روح جماعية.. واللعب ببلاش
تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:
كانت الألعاب الشعبية ومازالت أحد المعالم الواضحة للحياة الاجتماعية في مجتمعاتنا العربية، حيث أدرك الجميع منذ القدم أهميتها في تنشئة الطفل ومساعدته على النمو والتفكير واكتساب الطاقة، ونظراً لطبيعة المجتمع ذات الروح الجماعية التي سادت كل جوانب الحياة، كان من البدهي أن تنعكس تلك الروح على الألعاب الشعبية، التي كان يؤديها الأطفال صبية وفتيات، فعلى عكس المجتمعات الغربية التي تشجع الروح الفردية في اللعب عند الأطفال، فقد كان مجتمعنا يشجع دائماً الروح الجماعية، ومع إن الألعاب الشعبية الخاصة بالذكور مختلفة عن تلك الخاصة بالفتيات، فقد تركزت ألعاب الذكور دائماً على القوة والشجاعة والمهارة والسرعة واليقظة، وقد تحتاج إلى مساحات كبيرة للجري مثلاً وأداء النشاط المطلوب.
أما ألعاب الإناث فتتركز على القيم المنزلية المتصلة بدورهن في المستقبل كزوجات وأمهات مع حاجتهن إلى مساحات ضيقة وقريبة من البيت دائماً، إلّا أن هناك ألعاباً جماعية كان الجميع يشارك فيها، وهي عادة ألعاب بسيطة لا تحتاج إلى مجهود كبير، كأن يكوّن الأولاد والفتيات حلقة كبيرة بتشابك الأيدي، ثم يقومون بغناء بعض الأغاني الشعبية الجماعية، وهي غالباً ألعاب تؤدي احتفالاً بمناسبة ما بين أهالي الفريق الواحد، كرجوع الغائبين من رحلة أو قدوم مولود جديد، أو في الأعياد والمناسبات الاجتماعية الأخرى، حيث تنشد الأناشيد والأغاني الشعبية الخاصة بتلك المناسبة، ويكون هذا الاختلاط بين الذكور والإناث في سن صغيرة، فإذا كبر الأطفال فإن انفصال أماكن اللعب يكون أمراً ضرورياً، لأنه متصل بقيمة مهمة جداً نشأ عليها المجتمع العربي.
إن روح الطفولة التي انخرطت في هذه الألعاب الشعبية في القرية والضيعة والمدن كانت تعيد في ألعابها طقوس الماضي داخل مساحات المزارع أو باحات البيوت أو صعود النخيل أو الأشجار الكبيرة، ويعدّ الأطفال هذا النوع من الألعاب الشعبية أو الأشجار قوة رياضية رغم أنها لا تخضع لمقامات رياضية منظمة، وما أكثر هذه الألعاب في المناسبات الوطنية في المجتمعات العربية.
ما أجملها تلك الألعاب الشعبية يوم كنا صغاراً، نعيش بفطرة أعمارنا التي لم نحسب لنهايتها حساباً.