بينَ «داو جونز» وسوق الزبلطاني

عطاسُ الجوارِ يصيبنا غالباً بالزكام، مهما بلغت حذاقتنا في إجراءات الاحتراز.. ومن ذلك أزمة القطاع المالي اللبناني، مايؤكد أن بوابتنا الغربيةَ بالغةُ التأثيرِ في عمقنا الاقتصادي، ولعلَ الوقائعَ الطارئةَ في سوق العملات تشي بحقيقة العدوى المعقدةِ التي أربكت الموقفَ النقدي لدينا، بما أنه لا مستجداتٍ اقتصاديةً ملموسةً يمكن اتهامها بجديدنا على الصعيد النقدي.

لبنان على موعد قريب مع “وصاية قضائية” فرنسية – أوروبية للتحقيق مع رجالات السلطة النقدية بخصوص ملفاتٍ مثارَ جدلٍ، ورغم الظنون بأن هذه محاولة تبرئة لا إدانة، إلا أن مجرد إشعار بيروت بما هو قادم أشعل سوق العملات وطار بالدولار الواحد إلى مافوق ٤٧ ألف ليرة لبنانية.. وطبعاً وصل بعض اللفحِ الساخن إلينا على طريقة “العطاس والزكام” المعهودة..
الآن يتساءل كثيرون، في الأوساط الاقتصادية والإعلامية السورية: أليس ثمّةَ طريقة للخلاص من سطوة أكبر كذبة أطلقتها أميركا وصدقها العالم مرغماً..؟؟
أما آن الأوان لإيجاد “تيرموميتر” لقياس حرارة الاقتصاد، بعيداً عن أخبث منتج أميركي روّع العالم منذ “بريتون وودز ” وما قبلها وما بعدها ورواية المعادل الذهبي والخديعة الكبرى؟؟
نُسلّمُ بصعوبة الموقف في الاقتصادات الماليةِ الريعيةِ.. لكن ماذا عن الاقتصادات الإنتاجية كحالنا؟
هل يمكن أن يفسّر لنا أحد “الضليعين” بحل ألغاز السوق عن علاقة أسواق الهال السورية والريفيّات – بائعات الخضر والألبان في منطقة البرامكة – باتفاقية بريتون وودز ومؤشر ناسداك و”أخواته”..؟؟
نتساءل تساؤلات العارف بالبنى العميقة وبقشور المشهد الاقتصادي المحلّي، وإن اقتنعنا بالقشور لجهة العدوى العالمية، فإننا لن نقتنع بقلّة كفاءة بنيتنا الاقتصادية في الصدّ عن البلاد والعباد ومواجهة جائحة اسمها الدولار.
نجتهد لتحصين خصوصيتنا السورية على الورق وفي اللوحات الإلكترونية المعلقة على واجهات البنوك، لكن في أسواق السلع حديث آخر بلكنة لبنانية خالصة.. حيث الأسعار تجري كما تشتهي رياح أسعار الصرف في بيروت وشتورة، وكأننا أمام حالة تعويم حقيقي لعملتنا..
فلماذا لا نكون أكثرَ جرأة ونعلن التعويمَ صراحةً؟؟
عندما نتمكن من تأمين احتياجات المواطن الاستهلاكية من السلّة الإنتاجية المحليّة، وتوزيعها عبر أذرع التدخل الإيجابي، و التي أغدقنا عليها فائضاً من السّلف المالية غير المرتجعة، فكم يبقى من الهواجس المزعومة التي تحولُ دون اتخاذ قرار التعويم؟
نحن على يقين من أن مثل هذا القرار الجريء سيُخرج “أطنان” العملات الأجنبية من مخابئها إلى الفعل التنموي الحقيقي.. بما أن خيارات الهروب إلى الأسواق الخارجية غير مجدية وغير آمنة على خلفية الأزمات التي تعصف بالعالم أجمع.
نمتلك الكثير من التحصينات المتينة ضد هجمات الأزمات الجاهزة “المُعلّبة”، لكننا حيّدناها وارتمينا بين أذرع واستطالات عالمية لاترحم.
لنا مفرداتنا المنبثقةُ من نفحاتِ سنابل القمح وكروم الزيتون وبيارات الليمون وبساتين كل ماتشتهي جذوة الاستهلاك ومن مراعي الماشية.. لنا ليرتنا هويتنا التي نعتز بها وعلينا أن نُعزّها ونعززها بالإنتاج وليس بالتصريحات وإجراءات الصراع مع النتائج وتناسي الأسباب وتجاهلها..
مؤشر سوق الهال في حماة والزبلطاني أهم بكثير من مؤشر “داو جونز ونيكي”.. وبورصة القمح تعنينا أكثر بكثير من بورصة الذهب.. وإن لم نقتنع فلنستعدَّ للمزيد من الرضوض والصراخ من أوجاع الآخرين.!!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار