أكلة “القطايف” الشعبية تغيب عن موائد الحلبيين.. والغلاء يفرض الشراء بـ”القطعة”؟
تشرين- رحاب الإبراهيم:
لم تسلم الحلويات الشعبية في مدينة حلب من داء الغلاء،على نحو حرم عائلات كثيرة من تذوقها،علماً أن”أكل” الحلويات تعد عادة حلبية، حيث كانت تجود المائدة بأصنافها المتنوعة قبل أن يباغتها جنون الأسعار لتتحول شيئاً فشيئاً إلى كماليات لا يستطيع سوى مقتدري الحال إدخالها إلى المنازل كالعادة، في حين ظلت الحلويات الشعبية متاحة نسبياً لمن يستطيع إليها سبيلاً.
“أبَّاً عن جدٍّ”
تعد القطايف من الأكلات الشعبية المفضلة عند أهل حلب، وخاصة أنها لا تزال متاحة لأغلبية العائلات حتى مع ارتفاع أسعارها أسوة بكل أصناف الحلويات من جراء ارتفاع مستلزمات تصنيعها من الطحين إلى مشتقات الحليب إلى السميد، إضافة إلى صعوبة تأمين الغاز وانقطاع الكهرباء المتواصل، ما يجعلهم يعتمدون على الأمبير بتكلفته المرهقة، لكن رغم ذلك يحاول حرفيو هذه الأكلة تدبير أنفسهم ومواصلة العمل وخاصة أن أغلب من يشتغل بها عائلات توارثت صناعة هذه الحلويات الشعبية أباً عن جد، مع الإقرار بانخفاض مبيعاتها خلافاً لسنوات سابقة، بحيث من كان يشتري كمية كبيرة أصبح يكتفي بالكيلو أو حتى الشراء بالقطعة لعابري السبيل الذين يرغبون في إشباع بطونهم الجائعة بأكلة مشبعة تسندهم لحين الوصول إلى المنزل.
كسر للجيوب
تتفاوت أسعار القطايف “السادة” بين منطقة وأخرى، حيث تتراوح بين 4500 إلى 5500 ليرة، وهذا الرقم يبدو قليلاً قياساً بأسعار أصناف الحلويات الأخرى، التي غردت خارج حسابات المواطن بعد ما تجاوز سعر الكيلو الواحد من أحد أصنافها البسيطة كالبيتيفور أو البرازق سقف 18 ألف ليرة، لكنها أيضاً لا تتناسب مع دخول محدودة، حيث يشكل شراؤها كسراً للجيوب في ظل واقع معيشي ضاغط لتصبح الحلويات ومنها القطايف من الكماليات.
“تشرين” قصدت أحد أقدم وأشهر محل لتصنيع القطايف في مدينة حلب، الواقع في سوق باب جنين، مع إن العائلة التي تعمل بهذه المهنة أباً عن جدٍّ تملك محلاً في سوق السقطية 2 في مدينة حلب القديمة لكنه تعرض للتخريب كغيره من المحال، علماً أنه يتوقع المباشرة في ترميم هذا السوق قريباً على نحو يمكنها من إعادة افتتاحه وتصنيع القطايف في المدينة القديمة التي تكتسب أهمية خاصة عند أهل حلب وقاصديها.
“تسكيت” جوع
يحكي لـ”تشرين” الحاج أحمد الملقى، بحضور أبنائه وزوجته وبعض أحفاده الذين يعملون جميعاً في المحل كنوع من المهنة العائلية، كيف عاد إلى العمل بتصنيع القطايف في محله في باب جنين بعد تحرير مدينة حلب من الإر*هاب، مع تطلعه إلى افتتاح محله الأصلي في سوق السقطية، لكون العمل فيه يكتسب نكهة خاصة، وهو يمثل شاهداً حياً على هذه الحرفة التراثية، التي توارثها عن أبيه وجده، بحيث يزيد عمرها على أكثر 150 عاماً.
ويتحدث بكثير من الحرقة كيف أثر الغلاء في واقع هذه المهنة، وعدم مقدرة الكثير من العائلات على شراء هذه الأكلة الشعبية التي تعد الأرخص حالياً بين الحلويات، مشيراً إلى اضطرار العائلات لشراء كمية قليلة خلافاً لسنوات سابقة، إضافة إلى شراء عابر السبيل بالقطعة لـ”تسكيت” جوع بطنه.
ورغم أن القطايف تعد أكلة شعبية بامتياز، لكن يعمل حرفيوها على مواكبة أذواق محبيها عبر تنويع نكهاتها عبر إضافة الشوكولا مثلاً بدل الاكتفاء بمشتقات الحليب المعروفة، التي تضاف عادة على القطايف.
ويتحدث ابنه الأكبر يحيى الذي استلم دفة إدارة المحل وتصنيع القطايف بمساعدة إخوته وابنه، في حين يتولى أبوه وأمه الإشراف العام على تصنيع القطايف وعمليات البيع، عن المصاعب التي تواجه حرفيي المهنة، لناحية صعوبة تأمين مستلزمات الإنتاج من المحروقات من الغاز والمازوت رغم امتلاكه الشهادة الحرفية من اتحاد الحرفيين، الذي يفترض حسب قوله مساعدة الحرفيين على تأمين المواد اللازمة، حيث لم يستفد من الشهادة الحرفية في الحصول على ما تحتاجه حرفته كنوع من مد يد العون، الذين يضطرون إلى الشراء من السوق السوداء والاعتماد على الأمبير، الأمر الذي تسبب في غلاء هذه الأكلة الشعبية، التي كانت موجودة دوماً في البيوت الحلبية، إضافة إلى غلاء مشتقات الحليب والطحين والسميد وغيرها.
نقص الكميات الموردة
ولمعرفة أسباب عدم تأمين المحروقات للحرفيين ومنهم حرفيو الحلويات قصدت “تشرين” اتحاد الحرفيين بحلب، حيث أكد رئيس جمعية المواد الغذائية والحلويات أحمد السباغ سعي الاتحاد إلى تأمين مستلزمات الإنتاج الحرفي والمساهمة في زيادة نشاطه، لكن المشكلة فيما يتعلق بالغاز والمازوت تحديداً هي نقص الكميات الموردة إلى حلب، وهذا واقع يعلمه الجميع، مشيراً إلى مطالبة الاتحاد بصورة دائمة بتأمين هذه المواد، إلّا أن الواقع الاقتصادي الصعب أدى إلى تأمين نصف الكميات وأحياناً ربعها للحرفيين من جراء ذلك، مشيراً إلى أن توزيع هذه المواد يتم على البطاقة الذكية بموجب ما تحدده اللجنة المعنية بالمحروقات في محافظة حلب، التي تعمل بكل ما بوسعها لتأمين مستلزمات الإنتاج للقطاع الحرفي بالتعاون مع اتحاد الحرفيين في حلب.
ت-صهيب عمراية