تباين كبير في قيمة مهور الزواج بين 10 ليرات سورية و15 ألف ليرة ذهبية.. والقاضي الشرعي يفصح عن أرقام فلكية
تشرين- نور حمادة:
شكّل ارتفاع قيمة المهر في الآونة الأخيرة، الذي يطلبه أهالي الفتيات من الشباب المقبلين على الزواج عقبة كبيرة في طريقهم المؤدي إلى عش الزوجية، حيث تخطّى المبلغ المطلوب قدرتهم المادية واصفين شروطهم بالتعجيزية، في حين يميل البعض لطلب مهور قليلة ورمزية، في سبيل تيسير إجراءات معاملة الزواج، ترتفع في المقابل قيمة طلبات البعض الآخر لتسجل مهوراً فلكية تتجاوز مئات الملايين، فضلاً عن بقية التحضيرات والمستلزمات الخاصة التي يتوجّب التحضير لها وتعد من الأساسيات تمهيداً لمرحلة الزواج.
كما تباينت ردود الفعل على حالات المغالاة في المهور، فمنهم من رحّب بهذه الفكرة، معتبرين أن هذا أضمن لحقوق الزوجة، بينما رأى آخرون أن المغالاة في المهور من شأنها أن تدفع الشباب للعزوف عن الزواج، خاصة في ظل تردي الظروف المعيشية
ضمان حق الفتاة
يدخل مهر الزواج منظومة التعاليم الدينية والعادات الاجتماعية، وهناك فئة تعدّ حجم المهر تقديراً للمرأة، وضماناً لها لاستمرار حياتها الزوجية، وترى والدة غنى أن ارتفاع قيمة المهر لا يتعارض مع تسهيل الزواج، ولكن هو ضمان لحق ابنتها بعد سفرها، وفي هذه الأيام والظروف المعيشية الصعبة لم يعد مبلغ مليون له قيمة، وأن أرخص شيء يبدأ من 5 آلاف ليرة، وتتابع: نحن لم نطلب من أهل العريس مظاهر وحفلات يتكلفون بها بشكل كبير وتثقل كاهل العريس، من دون فائدة مع العلم أنها من العادات والتقاليد، وتعد أساسية لكننا تجاوزناها، وسأجهز ابنتي بحاجياتها الضرورية وأشتري لها بما تبقّى ذهباً يحميها من غدر الزمان.
غلاء المهور يكسر الظهور
فكرة المهر تشكل ضماناً للمرأة، ولاسيما في ظل ارتفاع نسبة الطلاق في العصر الراهن، ولكن يجب أن يكون معقولاً إلى حدٍّ ما، وعدم المبالغة به لكيلا يتحول إلى عملية استغلال كما يحدث مع البعض، فبعد قصة حب استمرت سنوات، وانتظار طويل لتحقيق الحلم الموعود بالزواج، صدم عمار من طلب أهل فتاة أحلامه بمهر قدره ثلاث ليرات ذهبية مقدماً ومثلها مؤخراً، إضافة إلى مبلغ يسجل حين الطلب، ويتساءل عمار: كيف يمكن لشاب في مقتبل العمر تأمين مثل هذا المبلغ في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها، فنحن نصل الليل بالنهار لنستطيع تأمين متطلباتنا الأساسية من مأكل ومشرب ومواصلات.
بريستيج
أحد أسباب المبالغة بالمهور هو حب الظهور والبريستيج، والاهتمام برأي المحيط الاجتماعي من الأقارب والأصدقاء وزملاء العمل، إذ يعتقد البعض أن الفتاة التي تتزوج بمهر قليل بسيطة وأهلها بسطاء، والناس تغرّهم المظاهر، وبرأيهم المهر الغالي دليل على أن العريس غني ومكانته مرموقة، وبالتالي الزواج سيكون رابحاً.
قانون الأحوال الشخصية لا يوجد فيه نص قانوني يحدد قيمة معينة للمهر
ويبدي حسام تعجبه من المهور التي يطلبها الأهالي، ومعظمها تفوق قدرته على سدادها، بالرغم من أن دخله مرتفع مقارنة بالشباب الآخرين، ويقول: المسألة باتت معادلة تجارية بحتة، والواقع الحالي يشير إلى أن العريس الغني تفتح أمامه الطرق بسهولة، ويكون محط أنظار الجميع، وهو ما يطلق عليه بالمفهوم الشعبي (عريس لقطة).
رأي القانون
بدوره كشف القاضي الشرعي الثالث في دمشق خالد جندية أن المحاكم السورية تشهد تسجيل مهور فلكية وأخرى قيمتها متدنية، وبيّن أن أقل مهر تم تسجيله هو عشر ليرات سورية كمقدم ومثلها كمؤخر، في حين كان المهر الأعلى في إحدى معاملات الزواج هو 15 ألف ليرة ذهبية، إذ باتت الناس تلجأ لوضع المهر بالذهب (ليرات أو غرامات)، وأوضح أن التباين وارتفاع المهور ليس مسألة وليدة اللحظة، وإنما هو أمر موجود على مر العصور في أغلب المجتمعات، وأن السبب وراء هذا التباين هو التفاوت الطبقي بشكل عام.
وأشار إلى عدم وجود حد أعلى أو أدنى للمهر، وفي قانون الأحوال الشخصية السوري لا يوجد نص قانوني يحدد قيمة معينة للمهر في عقد الزواج، لذا يمكن أن يكون مرتفعاً جداً أو منخفضاً جداً.
وأضاف جندية: القاضي لا يتدخل في قيمة المهر طالما لا يوجد إرهاق ويوجد اتفاق بين الطرفين، لكنه يتدخل في حال وجود إخلال، وذلك خلال الحوار مع العروسين.
ونفى جندية عزوف الشباب عن الزواج، وأن الإحصاءات الموجودة لعدد حالات الزواج في المحاكم الشرعية لا توحي بذلك، منوهاً بأن الأوضاع الاقتصادية الصعبة تلعب دوراً في تأخر الزواج عند البعض.
وبيّن القاضي الشرعي أن حالات الزواج والطلاق متقاربة من حيث الإحصاءات ولاسيما في السنوات الأخيرة، حيث وصل عدد الزيجات إلى 30 ألف حالة و10 آلاف حالة طلاق.
تعديل المهر
وفي هذا الصدد كشف المحامي إبراهيم الأيوبي أن تعديل المهر يعد إجراءً شائعاً مؤخراً، وذلك نتيجة انخفاض القيمة الشرائية للمهور المتفق عليها في عقد الزواج، والذي تسبب بحدوث مشاكل عائلية لفقدان المهر قيمته المادية، وصدور قانون الأحوال الشخصية لعام 2019 شجع العديد من الأزواج على تعديل المهر رضائياً صوناً لحقوق الزوجة المادية، موضحاً أن هناك حالات عديدة تكرر فيها تعديل المهر أكثر من مرة لتصبح بالليرة الذهبية، وأن عامل التقليد والمباهاة بين العائلات يلعب دوراً كبيراً في ذلك، وجاء التعديل الجديد ومكّن الزوجة من تعديل مهرها بعد مدة معينة على زواجها قرابة 10 سنوات، لأن قيمته السابقة لم تعد مناسبة للقوة الشرائية الحالية، مع الالتزام بشرط القانون وهو ألّا يتجاوز مهر المثل عند الاستحقاق، وأن يكون برضا الطرفين وتقديم طلب إداري للقاضي الشرعي.
وبالنسبة لإمكانية طلب الزوجة بتعديل مهر المؤخر، تستحق بحالتين إما خلال دعوى التفريق أو بعد الوفاة.
رفع قيمة المهور ظاهرة اجتماعية غير حميدة
ونوّه الأيوبي أن التعديل ارتبط بمكانة المخطوبة ومستواها الاجتماعي وتحصيلها العلمي، وأن العائلات المرموقة وجدت في القانون الجديد مجالاً للتنافس والتفاخر في رفع قيمة المهور وهو ظاهرة اجتماعية غير حميدة.
وفيما يخص تعديل المهور بالليرة الذهبية للزيجات خارج القطر أشار الأيوبي إلى أن قيمة المهر تختلف من منطقة إلى أخرى، ويمكن أن يكون أثاثاً منزلياً أو ممتلكات على سبيل المثال، وعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للسوريين خارج القطر اضطرهم للجوء إلى الملاذ الآمن، وهو تسجيل المهر بالليرة الذهبية لضمان الحفاظ على قيمته، ولعدم القدرة على تثبيت العقد بالعملات العائدة لدول الاغتراب ما يسبب حرجاً لهم، وخاصة أن أغلبية عقود الزواج يتم تثبيتها إما في سورية أو في سفاراتها في الخارج.