طهران .. وجدة

بهدوء وقوة وثبات ترسم كلٌّ من إيران وروسيا معالم المرحلة القادمة والتي هي حتماً مرحلة المواجهة الحتمية والمباشرة مع الغرب، صحيح أن حال المواجهة ليس جديداً، لكن الأساليب والوقائع والمتغيرات تفرض نفسها لتعطي صورة متجدّدة عن طبيعة المواجهة.

وبينما لا تعي واشنطن سوى لغة العسكرة والتحشيد وإقامة تحالفات الحروب.. تنحو موسكو وطهران إلى طور جديد من المواجهة لا يروق لواشنطن ويؤثر في مكانتها وهيمنتها العالمية وعلاقاتها الدولية ولاسيما مع اختلاف الموازين وإيقاع اللعبة الدولية، حيث إن اللغة الأمريكية ليست مجدية وحدها ولابدّ من مواجهتها بلغة الحوار والتعاون وبناء شبكة واسعة من العلاقات الدولية والإقليمية في مختلف الصعد والبحث عن حلول جديّة سياسية للعديد من الملفات وأهمها الملف السوري، وهذه أهم أشكال المواجهة الروسية الإيرانية مع الغرب.

قمّة طهران الثلاثية، بين الدول الضامنة لمسار أستانا، إيران- روسيا- تركيا، إذا ما سارت نتائجها النهائية إلى خواتيمها بالتطبيق والتنفيذ –هنا يبقى الجانب التركي موضع شك- فإنها ستغير الكثير من المعطيات، وسيتم تثبيت واقع ميداني جديد يغير المسار المرسوم أمريكياً، وهذا الواقع من شأنه بالضرورة الحتمية أن يؤثر في طبيعة التحالفات الموجودة على الأرض السورية مع واشنطن، هذا ضربة ليست بالقليلة للولايات المتحدة.

لاشك في أن أمريكا قوة عظمى ولا يمكن التنكر لذلك، لكنها قوى ظلت مرهونة بعقلية الهيمنة دون الاكتراث لحتمية التحولات على مرّ العقود، بينما القوى الأخرى كروسيا وإيران والصين تدرك طبيعة التحولات التي لا ينفع معها العقلية الجامدة، إذ تحتاج لعقلية مرونة قادرة على إيجاد الحلول وبناء مسارات جديدة حسب طبيعة القضايا والعلاقات، وهنا كانت السقطة الأمريكية حيث نجحت القوى الأخرى بالصعود وعلى مرأى من عينيها دون أن تستطيع الحؤول دون ذلك، فكانت إثارة الفوضى والحروب سلاحها الذي تعرض بدوره للخسائر سواء بصفة مباشرة أو عبر الوكلاء.

بنظرة أشمل على قمّة طهران، وقمّة جدة الأخيرة ، إذا ما أردنا المقارنة فيما بينها ونتائجهما، ندرك أين وصل الحال الأمريكي حيث لا جديد أتت به قمّة جدة غير مألوف، بل لم تتمكن واشنطن من جني ما أرادته من دول الخليج، في المقابل تمكنت روسيا وإيران إلى حدٍّ كبير وفق ما ظهر للآن من لجم الاندفاعة التركية تجاه االشمال السوري، والاتجاه نحو العمل على واقع تثبيت الحلول السياسية وترجيحها من باب الحرص على السيادة السورية.

رغم أن الجانب التركي غير مأمون الجانب ويحاول فرض شروطه التي لم تتحقق، إلّا أن موسكو وطهران تعملان على تغيير مسار الدور التركي بما يعود بالأمن على تركيا ذاتها، وعليه فإن النظام التركي أمام فرصة يجب استغلالها إن كان يهتم باستقراء المستقبل، وإلّا فأي اعتداء تركي على الأراضي السورية وإقامة ما يسمى “منطقة آمنة” يزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة، إذ تجدّد سورية تأكيدها على رفض سياسات التتريك والتدخلات التركية في شؤونها سورية، مع الإصرار على خروج جميع القوات الأجنبية الموجودة بشكل غير شرعي، فالسيادة السورية فوق أي اعتبار آخر.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار