«ملف تشرين».. «كونغرس» بطاولة مقلوبة على الجميع.. الأميركيون عندما يصوِّتون لعامين كاملين من «العنف السياسي»!
- الانتخابات النصفية وضعت حِمْلها مولوداً لا هو ديمقراطي بدرجة كافية لينسبه الديمقراطيون لهم.. ولا هو جمهوري بدرجة كافية لينسبه الجمهوريون لهم
تشرين- مها سلطان:
فعلياً لم ينجلِ بشكل كامل غبار معركة التجديد النصفي للكونغرس الأميركي، ما زالت ولاية جورجيا ساحة قتال رئيسة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ولا بدّ من انتظار نتائج جولة الإعادة في هذه الولاية في 6 كانون الأول المقبل، لحسم السيطرة على مجلس الشيوخ «على اعتبار أن مجلس النواب حُسم لمصلحة الجمهوريين ولكن بفارق ضئيل».. وتاريخياً جورجيا من الولايات الحاسمة في كل انتخابات بما فيها الرئاسية، وسبق للجمهوريين أن خسروها في انتخابات الرئاسة الماضية، حيث باءت كل محاولاتهم لإعادة فرز الأصوات فيها إلى الفشل ما أدى لاندحار مرشحهم لولاية ثانية دونالد ترامب بمواجهة جو بايدن.
ويحتاج من يسعى للسيطرة على مجلس الشيوخ للحصول على أغلبية «50+1» من المقاعد.
ومع ولاية جورجيا هناك ولاية ويسكونسن، لا تزال نتيجتها غير محسومة، فيما أهدت ولاية نيفادا صوتها أمس السبت للديمقراطيين لتمنحهم التعادل مع الجمهوريين في مجلس الشيوخ «49 مقعداً لكل طرف» وفي حال فاز الديمقراطيون بمقعد جورجيا فإن السيطرة محسومة لهم، إذ يكون مجموع مقاعدهم 50 مقعداً مضافاً إليه صوت نائب الرئيس، أي كامالا هاريس، لتصبح المعادلة «50+1» للديمقراطيين مقابل 49 للجمهوريين.
وبشكل عام فإن آخر النتائج –حتى كتابة هذه السطور– أظهرت تقدم الحزب الجمهوري في مجلس النواب بـ211 مقعداً مقابل 198 للحزب الديمقراطي« فيما الأغلبية الحاسمة تتطلب الحصول على 218 مقعداً».. وفي مجلس الشيوخ «ومقاعده 100» حصل كل طرف على 49 مقعداً.
كان لا بدّ من هذه المقدمة للوصول إلى سؤال حول إذا ما كان أمام الحزب الجمهوري فرصة لتحسين وضعه بمواجهة الحزب الديمقراطي خلال العامين المقبلين قبل الانتخابات الرئاسية عام 2024 ؟.. فيما الحزب الديمقراطي يُمنّي نفسه بالفوز في جورجيا لتوسيع نطاق الضربة الانتخابية التي وجهها لخصمه الجمهوري.
ثلاثة أسابيع ثقيلة حتى موعد جولة الإعادة لانتخابات جورجيا.. كل الاحتمالات واردة رغم أن التوقعات تميل لمصلحة الديمقراطيين، لكن التوقعات في هذه الانتخابات لم تكن في محلها وهذه سابقة لم تحدث من قبل، كما لم يحدث من قبل أن تمكن الحزب الحاكم، وهو هنا الحزب الديمقراطي، من تجنب خسائر فادحة أمام الحزب الخصم، وهو هنا الحزب الجمهوري.. لذلك مهما كانت نتائج انتخابات جورجيا فإن انتخابات التجديد النصفي لهذا العام 2022 هي علامة فارقة في المسار السياسي الأميركي… وأياً يكن الفائز فيها فإن الأغلبية التي ستتحقق لأي من الحزبين، لن تكون أغلبية حاسمة، ما يعني أن الولايات المتحدة ستكون أمام عامين ثقيلين بعد انتخابات وضعت حمْلها مولوداً، لا هو ديمقراطي بدرجة كافية لينسبه الديمقراطيون لهم، ولا هو جمهوري بدرجة كافية لينسبه الجمهوريون لهم.
– الأميركيون لا يريدون بايدن في الـ2024.. ولا عودة ترامب
أي إن النتيجة يمكن وضعها ضمن معادلة: الجمهوريون لم يخسروا كل شيء.. الديمقراطيون لم يربحوا كل شيء.
وإذا ما افترضنا أن هذه المعادلة هي نتاج تصويت الأميركيين أي نتاج خياراتهم فإن التساؤل الأهم هنا هو لماذا يسعى الأميركيون أكثر فأكثر إلى تأزيم الوضع الداخلي عبر توسيع المواجهة بين الطرفين.. هل ضلوا الطريق؟
سيدخل الديمقراطيون والجمهوريون في معارك طاحنة، على كل شيء، وسيغطي غبارها على القضايا والأزمات الداخلية التي ستتسع وتتعمق من دون أن يكون لها حل. سينشغل الطرفان بعرقلة كل منهما الآخر، أي عرقلة الحلول المفترضة للأزمات الداخلية، فلا يسجل أيٌّ منهما نقاطاً إيجابية بمواجهة الآخر، وبالنظر على العامين الماضيين وما رافقهما من معارك شرسة على قضايا داخلية وخارجية فإنهما لن يكونا سوى بروفة لعامين مقبلين ستصل فيهما البلاد إلى طرق مسدودة في الكثير من القضايا التي كانت على رأس أولويات الناخبين خصوصاً الاقتصاد «التضخم وصل إلى حافة 8%» وانتشار الجريمة والسلاح المنفلت والعنصرية وحق الإجهاض والهجرة والمناخ… الخ .
هذا عدا عن أن الجمهوريين لن يدخروا وقتاً ولا جهداً لفتح تحقيقات من العيار الثقيل بمواجهة الديمقراطيين والرئيس بايدن ليشغلوا الرأي العام بها.. وليس من المستبعد أن تصل البلاد إلى حالة شلل برلماني بفعل التعطيل المتبادل لمشروعات قوانين لن ترى النور أبداً.. أو إلى حالة الإغلاق «تعطيل عمل الإدارات الفيدرالية» كما سبق أن حدث في عهد ترامب.
– ناخبون ضلّوا طريقهم فخرجت الانتخابات عن مسارها باتجاه أميركا مأزومة داخلياً وخارجياً
وطبعاً نحن هنا لا نتحدث عن القضايا الخارجية، التي لن تقل شراسة المعارك فيها عن القضايا الداخلية، من أوكرانيا إلى تايوان إلى إيران إلى الشرق الأوسط وصولاً إلى عالم جديد يتشكل بمواجهة الولايات المتحدة ويحقق خطوات مؤثرة على صعيد الحد من زعامتها العالمية.
الآن ماذا لو كان الأميركيون لا يريدون الديمقراطيين ولا الجمهوريين، لا يريدون بايدن، ولا يريدون عودة ترامب، ولكن ماذا يفعلون إذا كان هؤلاء هم من يتواجد على الساحة ولا خيار ثالثاً بينهما؟
كيف يمكن لرئيس شعبيته في الحضيض «39% فقط» «ويقبع على بعد خطوة من العالم الآخر حسب وصف الجمهوريين» ألّا يُمنى حزبه بهزيمة ساحقة؟
كيف يمكن للحزب الديمقراطي أن يتمكن- بدرجة كبيرة- من إسقاط فوز محقق للجمهوريين، رغم أن الأميركيين خبروا على مدى عامين كاملين السياسات الكارثية للديمقراطيين والرئيس بايدن، داخلياً وخارجياً؟.
كيف يمكن لاستطلاعات الرأي أن تخطئ بصورة كلية في تحديد الفائز وحجم الفوز، علماً أن استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة تحديداً- وتاريخياً- تتمتع بدقة كبيرة مع هامش خطأ يكاد لا يُذكر.. من هنا يأتي السؤال آنف الذكر حول إذا ما كان الأميركيون ضلّوا طريقهم؟
في كل الأحوال، الولايات المتحدة أمام عامين كاملين من «العنف السياسي».. ولن يملك الأميركيون سوى الجلوس ومشاهدة ما جنته أيديهم في هذه الانتخابات.. فيما «العالم الجديد» سيتقدم خطوات إضافية على طريق هزيمة أميركا في ساحات عالمية جديدة.
للمزيد أقرأ أيضاً:
نصفيّةٌ أو رئاسية.. الرئيسُ الأمريكي«رئيسٌ لكل العالم» إلّا أميركا