الدوران داخل الصناديق الجوفاء لا ينقل مهارات ولا يصنع خرّيجين… أساتذة جامعيون ينتقدون منظومة التعليم «الكلاسيكي» ويقترحون بدائل مرنة

تشرين – آية محمد:
لم يعد التلقين خياراً “استراتيجياً” في المناهج التعليميّة.. بل بات طريقة بائدة أثبتت فشلها المطلق.. ورغم أن معظم بلاد الدنيا أقلعت عن الطريقة التقليدية في المناهج الدراسية وفي الامتحانات أيضاً، ومنها بلدان عربيّة، إلّا أننا نبدي إصراراً على هذه الطريقة التي لم تعد تحقق قيماً مضافة للطالب وبالتالي لمخرجات المنظومة التعليميّة.
قد يكون لدى وزارة التربية مشروعها في مجال التحوّل نحو “عصف الذهن الطلابي”، لكن لم تصل العدوى إلى وزارة التعليم العالي حتى الآن… وبقيت المناهج التلقينية وبالتالي الامتحانات التي تعتمد على ما علق بالأذهان لصبّه على الورق، ثم مراقب و غشّ و”راشيتة” و ضبوط وسلسلة مفردات كئيبة يمكن إلغاؤها بطريقة الامتحان المفتوح الذي يعتمد على “إبداع” الطالب وليس مجرد ذاكرته.
لكن الامتحانات المفتوحة والإجابات الإبداعية تحتاج مناهج من هذا النوع… ووفقاً لما نعيشه ونعايشه يبدو أننا تأخرنا كثيراً في طرق باب ” الخيار الإبداعي” في سبر ما لدى الطالب وهذه وجهة نظر أساتذة قائمين على عملهم في الجامعات السورية.

معاناتنا تكمن في عدم اكتشاف واستثمار الطاقات الاجتماعية.. طاقة الإنسان التي هي قيمة القيم وأساس الحركة في أي وطن

ضرورة
اليوم.. نتبادل هذه الورقة عرضاً لبعض المداخل، أصيلة الفكر التي يمكن من خلالها بناء مناهج التعليم وتطويرها لتنشئة أجيال ذهبية، وتطوير ذهن المجتمع وتنويره وتثقيفه بطرق مختلفة وجديدة، فكما يُقال..غيّر نفسك تغير التاريخ “ما لم نغير أنفسنا فإن غيرنا سيغيرنا” وإن التغيير يبدأ بتغيير عالم أفكارنا ومناهجنا، لأننا لا نعاني من فقر في الإمكانات المادية، بقدر ما نعاني من الارتباك وبطء الانعطافات التي غالباً تكون استحقاقات.
يرى أساتذة أن معاناتنا تكمن في عدم اكتشاف واستثمار الطاقات الاجتماعية.. طاقة الإنسان التي هي قيمة القيم وأساس الحركة في أي وطن، رغم أننا مقتنعون جميعاً بأن بناء الأجيال من أصعب الوظائف التي يمكن أن يتم البحث في محاورها، بحيث نبعد هذا الجيل على أن يكون كالوعاء الذي يسكب فيه الكثير من المغالطات والمسارات الموجهة المليئة بالجمود والسكون.
يؤكد الدكتور شعبان شوباصي أستاذ الاقتصاد السياحي في جامعة دمشق، أن موضوع تغيير وتطوير المناهج متداول كثيراً في جامعاتنا وحتى في مدارسنا، لجهة ضرورة أسلوب تغيير الإعطاء والمناهج وأسلوب الامتحان، لكن علينا نحن أن نكون مرنين في الاستفادة من تجارب دول أخرى متقدمة بموضوع التعليم والتدريب كالمناهج الأمريكية التي تعتمد طريقة الحوار وطريقة تدوير المعلومة من أكثر من زاوية والحوار الذاتي لالتقاط المعلومة بسهولة .

علينا نحن أن نكون مرنين في الاستفادة من تجارب دول أخرى متقدمة بموضوع التعليم والتدريب التي تعتمد طريقة الحوار وطريقة تدوير المعلومة من أكثر من زاوية والحوار الذاتي لالتقاط المعلومة بسهولة

خريطة
في الآلية المطلوبة للتحول يرى الدكتور شوباصي في تصريحه لـ«تشرين» أن هذا تغييَر طريقةٍ و أسلوب المناهج والامتحانات تالياً، مطلب يطالب به الكثير لكنه يحتاج إرادة وقراراً، وأن القرار لن يتبلور من دون الاجماع عند جميع الأساتذة..و كما يقال: في الاتحاد قوة، واجتماع السواعد يبني الوطن .
ويرى أيضاً أن هناك فئة من الأساتذة خاصة الجيل القديم تأقلم مع الأساليب القديمة، وخرّج العديد من الأجيال على هذا المنوال والمنهج نفسه، واعتادوا طريقة الحشو والتلقين والحفظ، وهذه منظومة كاملة من طريقة صياغة المناهج وأسلوب العطاء أسلوب الاختبار.. هي جزء لا يتجزأ هي امتداد للكتب المدرسية، إذ لا يمكننا فصل موضوع المدرسة عن موضوع الجامعة، بطريقة نفسها التغيير فلنبدأ من الجذور وليس من الأوراق.

يضيف أستاذ الاقتصاد السياحي.. إن الطالب عندما يتأقلم مع أسلوب التفاعل والحوار والمناقشة والفهم وليس الحفظ ودمج التكنولوجيا في التعليم… يستمر بهذا المنهج والتفكير ويطالب به لأنه منهج إبداعي حقيقي ولا أحد يكره الإبداع.. لذا يقترح – شوباصي – أن نبدأ بالمدارس أولاً لأن أي معلومة متاحة بالعالم الافتراضي والإنترنت والبيانات كلها متاحة، ويرى أنه يجب تأهيل الأساتذة إلكترونياً، فهذا الحديث ينطلق من كليات التربية التي لديها اختصاصات بالمناهج والتربية والتعلم وبعدها يتم تدريب الكليات على هذا النمط، وأيضاً يجب أن نميز بين الكليات التطبيقية والنظرية من قسم لآخر فقسم التاريخ يختلف عن أقسام في الكليات الهندسية.. وبالمجمل ينقصنا الاطلاع على تجارب عالمية، يجب النظر إلى تجارب دول الخليج ولبنان ومصر…

هناك فئة من الأساتذة خاصة الجيل القديم تأقلم مع الأساليب القديمة وخرّج العديد من الأجيال على هذا المنوال والمنهج نفسه واعتادوا طريقة الحشو والتلقين والحفظ

حلقة مُفرغة
يشير الدكتور شوباصي إلى أنه تم عقد أكثر من ورشة عمل بنفس الأسلوب والموضوع والهدف، ولكن كل هذا يبقى حبراً على ورق، على الرغم من أن هذه الورش خرجت بمخرجات ونتائج وتوصيات وتمّ تعميمها لكنها بقيت مجرد كلام، فالطالب يبقى طالباً يدرس ليخضع للامتحان في نهاية كل فصل وبعدها ينسى المعلومات ليس للتعلم والاكتشاف والحوار، أي كأنه واجب، وليس هدفاً وسعياً لاكتساب المهارات والمعارف.. هذا كله يعود لطريقة العطاء ومنظومة كاملة تم ذكرها سابقاً.
يقترح الدكتور شوباصي أن تجتمع إرادة مجالس الجامعات بالكامل، وتبدأ بتغيير أدواتها و “تكنيك” المسألة التعليمية فيها على مستوى الأقسام في اختصاصات معينة، يبدو من الممكن التغيير والبدء بها أولاً، وتكون لدينا تجارب رائدة في كل كلية وتعمم على جميع الأساتذة.

من جانبها تؤكد الدكتورة ولاء يوسف الأستاذه في علم الاجتماع في جامعة دمشق، أن هناك جهوداً واضحة من أعضاء الهيئة التدريسية، هناك أساتذة يعتمدون طريقة المحاضرة مع النقاش، وآخرون يلجؤون إلى طريقة الحوار مع الطلاب في بعض الأحيان “طريقة السيكو دراما”.. وطرح المشكلة بأسلوب العصف الذهني، فنحن مع التنوع باستخدام أساليب الإلقاء، لأن الحوار مع الطلاب يولد لديهم حالة تهيؤ ذهني وعقلي وتحفّز للمعلومة.

يجب إعطاء فرصة لكل طالب.. فرصة التعبير عما يجول في تفكيره من حلول وأفكار جديدة قد تكون مهمة للجميع من خلال تبادل الأفكار والمعلومات بين الطالب والأستاذ

من تجربتها تؤكّد الدكتورة يوسف في حديثها لـ”تشرين” أن الأسلوب التقليدي غير محبب في يومنا هذا، لأن الطالب يفضّل الحوار والنقاش العلمي مع الأستاذ، ولاسيما إذا كانت المحاضرة متعلقة بالحياة اليومية، وتناغي ميول واهتمامات الطالب العلمية.. لذا يجب إعطاء فرصة لكل طالب.. فرصة التعبير عما يجول في تفكيره من حلول وأفكار جديدة قد تكون مهمة للجميع من خلال تبادل الأفكار والمعلومات بين الطالب والأستاذ.
أخيراً بقي التساؤل المهم… وهو إذا كان الجميع مقتنعاً بأن تغيير طرائق التعليم ونقل العلوم والمهارات العلمية بين الأستاذ والطالب، بات واجباً وضرورة.. فلماذا التردد والتلكؤ في توطين ما ينفع طلابنا وبلدنا ومخرجاتنا التعليميّة..
هامش: تخيلوا في أحد المقررات الجامعية بعدد صفحات يتجاوز الـ 200 صفحة.. هناك إسفاف وإفراط في الحديث عن تاريخ “موضوع المقرر” و سيرة وسرد ممل لا يقدّم أي قيمة مضافة في موضوع الكتاب ذاته…فقط 20 صفحة من صلب الموضوع يحفظ الطالب ويحصل على العلامة وبمعدّل أيضاً …لكنه لا يمتلك أي مهارة حقيقية “الكتاب الذي نقصده كتاب تقني”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار