أين باتت «البحصة التي طالما سندت الجرّة»؟؟… الجمعيات المالية الشهرية عُرف قديم في ذمة التحولات الجديدة

تشرين – بشرى سمير:
ضعف الأجور وعدم كفايتها لتلبية الاحتياجات، في ظل الظروف المعيشية الصعبة والقاسية، دفع عدداً كبيراً من الموظفين في المؤسسات الحكومية والخاصة إلى تنظيم ما يعرف بالجمعيات المالية الشهرية فيما بينهم، والتي تكون الحل الأمثل لتوفير متطلباتهم، ويتم توزيع مواعيد قبض الجمعية حسب القرعة أو ترتيب الدور حسب الحاجة، وغالباً ما تنظم الجمعيات في مواسم المدرسة أو مع قرب حلول شهر رمضان، أو موسم إعداد (المونة)، وقد تزايد مؤخراً عدد هذه الجمعيات، نتيجة للأعباء المالية التي تواجه العاملين، وقد يرتبط الموظفون بمبلغ يتراوح ما بين 20- 30 ألفاً في الجمعيات، التي تستمر سنة أو سنتين حسب عدد الأفراد المشاركين فيها.

ارتفاع الأسعار
بين عدد من الموظفين في القطاع العام، أن الراتب الذي يتقاضونه لا يلبث أن يتلاشى في الأسبوع الأول من استلامه، نظراً لارتفاع الأسعار وضعف الراتب، حيث يقول محمد خدوج موظف في إحدى الدوائر الحكومية وهو أب لثلاثة أبناء: إن الالتزامات المالية تشكل عبئاً كبيراً على كاهل رب الأسرة، خاصة مع الارتفاع الكبير للأسعار، وأضاف: إنه يعمل عملاً إضافياً ومع ذلك لا يستطيع تأمين كل مستلزمات أسرته، ما يضطره إلى الدخول في جمعية مع زملائه ليلبي بعض احتياجات الأسرة.

موظفون: الجمعيات حل إسعافي غير كاف لتجاوز الأعباء الكبيرة

فيما أشارت مها محمود إلى أنها كانت تشارك في الجمعية الشهرية، لكن قلة الراتب جعلتها تحجم عن الاشتراك، لعدم قدرتها على الاستغناء عن أي مبلغ من الراتب الضعيف أصلاً.
فيما قالت هدى الحوراني وهي موظفة في إحدى الدوائر الحكومية: إن الراتب وحده لا يكفي ولا يسد كل الالتزامات المالية بشكل عام، لذلك أشارك في الجمعيات المالية مع الموظفين في العمل، أو حتى مع أفراد من خارج العمل بمبلغ يصل إلى ألف ليرة وتمتد حتى 12 شهراً، أي تكون عاماً كاملاً، وتضيف: خاصة أنني أحتاج المبلغ خلال فترات معينة تجتمع فيها أكثر من مناسبة مثل متطلبات (المونة)، أو العودة إلى المدارس أو الجامعات وغيرها من الأعباء التي تقصم الظهر.

بضائع نخب ثانٍ
في حين قال موفق الجمال إنه يعمل أكثر من عمل، لدرجة أنه لا يرى أطفاله إلا وهم نيام، حتى يتمكن من العيش لنهاية الشهر، من دون اللجوء إلى الاستدانة من زملائه، مشيراً إلى أنه يشتري من الفاكهة والخضار النخب الثاني أو الثالث، وألبسة أولاده غالباً من البالة، والتي ارتفعت أسعارها بشكل كبير هي الأخرى، ويعجز عن الشراء منها، لذلك لابد من اللجوء إلى الجمعيات المالية التي تدار بين الموظفين لتدارك الأزمات المالية.

غالباً ما تنظم في مواسم المدرسة أو مع قرب حلول شهر رمضان

مخرج للأزمات
بدوره أشار الخبير الاقتصادي منذر خير بيك، إلى أن أكثر الأسباب التي أدت إلى توجه الموظفين للدخول في مثل هذه الجمعيات المالية، هي زيادة المصروفات والرواتب البسيطة، إضافة إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، فضلاً عن توالي المناسبات أو تزامنها في نفس الأوقات، ما يرتب عليه التزامات مالية كبيرة، مثلاً قدوم فصل الشتاء والحاجة إلى تأمين التدفئة، إضافة إلى احتياجات المدرسة والمواصلات، والتي مع قلة وجود المحروقات ارتفعت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وأكد الخبير الاقتصادي أن دخول الموظفين في جمعيات مالية يعتبر من أحد المخارج لحل الأزمات المالية، وتجنباً للدخول في متاهة إجراءات القروض للمصارف المالية، التي لها عدد كبير من الشروط، فضلاً عن الفائدة التي تحتسب على السلفة. ولفت خير بيك إلى أن الجمعيات المالية بين الموظفين تعتبر طريقة مثلى لحل المشكلات المالية التي يتعرضون إليها، بحيث تكون العلاقة بين الموظفين علاقة ودية وأخوية، خالية من الاشتراطات المالية، التي تلجأ إليها غالباً المصارف، ويتوجه العديد من الموظفين إلى الاشتراك فيها حتى خلال أيام السنة العادية، ليجدوها في الأيام الصعبة على مبدأ “خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود”.

اختصاصية اجتماعية: نوع من أنواع التكافل والتعاضد الاجتماعي

تكافل اجتماعي
وأشارت الاختصاصية الاجتماعية سوسن السهلي إلى أنها تندرج تحت عنوان التكافل والتعاضد الاجتماعي، الذي نحن بحاجة له هذه الأيام الصعبة. ويمكن للموظفين الميسورين مادياً الدخول في الجمعيات الشهرية، لمساعدة زملائهم المحتاجين، بحيث يقبضها الموظف المحتاج أولاً لمساعدته على تأمين احتياجاته، وتالياً أصبحت أسلوب حياة لدى الكثير من الموظفين، وفيها مصلحة للجميع من غير ضرر أو إضرار، لأنها تقوم على الاتفاق بين زملاء العمل، ويمكن أن يشارك فيها عدد كبير من الأعضاء، إضافة إلى أنها تساعد في تمويل المشاريع متناهية الصغر التي قد تقوم بها ربة المنزل الموظفة لتحسين دخلها، وتأمين احتياجات بيتها في الأوقات الضرورية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار