تركيا تقحم ليبيا في الصراع الدولي على الغاز والنفط

ميشيل كلاغاصي

مؤخراً وفي 3 تشرين الأول الجاري، وقع وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، ونظيرته نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية في شمال ليبيا، مذكرتي تعاون بين البلدين في قطاع النفط والغاز، بما في ذلك التنقيب المشترك، كما وقع وزيرا الإقتصاد والتجارة في شمال إفريقيا محمد الحويج ونظيره التركي فاتح دونماز، عددا من الاتفاقيات الثنائية.

وخلال المؤتمر الصحفي في طرابلس، الذي تلا توقيع المذكرات، صرح وزير الخارجية التركي، بأن تركيا أرادت توقيع اتفاقية للغاز مع الدولة الليبية، التي وبموجبها ستمنح الشركات التركية تراخيص للتنقيب عن النفط والغاز، بناء على اتفاقية الحدود البحرية الموقعة بينهما في عام 2019، التي رفضتها اليونان وقبرص وانتقدتها مصر, باعتبارها تشمل المناطق المتنازع عليها شرق البحر المتوسط , كذلك قوبلت الاتفاقية برفض البرلمان الليبي في شرق البلاد التابع لحكومة فتحي باشاغا.

ومن خلال إجاباتٍ استفزازية، أكد الوزير التركي، أن مذكرات وإتفاقيات التعاون التي تم توقيعها من شأنها “تحقيق الفائدة لكلا البلدين”، بعيداً عما يفكر به الاآخرون، مضيفا:ً “إنه لا يحق للدول الأخرى التدخل”، في ردٍ مباشر على مواقف مصر واليونان اللتين اعتبرتا أن حكومة الوحدة الوطنية المنتهية في طرابلس منتهية الشرعية، ولا تملك سلطة إبرام أي اتفاقات دولية أو مذكرات تفاهم.

في حين أكد عبد الحميد دبيبة رئيس الوزراء الليبي بحكومة الوحدة الوطنية، خلال اجتماع حكومي في ال 6 من هذا الشهر، أن تركيا وليبيا ستعملان بشكل مشترك وحسب المذكرة على التعاون في مجال الهيدروكربونات (استكشاف وإنتاج ونقل وتكرير وتوزيع وتجارة الهيدروكربونات، وإنتاج وتجارة النفط والغاز والبتروكيماويات والمنتجات البترولية المتنوعة) وفقاً للقوانين واللوائح الوطنية، وتبادل المعلومات والخبرات وتدريب الموارد البشرية، وتقوية الشراكة بين القطاعين العام والخاص في كلتا الدولتين.

وفي وقت سابق، قال وزير النفط والغاز الليبي في حكومة الوحدة الوطنية، وفقاً لدراسة أجرتها وزارة الخارجية: إن اتفاقية عام 2019 لترسيم الحدود البحرية مع تركيا منحت ليبيا منطقة مائية ضخمة، حيث اكتشفت ليبيا 29 حقلاً نفطياً و 12 حقلاً غازياً، في وقتٍ  قال فيه رئيس الأركان التركي السابق للقوات البحرية الأدميرال جهاد يايجي: إن قيمة الاحتياطيات شمال الولاية البحرية الليبية تعادل نحو 30 تريليون دولار.

لم تسلم الاتفاقيات الموقعة بين الوزيرين أوغلو والمنقوش من الانتقاد، وأثارت ردود فعل متناقضة محلياً وإقليمياً ودولياً، وحسب وسائل الإعلام، شككت كل من اليونان ومصر في شرعية ما حصل، واتفقتا على تنسيق إجراءاتهما المشتركة بشأن المذكرات الموقعة، وأن اليونان لن تتسامح مع أي انتهاكات لاتفاقية عام 2020 التي وقعتها مع مصر، وأنها ستدافع عن حقوقها السيادية على أساس القانون الدولي، ولا سيما اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

كذلك أعرب رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح عن معارضته الشديدة للاتفاقية، وطالب الأمين العام للأمم المتحدة بعدم الاعتراف بالاتفاقيات الموقعة بين حكومة الوحدة الوطنية الليبية وتركيا، وكان صالح قد شدد في وقت سابق على أن توقيع الاتفاقيات الدولية هو من اختصاص حكومة فتحي باشاغا المنتخبة من البرلمان، والتي أدى وزراؤها اليمين الدستورية أمام البرلمان في مدينة طبرق في شهر اّذار الماضي، كذلك أعلن أعضاء المجلس الأعلى للدولة الليبية رفضهم التوقيع على الاتفاقية، معتبرين أنها “غامضة”.

وعلى المقلب التركي، اعتبرت أنقرة أن مواقف كل من مصر واليونان منحازة، وقد تبدأ السفن التركية بعمليات المسح والاستكشاف في غضون بضعة أشهر – حسب الأدميرال التركي السابق جهاد يايجي – وأشار إلى حقيقة معارضة اليونان للاتفاقية، متهماً أثينا بالتخطيط “لابتلاع مساحة بحجم أربع جزر قبرصية في البحر الأبيض المتوسط”.

ويبدو أن الصراع على التنقيب عن الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط  يشتد ويتفاقم بشكلٍ خطير، في ظل حرب الولايات المتحدة والدول الأوروبية على روسيا، وسط الإعلان عن محاصرة روسيا ووقف إمدادات أنابيبها للطاقة والغاز، الأمر الذي يفترض البحث عن مصادر بديلة، بهدف دعم وتعزيز أمن الطاقة للدول الأوروبية بالدرجة الأولى , فضلاً عن عديد الدول الأخرى، ولا يمكن استبعاد أي نتائج لانخراط تركيا وليبيا ومصر واليونان وفرنسا وغيرها في التصعيد الجديد في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وعلى الرغم من حرص الولايات المتحدة على عدم ظهورها في المشهد الليبي، لكنها حاضرة وبقوة من خلال أدواتها المحلية داخل ليبيا، وتحت أقنعة الدول التي تدور في فلكها وتأتمر بأوامرها، وباتت أهدافها مكشوفة وواضحة، بعدما ساهمت بشكل كبير في تدمير ليبيا وتأجيج الصراع فيها ومحاولة تقسيمها، واستغلال ملفها وثرواتها لتأجيج الصراع الدولي حول خصومها وأعدائها وحتى من يعتقدون أنفسهم أنهم أصدقاؤها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار