات جديدة، من هنا لابدّ من صياغة مفاهيم وعبارات جديدة في اللغة العربية وإلا سنخسر لغتنا الجميلة، وبما أن إحدى الوظائف الأساسية للفلسفة والعلوم هي إنتاج مفاهيم جديدة، إذاً ليس من المستغرب أن نبني مصطلحات جديدة كمصطلحي (الميزياء والبينياء).

إن هذه المفاهيم هي مفاهيم جديدة لم تجدها من قبل لغة العرب أو لغات الغرب، فالميزياء من الميزة، والجيزياء من ما يجوز وما لا يجوز،، والحيزياء من الحيّز، ومن خلال هذه المصطلحات ظهرت لدينا فلسفة جديدة فلا توجد فلسفة مختصة فقط بدراسة المميزات، بل ركّزت الفلسفة عادة على دراسة ماهيات الأشياء والظواهر بدلاً من دراسة مميزاتها، ولهذا سعى بعض الفلاسفة العرب إلى شق طريق خاص بدراسة الميزة بمعزل عن الفلسفات السائدة كفلسفة الماهيات وفلسفة الاختزال، وقد وجد هؤلاء الفلاسفة أن تاريخ الفلسفة العربية حافل بالمصطلحات والتعاريف، وكثيراً ما وجدت في كتب ابن رشد الذي أعطى للفلسفة حقها، ونهلت شعوب العالم من العلوم والمعارف، وبذلك، لم يستطع الغرب اللحاق بما قدمه الفلاسفة العرب من خدمات جليلة في تعريف الظواهر المجتمعية في العالم، أما ما حدث من تطور في مجال الفلسفة العربية فهو تلك الابتكارات التي نهل من معينها فلاسفة الغرب والشرق على مدار السنين.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار