جامعاتنا تئنّ تحت وطأة نزيف كوادرها ! نحتاج حلولاً سريعة… وقرارات جريئة

غيداء حسن

لم تكن الجامعات بعيدة عن منعكسات التأثير السلبي للحرب على سورية, إذ فقد معظمها نسبة كبيرة من الكوادر التدريسية, إما بسبب السفر خارج البلاد وإما بسبب التقاعد أو غيره , ولا يخفى أن الوضع المعيشي الصعب الذي فرض نفسه اضطر الكثير من الكوادر التدريسية الجامعية للتوجه نحو التدريس في الجامعات الخاصة وتفضيلهم لها نظراً للمردود المادي الأفضل فيها, ما قد يجعل فجوة كبيرة بين الحاجة والمتوفر من الكوادر والذي بدوره قد ينعكس على سير العملية التعليمية في الجامعات وبالتالي قد يؤثر في تصنيفها .
” تشرين” تسلط الضوء على واقع العملية التعليمية والأسباب الكامنة وراء تراجع أعداد الكادر التدريسي في الجامعات
أسباب مادية
يؤكد الدكتور خالد شرف رئيس قسم هندسة التصميم الميكانيكي في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية بجامعة دمشق أن أسباب نقص أعداد الكادر التدريسي في الجامعات تتمحور في أسباب مادية بالدرجة الأولى , تتضمن الوضع المعيشي الصعب والرواتب المتدنية , وتوجه أعضاء الهيئة التدريسية للعمل في الجامعات الخاصة ومنشآت القطاع الخاص , وارتفاع معدلات هجرة العقول والكوادر إلى خارج الوطن لأسباب مختلفة فرضتها ظروف الحرب الهمجية التي شنت على بلدنا وارتفاع معدلات الفقر والغلاء المعيشي .
وأشار إلى إن قسم لا بأس به من طلاب الدراسات العليا الذين أوفدتهم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي للدراسة خارج الوطن لم يعودوا , في حدود معلوماتي أكثرهم من من جامعة دمشق لم يعودوا .
ومن أسباب نقص الكادر التدريسي أيضاً – حسب الدكتور شرف – وفاة بعض أعضاء الهيئة التدريسية وتقاعد البعض وطلبات الاستقالة، وهذا الوضع يشكل خطراً كبيراً على مستقبل البلاد التي تحتاج إعادة الإعمار لكل الطاقات والاختصاصات .
تصنيف جامعاتنا عالمياً
ويضيف الدكتور شرف : أدى النقص في الكادر التدريسي إلى مكانة وتصنيف جامعاتنا عالمياً , ومن المعلوم أنه يتم تصنيف الجامعات وفق معايير عديدة , منها نسبة الكادر التدريسي إلى عدد الطلاب وجودة التعليم ومستوى أعضاء الهيئة التدريسية (المستوى الأكاديمي لأعضاء الهيئة التدريسية والأبحاث العلمية المنشورة ومدى تواجد الجامعة على شبكة البحث على الإنترنت).
ويرى أن مستوى جامعة دمشق اليوم أفضل من السابق وذلك من خلال الدعم والمساعدة من قبل وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورئيس جامعة دمشق لمسيرة التعليم العالي والبحث العلمي، مضيفاً أنه حسب إحصاءات الدول الأوروبية وأمريكا هناك الآلاف من المهندسين والصيادلة والأطباء خريجي جامعة دمشق يعملون في تلك الدول بمستوى وكفاءة عالية جداً فاقت مستوى خريجي تلك الدول.
تعويض النقص ؟
وعن تعويض النقص في الكادر التدريسي يشير الدكتور شرف إلى أنه يتم من خلال التعاقد مع البعض من داخل وخارج الملاك، وعن طريق المسابقات التي تعلن عنها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتي تسهم بشكل كبير في حل مشكلة نقص الكوادر , كما يتم اللجوء أحياناً إلى حملة الماجستير وطلاب الدكتوراه والتمديد لبعض الأساتذة المتقاعدين , بالإضافة إلى التعاقد مع بعض المدرسين والأساتذة و الأساتذة المتقاعدين على أساس ساعات , وتكليف أعضاء الهيئة التدريسية الذين هم على رأس عملهم بالتدريس زيادة على نصابهم المحدد في اللائحة الداخلية لقانون تنظيم الجامعات.
وقال الدكتور شرف : يوجد اقتراح بصرف مكافآت أو أجور للساعات الإضافية لأعضاء الهيئة التدريسية الذين هم على رأس عملهم لأن مستوى عضو الهيئة التدريسية الذي هو على رأس عمله والذي يمتلك الخبرة والكفاءة لا يقارن بمستوى الذين يتم التعاقد معهم من خارج الملاك , فمثلاً في قسم هندسة التصميم الميكانيكي كان عدد الكادر التدريسي قبل الحرب بحدود 36 دكتوراً على رأس عملهم واليوم في القسم أصبحنا 14 دكتوراً, إضافة إلى 3 أساتذة تم التمديد لهم, والبقية منهم من توفى ومنهم من تقاعد , ومنهم من غادر القطر, إضافة إلى أن لدينا نقصاً في أعضاء الهيئة الفنية من مهندسين ومعلمي حرف وفنيين.
خسارة في مجالات عدة

من جانبه يقول الدكتور رياض العاسمي الأستاذ في كلية التربية بجامعة دمشق : إن نظام التعليم العالي يحتاج شخصيات تضمن جودة عالية في الأداء الأكاديمي والعلمي ، والتي تعد معرفتها مهمة لإدارة الموارد البشرية وزيادة القدرة التنافسية في الجامعة، وهذا يؤدي إلى توظيف أعضاء الهيئة التدريسية المؤهلة تأهيلاً عالياً في الكليات الجامعية جميعها.. لكن السؤال الذي يعوق الأداء الأكاديمي وجودته في كثير من الأحيان في الجامعات ربما قد يعود إلى نقص الكوادر التدريسية في الجامعات على اختلاف تخصصاتها العلمية والعملية.

وحسب النسب العالمية لأعضاء الهيئة التدريسية في أي كلية من كليات الجامعة أن يكون لكل مدرس أو أستاذ (30) طالباً فقط ، حيث يستطيع نقل المعرفة والكفاءات العلمية اللازمة بطريقة منهجية، ولكن في حالة نقص العدد الحقيقي لأعضاء الهيئة التدريسية بالمقارنة مع الطلبة فإنه يؤدي إلى ﺨﺴﺎرة ﻓﻲ ﻤﺠﺎلات (اﻟﺘﻌﻠﻴم ، اﻟﻌﻠم واﻟﺘﻛﻨوﻟوﺠﻴﺎ، اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ , اﻹﻨﺘﺎج العلمي)، وبالتالي تدني مستوى الجامعة مقارنة بالجامعات الأخرى وذلك للعوامل السابق ذكرها.

وعوامل عدم تحقيق الجودة العالية في الكلية من حيث توافر الأعداد اللازمة من الكفاءات العلمية فإنها من دون أدنى شك تؤثر في الأداء الأكاديمي وجودته على المستويات كلها، فضلاً عن عدم توفر الإمكانات المادية والفنية اللازمة للنهوض بجودة الأداء الأكاديمي ، وكل ذلك ينعكس سلبياً على العملية التعليمية بكاملها، فعلى سبيل المثال: كيف يمكن لأستاذ جامعي يحاضر لـ(250) طالباً وطالبة خلال محاضرة مدتها ساعتان، فهل يمكن أن يكون هناك تفاعل حقيقي بين الطلبة والأستاذ الجامعي حول المادة العلمية ؟ وكيف يستثمر الطالب المكونات والعناصر الإبداعية وعصف الدماغ وغير ذلك في الوصول إلى فهم المادة العلمية وتمثلها علمياً وعملياً . كما إن المدرّس في الجانب العلمي الذي يشرف على (70) طالباً، كيف يقوم بنقل المهارات الأساسية للطلبة، ومشاركة الطلبة مع المدرس في تمثل تلك الخبرات؟ .
مجموعة عوامل

لذلك لا بدّ من توافر مجموعة من العوامل التي تساعد على ارتقاء المؤسسة التعليمية إلى المستوى الذي وضعت من أجله خدمة لاحتياجات المجتمع، فنقص الكوادر العلمية على نحو واضح في بعض الكليات الجامعية والاستعاضة بكوادر غير مؤهلة تأهيلاً كافياً لرأب الفجوة في عملية نقص أعضاء الهيئة التدريسية، سوف يلحق الضرر بمخرجات التعليم، وهم الطلبة، الذين يكون تحصيلهم العلمي دون المستوى المطلوب، وهذا قد يلحق ضرراً بالمؤسسات التي يعملون فيها بعد التخرج.
خسارة مزدوجة
أما فيما يتعلق بتدريس بعض أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات الحكومية و في الجامعات الخاصة، فإن هذا الأمر قد يؤثر تأثيراً سلبياً في أدائه في الجامعة الحكومية، لأن الجهد الذي يبذله في الجامعتين لا يسمح له بالاطلاع الجاد على تخصصه الحقيقي ومتابعة مستجدات العلم، وبالتالي تكون الخسارة مزدوجة ؛ خسارة للجامعة الحكومية وخسارة للجامعة الخاصة، و من المفترض للجامعة الخاصة قبل افتتاحها أن يكون لديها كوادرها العلمية للقيام بواجباتهم التدريسية، لكن لا ضير في أن يكون تعاون بين الجامعات الحكومية والخاصة في مجال البحوث والمؤتمرات وغير ذلك من الأنشطة التي تساعد على تقدم المسيرة العلمية في الجامعات كلها..
يلحق الضرر بمخرجات التعليم
ويضيف الدكتور العاسمي يمكن القول: إن التوازن بين متطلبات الجامعات الحكومية والخاصة من حيث توافر الكفاءات العلمية والتعاون المشترك في مجالات البحث العلمي، وتوفر المستلزمات المادية والفنية، يشجع على المنافسة والارتقاء بالمنظومة التعليمية للتعليم العالي. ومن دون هذا التعاون وتوافر الإمكانات المادية والوسائل التعليمية المساعدة في الجامعات الحكومية فإنه سوف يؤثر سلباً في مخرجات التعليم في تلك الجامعات.
وإن توفر أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الحكومية على نحو كافٍ وفق الشروط العلمية فإنه يساعد على الارتقاء بتصنيف الجامعة تصنيفاً إيجابياً ضمن منظومة الجامعات العلمية، وهذا لا يتم إلّا من خلال رفد الجامعات بالكفاءات العلمية المتميزة، وذلك بتعيين عدد كافٍ من حملة الدكتوراه الذين يتسمون بسمات علمية ومعرفية وأخلاقية متميزة، وتسعى بعض الجامعات السورية للقيام بإجراء مسابقات لاختيار المناسب من أعضاء الهيئة التدريسية للقيام بواجباتهم في الكليات تبعاً لتخصصاتهم العلمية.
مقترحات
ولتحسين الواقع التعليمي في جامعاتنا الحكومية اقترح الدكتور العاسمي : تحسين المستوى المعيشي للأستاذ الجامعي, بحيث يكون راتبه يعادل مرتب الأستاذ في الجامعات الخاصة، لأنه كما نرى بعض أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات الحكومية يكون آخر اهتماماتهم العلمية الحضور إلى جامعتهم الأم، وبعد ذلك يتفرغون للعمل في أي مكان سواء في جامعة خاصة أو أي عمل خاص ليكسبوا مردوداً مالياً يساعدهم على العيش.

-الإسهام في تشجيع أعضاء الهيئة التدريسية الذين يعملون بإخلاص ويقدمون خدمات علمية جليلة في مجال اختصاصهم من قبل الجامعة، مثل جائزة الجامعة التقديرية للأستاذ المميز أسوة بالجامعات العالمية والعربية -و تقييم موضوعي لأعضاء الهيئة التدريسية في كل جامعة، وتكون الترقية وفق شروط خاصة-غير الشروط النافذة اليوم-مثل البحوث والكتب المنشورة، والأنشطة المتعددة على مستوى الجامعة والجامعات الأخرى.

– العمل على إجراء دورات لأعضاء الهيئة التدريسية لإكسابهم الكثير من المهارات اللازمة لتحسين وتجويد أدائهم الأكاديمي.
– السماح لأعضاء الهيئة التدريسية المشاركة في المؤامرات والندوات العلمية داخل وخارج الوطن، وذلك للاستفادة من خبراتهم المكتسبة في تلك المؤتمرات وتوظيفها في مجال عملهم في الجامعة.
– تنشيط البحث العلمي لأعضاء الهيئة التدريسية وذلك من خلال إيفادهم لمدة أربعة شهور لبعض الدول العربية والأجنبية، وذلك لاكتساب الخبرات العلمية في مجال تخصصهم.
– توفر مستلزمات العملية التعليمية في الكليات من مخابر ووسائل عرض وغيرها مما تساعد على تنشيط دوافع أعضاء الهيئة التدريسية في تقديم خبراتهم للطلبة، وهذا بالتالي يزيد من الأداء الأكاديمي لكل من الأستاذ الجامعي والطلبة، بحيث تكون مخرجات التعليم مميزة وقادرة على القيام بمهامها في مؤسسات المجتمع المختلفة.
لا ردَّ لدى “التعليم العالي ”

وللاستيضاح حول الإجراءات التي تقوم بها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي للحد من تسرب الأساتذة الجامعيين أو توجههم إلى التدريس في الجامعات الخاصة نظراً للوضع المادي وكيف يتم ترميم الكوادر وهل يكفي الاعتماد على طلاب الدراسات أو الاستعانة بمدرسين من خارج الملاك كإجراء آني لتسيير العملية التعليمية ؟ لم نلقَ أي ردٍّ من قبل المعنيين فيها إلّا التسويف رغم الانتظار لمدة نحو شهر وإجراء عدة محاولات للحصول على المعلومات !.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار