إشعال الحروب لن ينفع

رغم التحذيرات الصينية المتكررة على أعلى المستويات أصرّت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي على خرق التفاهمات السابقة بين بكين وواشنطن حول موضوع الصين الواحدة التي تعدّ تايوان جزءاً منها باعتراف الأمم المتحدة، وقامت بزيارة استفزازية إلى الجزيرة.
المتتبع لمجريات الزيارة لا يجد فيها سوى أمر واحد هو أن الولايات المتحدة تعمل بكل ما تستطيع لإثارة الفتنة بين الصينيين في البر الصيني والجزيرة، وتشجيع الرؤوس الحامية في تايوان على الانفصال عن الوطن الواحد ليكونوا خنجراً في خاصرة الصين وبؤرةً للنزاع يمكن لواشنطن التلاعب به وإشاعة عدم الاستقرار في هذه المنطقة، وربما النفخ في أبواق الحرب لإشعالها، ويكون الخاسر فيها الشعب الصيني في البر والبحر.
لا نعتقد أن هناك تناقضاً في الآراء بين مفاصل القيادة العليا الأمريكية، أي الرئاسة ومجلس النواب، ولاسيما أن قيادة الطرفين من الحزب الديمقراطي، بل إن هناك أدواراً منسّقة، كلٌّ منهما ينفّذ دوره بإتقان بعيداً عن مدى صوابية القرار أو خطئه.
وهنا نسأل: ما مبرر زيارة بيلوسي إلى تايوان رغم إعلان الرئاسة الأمريكية أنه لا تغيير في السياسة الأمريكية التي تقرّ بمبدأ الصين الواحدة التي تنضوي حكماً تحت رايتها «تايوان».؟
في الحقيقة لا يوجد أيَّ مبرر للزيارة سوى استفزاز الصين وجرّها إلى الإسراع بتوحيد الجزيرة مع الدولة الأم بالقوة، وهذا ما تتجنبه الصين حتى هذه اللحظة، وتبذل كل ما في وسعها لإقامة الوحدة بالطرق السلمية لما لها من انعكاس إيجابي على الشعب الصيني في كلا الجزأين.
لم يعد يخفى على أحد من المحللين أن الولايات المتحدة تدرك أن زمن الهيمنة الأحادية القطب قد بدأت بالأفول، وأن مخاضَ تشكّلِ عالمٍ متعدد الأقطاب قد بدأ بالظهور، ولذلك تلجأ إلى إشعال الفتن والحروب في مناطق متعددة في العالم، وما نفخها في رؤوس الأوكرانيين للاستمرار في حربهم مع روسيا، ورؤوس التايوانيين للتمرد على الوطن الأم سوى محاولة بائسة لإبطاء زمن أفول القطب الواحد الذي تتسيده منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى هذه اللحظة، ولكن هذه المحاولة لن تنجح مع الصين ولا مع روسيا، فزمن التحوّلات الكبرى قد بدأ، والعالم الآن يعيش مخاض حقبة جديدة سوف تظهر قريباً سلماً أو حرباً، وربما عدم تسليم واشنطن بالأمر الواقع سيجعل فاتورةَ هذا التحوّلِ باهظةً على العالم بأسره ومن ضمنه الولايات المتحدة نفسها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار