«التنسيبُ الأدبيّ» طقوسٌ تساعد على الدخول إلى عالم الأدب
تشرين-نضال بشارة:
«التنسيب» هو مجموعة طقوس تختلف حسبما يتم إعداد المرء له، حسب شروط الدين أو الحزب أو المؤسسة، التي سيتنسب لها. ولا يتم «التنسيب» إلاّ بعد أن يستكمل المنتمي الجديد الأدوات المطلوبة التي تعده إعداداً جيداً لممارسة ما انتمى إليه، ومن ضمنها تلقين المبادئ. وقد رأى مترجم كتاب «التنسيب الأدبي» الصادر حديثاً عن اتحاد الكتّاب العرب بدمشق، الناقد والأديب حنا عبود أن مؤلف الكتاب «إميل فاغيه» اختار مصطلحاً لم يستخدم في الميدان الأدبي من قبل ولا من بعد، وهو «التنسيب الأدبي»، أي الإعداد الأدبي المطلوب لتمكين المنتمي من ممارسة انتمائه على الشكل الأكمل، ولهذا اختار ما يجب أن يعرف من الأدب حتى يكون المُنْتَسِب على علم بالإطار العام لهذا المحيط الكبير الذي اسمه الأدب. وقد أدرج المؤلف الفلسفة وألوان التفكير الأخرى كالسياسة والاجتماع…إلخ من ضمن الأدب، ولم يدخل علم النفس لكونه علماً وليداً في القرن التاسع عشر، حيث تنتهي المعلومات اللازمة للتنسيب، فالمؤلف لم يستهلك من القرن العشرين سوى عقد ونصف العقد، ثم إن الكتاب ليس مسحاً لكل أدب في العالم، بل لما هو لازم حسب نظرة المؤلف لشروط الانتساب، فهو ليس تلقيناً بل إنه برنامج له. واجتهد المؤلف في تلخيص الأثر الأدبي بتقديم بضع كلمات جوهرية تحمل مضمونه، أما البقية فعلى المنتسب أن يسعى إلى المعرفة المرغوبة ويتوسع فيها.
قسّم المؤلف كتابه إلى واحد وعشرين فصلاً، بدأه بأسفار وأشعار الهند القديمة، واختتمه برموز النهضة الأدبية في بولندا، وعرض المؤلف في فصول كتابه لـ الأدب الإغريقي، اللاتيني، أدب العصور الوسطى، في فرنسا، وإنكلترا، وألمانيا، وإيطاليا، وأسبانيا والبرتغال، ثم ذكر أدب النهضة في القرنين السادس عشر والسابع عشر، في فرنسا، وإنكلترا، وألمانيا، وإيطاليا، وأسبانيا والبرتغال وأدب القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في تلك الدول أيضاً ما عدا البرتغال، وفي الفصل ما قبل الأخير تحدث عن الأدب الروسي.
وفي تعريف الكتاب بالشعر الدرامي الهندي يذكر أنه شعر غير ممتزج بالملحمة بالمعنى الدقيق للكلمة، ولكنه مختلط باستمرار مع أوصاف الطبيعة ومع الرسم اللغوي للطبيعة والتوسل والصلاة للطبيعة. والشاعر الهندي الدرامي لا يفصل الإنسان عن الهواء الذي يتنفس ولا عن العالم المحيط به، وفي تذكّر لحظة النهار أو الليل التي يبرز فيها المشهد، في الساعة الفعلية، فلا شك أن الشاعر ينصاع لقانون يمليه عليه جمهوره، فيحتفظ بتواصل شخصياته مع الأرض والسماء، مع الفجر الذي يصفه والقمر الذي يرسمه والمساء الذي يجعله مرئياً، والنباتات التي يصورها ذابلة أو منتعشة، والطيور التي تقدّم عرضاً في كل مكان من البلاد أو تعود إلى أعشاشها. وفي فصل الأدب الإغريقي تحدث المؤلف عن الإلياذة والأوديسة، وعن صاحبهما «هومر»، كما تحدث عن شعراء الرثاء والغناء، وعن كتّاب الكوميديا، والتراجيديا، وعن الفلاسفة بدءاً من أفلاطون، وأرسطو، إلى الفلاسفة الرواقيين والأبيقوريين. ويمضي المؤلف في كل فصل معرّفاً «المنتسب» باختصار بأهم الأعلام في كل أدب، في كل عصر من العصور المُشار إليها. فمنها سنعرف فكرة بسيطة عن أشهر الأعمال الأدبية التي أُنتجت في الأزمنة المشار إليها آنفاً، كالإلياذة والأوديسة، والكوميديا الإلهية، ومسرحية المفتش، ورواية آنا كارنينا، ورواية الحرب والسلم، ورواية الجريمة والعقاب، وسيعرف «المنتسب» من هو بترارك، وبلزاك، وراسين، وسرفانتس، وأوفيد، وأرستوفانيس، وأسخيلوس، وشكسبير، وأبرز الأدباء في كل عصر. فمن القرنين السادس عشر والسابع عشر نقرأ عن رموز الأدب الإنكليزي، عن الشاعرين «اللورد بايرون، وشيللي»، وهما رمزا المرحلة الرومانتيكية. فالأول شاعر مبدع متحرر من الوهم واليأس، لديه عبقرية ملحمية نبيلة، فأوجد وأحيا شخصيات، لا بد من الاعتراف أنه لا يختلف أحدهما عن الآخر إلا قليلاً، ولكن بلغة فخمة وأسلوب عظيم، وهو الشاعر الإنكليزي الوحيد الذي، عدا عن شكسبير، مارس تأثيراً أصيلاً على الأدب الفرنسي، فالكتاب كما أراده مؤلفه ليس مصمماً لتبيان الطريق للمبتدئ وليثير اهتمامه الأساس، بل طمع أن يكون ذخيرة مناسبة يعود إليها الفكر لرؤية النظرة العامة لمرحلة من المراحل، وما يربطها بما يليها أو ما يسبقها، ويحض على البحث والتأمل.