السكن المشترك تجربة فرضتها الظروف الاقتصادية.. واستشارية أسرية تعتبرها مسألة مؤقتة وليست دائمة
تشرين – دينا عبد:
قبل فترة قرأت إعلاناً على أحد صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مفاده (مطلوب فتيات للسكن المشترك) وهذه الإعلانات، وإن صح القول تكاد تكون أكثر انتشاراً بين شريحة الشباب، سواء من الذكور أو الفتيات، فالأمر لم يعد محصوراً بالذكور إنما بالفتيات أيضاً.
تأمين السكن
ميساء موظفة نجحت منذ عدة أشهر في مسابقة الحصول على وظيفة حكومية تقول: قبولي في المسابقة هو ما دفعني وحمسني للقدوم من محافظة أخرى إلى دمشق؛ الصعوبة الوحيدة التي عانيت منها هي تأمين المسكن، فالإيجارات مرتفعة للغاية، ومن الصعوبة بمكان استئجار شقة كاملة، فليست لدي القدرة على دفع ٢٥٠ ألف ليرة شهرياً، حتى لو كان الأمر سيكلفني ترك الوظيفة وأعود أدراجي إلى قريتي.
لذلك لم أر بداً من ذلك، إلا استئجار غرفة في شقة كبيرة مع عدة فتيات طالبات جامعة وموظفات و…و… والغاية من تعدد المستأجرات هي تحصيل المبلغ المطلوب.
وتدفع ميساء اليوم حسب ما تقول ٧٥ ألف ليرة إيجار الغرفة الواحدة، والشقة قد تكون مؤلفة من ثلاث غرف أو أربع حسب مساحتها؛ والمنافع مشتركة.
تقاسم الإيجارات
وبرأي فؤاد الطالب الجامعي الذي قدم من محافظة حماة بدافع الدراسة في جامعة دمشق، فإنه مجبر على استئجار الغرفة بسبب العمل والدراسة، وبين أن السكن المشترك هو الحل المناسب، على الرغم من عدم وجود إيجابيات له، إلا تقاسم الإيجارات كوني لا أستطيع استئجار شقة بمفردي بسبب ارتفاع المبلغ.
هذا الحل أيضاً ناسب أم شادي السيدة الخمسينية وصاحبة شقة مؤلفة من ثلاث غرف، فبعد أن شعرت باليأس في طلب مبلغ ٣٠٠ ألف أجاراً شهرياً بسبب عدم قدرة شخصاً بمفرده على تحمل الأعباء المادية، لذلك اقترح عليها صاحب المكتب العقاري أن تعرضه للإيجار بطريقة (الغرف)، ولاقت هذه الفكرة القبول، بعد أن وضعت إعلاناً على الفيسبوك فبدأت تنهال عليها الأسئلة إلى أن تمكنت أخيراً من تأجير طالبات جامعة كل واحدة غرفة بـ٧٥ ألفاً شهرياً ؛ وهكذا نجحت في تحقيق غايتها، وهي ألا تكون خاسرة في الإيجار، وتالياً كانت مطمئنة لوجود فتيات لأنه حسب قولها “مرتبات ومهتمات بالمنزل”.
الوضع الاقتصادي
الاستشارية الأسرية نائلة الخضراء ترى من وجهة نظرها أن تجربة السكن المشترك قد لا تكون محصورة بالأصدقاء فقط، ربما بالأقرباء أيضاً مثلاً إخوة أو أبناء عم جميعهم بإمكانهم تقاسم إيجار المنزل فيما بينهم؛ وعن تجربة السكن المشترك قالت الخضراء: التجربة بدأت تظهر وبشكل كبير، خاصة فيما بين طالبات الجامعة، أو الفتيات اللواتي يعملن، والسبب في ظهورها الوضع الاقتصادي السيئ، الذي يمنع أياً كان أن يدفع إيجار المنزل بمفرده، فإيجار شقة واحدة يصل إلى ٣٠٠ ألف ليرة.
وفي تعميم التجربة إيجابيات من خلال التعرف على صداقات، وبناء علاقات اجتماعية، والتعرف إلى العادات وتقاليد البعض أضف إلى ذلك كله تقاسم الإيجار.
حل اقتصادي
ولكن تبقى قضية السكن المشترك مسألة مؤقتة وليست دائمة، لأن الأزمات الاقتصادية هي من فرض هذه الحلول التي يتعايش معها الجميع مجبراً وليس بإرادته؛ فالسكن المشترك هو نتيجة طبيعية تتعلق بانخفاض مستوى الدخل، وخاصة الموظفين ما يدفعهم إلى التفكير بمشاركة الآخرين في السكن المشترك، وبذلك سيتجنبون تحمل قيمة الإيجار بمفردهم؛ لأنه كما هو معروف أصبح امتلاك منزل حلم كثير من العائلات، خاصة مع غلاء المعيشة، لذلك يجد البعض في السكن المشترك حلاً اقتصادياً يساعدهم على تسديد الإيجار وتقاسم الفواتير؛ فخلال الحرب خسرت الكثير من العائلات بيوتها، فوجدت في السكن المشترك عزاء لما أصابها، خاصة وأنه من سابع المستحيلات أن تعيد هذه الأسر ترميم ما هدمته الحرب بسبب ارتفاع مستلزمات ومواد البناء.
لذوي الدخل المحدود
بدوره مصطفى صاحب مكتب عقاري يعمل بالإيجارات منذ زمن طويل يقول: إن الإيجارات المشتركة لم تظهر إلا خلال سنوات الحرب، وتالياً بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الإيجارات، لذلك فإن السكن المشترك بات الحل المناسب لذوي الدخل المحدود، وخاصة طلاب وطالبات الجامعة، فالشقة التي تتألف من عدة غرف، يطلب مالكها تأجيرها لعدة شبان أو فتيات حسب المطلوب، ومن خلال هذه التجربة يحصل صاحب الشقة على المبلغ المطلوب بطريقة منفردة بطريقة (الغرفة الواحدة)، والمنافع المشتركة بين الجميع، من مطبخ وحمام وبلكونة، ويضيف هذه الحالة باتت الرائجة اليوم، خاصة أن شخصاً بمفرده لا يستطيع دفع ٣٠٠ ألف ليرة شهرياً أو ٢٥٠ على أقل تقدير، ومن جهة أخرى فإن طبيعة الأسعار لا تتناسب مع الأجور، خاصة للموظفين فيما لو لم يعملوا عملاً إضافياً؛ لذلك فإن فكرة السكن المشترك تجربة فرضتها الظروف الاقتصادية وارتفاع الإيجارات، وهي الحل للكثيرين ريثما تعود الأحوال إلى سابق عهدها.