في روايته “الأرملة” قيس حسين يوثق قصص الحرب على سورية

تشرين- ثناء عليان:

رواية “الأرملة” هي الرواية الثانية للكاتب قيس حسين بعد الرواية المشتركة “هكذا روضها” مع الكاتبة كارمن إسماعيل، وديوان شعري بعنوان “قبّل حبيبتك الغاضبة”، توثق الرواية الصادرة عن دار سويد في دمشق الحرب على سورية ومعاناة الإنسان السوري، الذي فقد توازنه في ظل الأزمة بسبب ما مر عليه من ويلاتها، حسب ما ذكر الكاتب حسين خلال حفل توقيع الرواية الذي أقيم في المركز الثقافي في طرطوس بحضور ثلة من الأدباء والمثقفين والمهتمين، وبمشاركة الأديب غسان كامل ونوس والشاعرة أحلام غانم، اللذين قدما قراءة نقدية للرواية.

بداية بيّن ونوس أن الرواية تنتمي بجدارة إلى أدب الحرب، أو أدب الحرب العدوانيّة على سوريّة تحديداً، إذ اعتمدت إحدى البلدات، التي شهدت الحرب، المسرح الأهمّ لأحداثها، وتفاعلاتها، وتطوّراتها، وتقلّدت مجتمع تلك الضاحية- من دون أن تسمّيها- بعناصره المتعدّدة، المنسجمة والمتنافرة، مركبها المتحرّك بين الأمواج الناريّة بفعل العواصف المدمّرة، القادمة من جهات الشرّ المتحكّمة مادّيّاً وتقنيّاً وعقائديّاً، وبعضٍ من ركّابها، الذين يسهمون في إضرام النيران في مكنوناتها بجهالة وقصر نظر؛ فماذا ستكون حال المتنوّرين من أبنائها- على قلّتهم- وهم الذين لم يسلموا، قبل الاشتعال، من الظلم والتضييق؛ كما عانت البلاد من فساد وممارسات شاذّة، وأفكار قدريّة، ولم يمنعهم هذا من الرؤيا السليمة والقراءة الصحيحة لِما جرى ويجري.

ولفت ونوس إلى أن الروائيّ اختار أغلبية شخوص الرواية من بيئة واحدة، وتركهم يتحاورون على تناقضاتهم، ويتحرّكون، ويتعالقون وفق مستوياتهم الفكريّة والاجتماعيّة، واعتمد في بناء نصّه على السرد الرشيق المقتصد، الذي يسعى إلى حشد ما يتطلّبه حدث بحجم الحرب العدوانيّة على سوريّة، في نصّ قصير نسبيّاً، من وقائع وارتدادات ومواقف وأقوال، كما شغل الحوار حيّزاً مهمّاً من الصفحات: حوار خارجيّ صريح وجريء ومثير وقصير، وحاذق يسير بين الأشواك على حواف الجروف والانهدامات، ولا سيّما حين يكون بين شخصيّات متنافرة، تحاول إرجاء الخلاف أو تزيينه، كما في سهرات الخميس قبل حصول الكارثة، بين العَلمانيّ والمتديّن والمتعهّد والتابع والفاسد.

ولفت إلى أن الرواية أظهرت العلاقة المتجذّرة بين سلطات مختلفة، إضافة إلى الاقتصاديّة، كما أظهرت ثقافة متنوّعة، ومعلومات تاريخيّة، وعرض جرائم بحقّ الإنسانيّة، قديمة ومعاصرة، وكتابات حول اللغة العربيّة، وعن سرقة الصهاينة لتراثنا الثقافيّ الغني بالأفكار المتنوّعة المناحي والمعاني.

وعن النصوص الشعريّة، بيّن ونوس أنها من تأليف الراوي غالباً، فهو شاعر أيضاً، وجاءت في أمكنة مناسبة من نسيجها في الغالب، على الرغم من طولها الزائد حيناً، وعامّيتها حيناً آخر. أما لغة الكاتب فجاءت فصيحة معبّرة حيويّة، تميل إلى الجفاف أحياناً، مع المعلومات، التي تعرضها، والسرد العادي للأحداث.

الشاعرة أحلام غانم أكدت في قراءتها النقدية أن رواية “الأرملة” تشكل أهمية رمزية ترتبط بياسمين سورية، الذي لا يمكن أن يكتسي إلا ثوب البياض رغم السواد الذي خلفه الإرهاب الظلامي لتصبح عرائشه شواهد حقيقية على فجيعة السوريين الإنسانية، لافتة إلى أن الكاتب اختار عنواناً ذكيًا فيه الكثير من التراجيديا، أسقط من خلاله تيمة عمله من البداية حتى النهاية على المعارك الذاتية في لغة تشبه الهذيان وتوالف عجيب وذكي، مع حبكةٍ روائيةٍ تحملها تلك الشخصية المركبة، الرغبة/ الأرملة الغريبة الأطوار، الجميلة الملامح. وأضافت: صنع الكاتب في روايته من السرد متاهة تمارس سطوتها على القارئ، عبر لغة مشفرة، تنتج دلالاتها الخاصة، وتحيل إلى وضع القيمة التعبيرية لما وراء “الأرملة” في ظرف دلالي خاص، لافتة إلى أن الراوي يحاول أن يبني انطلاقاً من آليات اشتغال الذاكرة، والأدوات الفنية الأدبية للتخييل الروائي، سردية توثيقية مسكوتا عنها، ويمرر آراءه، ويرمي الجزء المعطوب من تفاحة يقينه، لرصد لحظات فارقة في الحياة السورية، ويضعنا أمام هذا الواقع المر والصعب واللاإنساني، غير أنه في الوقت نفسه منح الفانتازيا سطوة على الأحداث، عبر تحرره من المنطق، ومراوغة فضول القارئ بالبحث في خريطة كبريائه واستدعاء أصحاب الفلسفات الكبرى وبعض الشخصيات الرئيسية الأخرى على امتداد الرواية.

وأشارت إلى أن الكاتب حاول التوغل في مشكلات ثنائية، المادة والروح،  الفن والدين، الحب والهوية، الأصالة والمعاصرة،  وهي مشكلات فلسفية،  اشتغل عليها سرداً وتحليلاً، ويمكن أن نرى كيف تمثـلتْ براعة المُـبدع في تجسيد الصراع العقلي والنفسي داخل “نعيم” مزقه ما يراه من صراع بين الإرهابيين والقوى المُـدافعة في وجههم.

واللافت في هذه الرواية هو اللغة المدهشة، ذات الطابع المجازي، التصويري، والطاقة الإيحائية، بل الشعرية العالية، وقدرة الكلمات على أن تفيض خارج معانيها المباشرة، لافتة إلى أن العمل ارتكز على ميراث معرفي عريق ممتد من الحكايات والمرويات والأمثال، والمأثورات، والأمثولات، وأدب الحكمة، كما أنه مزج سرده لواقع سورية الراهن ومتخيله الروائي، بتلك المرويات والمأثورات والأمثال المستقاة من الثقافة السورية .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار