الاقتصاد الغربي والغاز الروسي وعض الأصابع سنة 2023؟
أ.د: حيان أحمد سلمان
بدأت حرب الغاز بين روسيا والدول الغربية لتكمل حرب النفط والسلع الغذائية وغيرهما مترافقة مع فوضى المنظومة السعرية في الأسواق العالمية، مصحوبة بارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم والبطالة والفقر والديون المعدومة وأسعار الفائدة وبؤر التوتر العالمية ومبيعات الأسلحة وغيرها، وبالوقت نفسه تراجع عمل سلاسل التوريد والاستثمارات والتجارة الدولية وغيرها، وتحاول الدول الغربية تحميل كل هذه التداعيات إلى الحرب (الروسية – الأوكرانية الناتوية) ونحن لا نقلل من تداعياتها السلبية، لكن أكثر هذه المؤشرات تجسدت واقعياً قبل الحرب أي قبل تاريخ 24/2/2022، وأكثرها مرتبط بالنفاق الغربي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني وغيرها، وسأدلّل على ما قلته بوقائع وليس بالتحليل الاقتصادي (رغم أهميته)، ونذكر على سبيل المثال وليس الحصر :
أننا درسنا وندرّس طلابنا بأن السياسة الاقتصادية الغربية تقوم على (حرية الأسواق وعدم تدخل الحكومة في العمل الاقتصادي باعتبارها رب عمل فاشلاً، وأن الأسعار تتحدد من خلال لقاء قوى العرض الكلي مع قوى الطلب الإجمالي وبأن الأسواق تنظم نفسها بنفسها من قبل اليد الخفية Invisible hand التي ابتكرها الاقتصادي الكبير منظر الثورة الصناعية الغربية (آدم سميث) في كتابه حول طبيعة وأسباب ثروة الأمم سنة /1776/ أي قبل /247/سنة…الخ) .
ما يجري حالياً ونحن على أبواب سنة /2023/ تؤكد الوقائع وبالاعتماد على التصريحات الغربية وعلى الحكمة العربية (من فمك أدينك) وخاصة ما حصل في اجتماع المفوضية الأوروبية في (بروكسل) وتمثل /27/ دولة وهي الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، قررت مبدئياً خلال هذا الشهر ومن باب زيادة الضغوطات على روسيا وضع سقف لسعر الغاز الروسي ووفق الآليات المعقدة التالية: [ يحدد سعر الغاز كل /20/ يوماً وبسعر /180/ يورو للميغاواط /ساعة ، ويلغى القرار بعد /3/ أيام إذا أعلنت حالة الطوارئ بسبب نقص الإمدادات – إذا كان أعلى من /35/ يورو من السعر الدولي للغاز الطبيعي المسال المسلّم بالسفن] أليس هذا تدخلاً في السوق والأسعار؟ والقارة الأوروبية تؤمن فقط نسبة /10%/ من احتياجاتها فيما بينها وخاصة من مملكة (النرويج)، وتؤمن /90%/ من خارج حدودها ومنها حوالي /52%/ من روسيا، وأوعزت المفوضية الأوروبية إلى بورصة (الغاز الأوروبية في هولندا) المسؤولة عن تحديد أسعار الغاز ، حيث أكدت البورصة أن السعر وصل في شهر آب /2022 / إلى /345/ يورو /ميغاواط ساعة، وهنا نجد أن الفارق كبير بين سقف السعر المحدد والسعر الفعلي، علماً أن السعر سيزداد مع الشتاء الأوروبي القارس، كما أن الغاز يباع ويُشترى على منصات التبادل بسعر الجملة عبر وسطاء وأحياناً مباشرة من الصناعيين، وأحياناً يتم إجراء عقود بالتراضي لشراء الغاز للالتفاف على الالتزام بالسعر الأعلى له، وتسقيف الأسعار يتناقض مع مبادئ منظمة (التجارة العالمية WTO)، وهي المسؤولة عن ضمان حرية الأسواق وانسياب السلع والخدمات وإبعاد الحكومات عن التدخل في الأسواق ومحاربة الدعم المقدم من قبل أي حكومة لأية سلعة (يمكن العودة لقرارات المنظمة والتي تعتبر الدول الأوروبية من أهم مؤسسي المنظمة)، ولكن عملياً وبعيداً عن الشعارات والتضليل الاقتصادي قامت ألمانيا وهي قاطرة الاقتصاد الأوروبي وبتاريخ 21/12/2022 وبموافقة من المفوضية بتقديم دعم اقتصادي لشركاتها بمبلغ /49/ مليار يورو لنهاية سنة /2023/؟ فأين قرارات منع الدعم وحرية الأسواق؟!.
وستفشل أوروبا في تسقيف سعر الغاز كما فشلت في تسقيف سعر الغاز الروسي، علماً أن روسيا تعتمد بأكثر من/20%/ من صادراتها على النفط والغاز، والإيرادات الروسية زادت خلال سنة /2022 / بالمقارنة مع سنة/2021/ بأكثر من /8%/ ، وتبدو ملامح سنة /2023/ أنها تنبئ بزيادة القوة الروسية الاقتصادية، فقد دشن الرئيس الروسي ( فلاديمير بوتين) بتاريخ 21/12/2022 حقلاً جديداً للغاز في منطقة سيبيريا ويحتوي على /1800/ مليار متر مكعب وسيخصص إنتاجه للصين، وسينضم هذا الحقل إلى خط الأنابيب (قوة سيبيريا) الذي يؤمن الغاز للعملاق الصيني منذ سنة /2019/، ومن المتوقع أن تنتقل روسيا من المرتبة الثالثة عالمياً في تصدير الغاز لتصبح في المرتبة الأولى، فهل ستكون سنة /2023/ شاهداً على التغيرات الاقتصادية والجيو-سياسية الكبيرة مع اشتداد الصراع (غربي ناتوي) والشرقي (صيني – روسي)، فمن سيصرخ أولاً، وقد بدأنا نسمع أصوات الأوروبيين من المشاكل الاقتصادية بسبب تبعية قياداتهم للإدارة الأمريكية، ومع تفاقم المشاكل الأوروبية المعيشية، هل تستمر أوروبا في تبعيتها أم ستنسحب بعض الدول من الاتحاد الأوروبي؟
كل الاحتمالات مفتوحة على المستقبل، وكل أزمة اقتصادية تحمل في طياتها بذور حلها وأيضاً تعقيدها.